تعيين مزوز وحدود سلطة القانون في إسرائيل
تعيين مزوز كقاض في المحكمة العليا، يؤكد من جديد أن حدود سلطة القانون في إسرائيل هي حدود الشعب اليهودي لا غير.
لم يُثر تعيين المحامي ميني مزوز قاضيًا في المحكمة العليا أي نقاشٍ في الرأي العام الإسرائيلي. هذا التعيين لم يكن ليمرّ أبدًا في مجتمع ديمقراطي يولي أهميّة لمكانة أقليّة قوميّة وللعلاقة معها. الأسباب لذلك كثيرة، لكنّ أهمها الدور الحاسم الذي لعبه مزوز في إغلاق ملفّات التحقيق مع المسؤولين عن قتل 13 شابًا عربيًا خلال هبة القدس والأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) 2000.
في كانون ثاني 2008، قرر مزوز إغلاق كافة ملفات التحقيق في استشهاد الشبان رغم التوصيات الواضحة والصارمة التي خلصت إليها لجنة أور، وذلك بعد أن رأت اللجنة أن جزءًا من الملفّات يحوي أدلةً كافية لمحاكمة رجال الشرطة المسؤولين عن القتل، وأن السلطات المختصة عليها أن تستوفي التحقيق في الملفّات الأخرى.
ليس التعيين وحده، إنما أيضًا توقيت هذا التعيين أسبوعين قبل إحياء فلسطينيي الداخل للذكرى الـ 14 لأحداث أكتوبر، يدلّ على مدى الاستخفاف بالمجتمع العربي، وهو رشّة ملحٍ على الجرح النازف، ويأتي ليزيد مشاعر السخط والغضب. هكذا، تُضرب بعرض الحائط أكبر مظاهرة خرج بها الفلسطينيّون في إسرائيل منذ يوم الأرض 1976، بعد أن قرر مزوز إغلاق الملفّات، حيث تظاهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين شوارع مدينة سخنين احتجاجًا على هذا القرار.
لكنّ مزوز، يجدر التذكير، لم يكن الوحيد الذي تمّت ترقيته من بين المسؤولين عن التقاعس والإخفاقات الجسيمة بالتحقيق في ملفّات القتل. من شغل منصب المستشار القضائي للحكومة إبان أكتوبر 2000، الياكيم روبنشطاين، عُيّن كذلك كقاضٍ في المحكمة العليا منذ سنوات، وكذلك آخرين شغلوا مناصل مختلفة في النيابة العام، وكانت لهم صلة مباشرة بإغلاق الملفّات، تمّت ترقيتهم لمناصب رفيعة؛ المحامي شاي نيتسان كان يترأس لجنة الداخلية في وزارة القضاء التي أوصت بإغلاق الملفّات، تمّت ترقيته ليشغل منصب المدّعي العام. الضابط بنتسي ساو، الذي كان قائد شرطة وادي عارة، والمسؤول المباشر عن قوات الشرطة التي قتلت ثلاثة من الشبان في أم الفحم ومعاوية أصبح اليوم قائد لواء تل أبيب في الشرطة.
عدا عن دوره الحاسم في إغلاق ملفات أكتوبر 2000، صاغ مزوز شخصيًا اقتراحات قوانين تمييزيّة، صادق على اقتراحات أخرى ودافع أمام المحكمة العليا عن قوانين كثيرة تمييزية وعنصرية ضد المواطنين العرب وتمس بحقوقهم الأساسية. على سبيل المثال، عمل مزوز على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، الذي يمنع لم شمل عشرات الاف العائلات الفلسطينية التي أحد الأبوين فيها من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة. وقد حظي القانون بانتقادات كبيرة من قبل أوساط واسعة محلية ودولية، التي وصفته بقانون فصل عنصري. هذا القانون يميز ضد المواطنين العرب وينتهك حقهم الأساسي بالحياة العائلية، وبالأساس يضع علامة استفهام على حقهم بالمواطنة، والتي تعتبر الركيزة الأساسية التي تشتق منها كافة الحقوق في الأنظمة الديمقراطية. انتهاك هذا الحق، فتح الطريق أمام تشريعات تمييزية وعنصرية إضافية تكرّس المس بهم وبحقوقهم.
في العام 2007 دعم مزوز قانون "لجان القبول" الذي يمنع الفلسطينيين من السكن في 434 بلدة جماهيرية أقيمت على أراض عامة، وهي بغالبيتها العظمى أراض فلسطينية مصادرة، وبذلك منح المصادقة القانونية الرسمية لسياسة الفصل العنصري بالمسكن بين العرب واليهود القائمة أصلاً في إسرائيل. وقد صادق مزوز على هذا القانون الذي سُنّ في أعقاب قرارات حكم سابقة للمحكمة العليا، والتي قد خرجت في قضايا عينيّة خارج المبادئ المُطلقة في إسرائيل، وهي مبادئ السيطرة المطلقة لليهود على أراضي الدولة. ضمن قرارات المحكمة التي أتى القانون لينقضها، كان قرار المحكمة الشهير في قضيّة قعدان. هذا القانون، الذي صادق عليه مزوز في حينه، حظي بنقد لاذع من قبل قضاة الأقلية (4 قضاة) في حين صادق عليه قضاة الأغلبيّة (5 قضاة) كما واجه نقدًا لاذعًا من قبل بعض الأوساط داخل إسرائيل والهيئات الدوليّة المختلفة. يشار إلى أن قرار الحكم في قضية لجان القبول صدر بعد أقل من اسبوعين على صدور قرار من ذات المحكمة، والذي رفض طلب أهالي قرية أم الحيران البدوية غير المعترف بها في النقب، والتي يسكنها قرابة 1000 إنسان، بالاستئناف على القرار بهدم كافة بيوت القرية بهدف إقامة بلدة يهودية باسم حيران على أنقاضها. من ضمن تعليلاتها لرفضت المحكمة طلب أهالي أم الحيران، قالت المحكمة أنه "لا مصلحة للجمهور" في هذا الملف! هكذا. مصير مئات البشر في أم الحيران، الذين يعيشون في قريتهم منذ العام 1956، لا يهم المحكمة والجمهور.
سلسلة القرارات التي اتخذها حين أشغل منصب المستشار القضائي للحكومة، تشير إلى أن قرارات مزوز لا تنبع من اعتبارات قضائية ومهنية، لكنها تنبع من مواقف سياسيّة شخصية، التي ظهرت في كافة القرارات الهامة المتعلقة بالجمهور العربي وأثرت عليه. كما أن انعدام النقاش العام حول تعيين مزوز يدل على مفهوم سلطة القانون في المجتمع الإسرائيلي. الكثيرين هللوا ومدحوا شجاعة مزوز، الذي قدم لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت ووزراء اخرين، لكنهم تجاهلوا تمامًا انعدام هذه الشجاعة فيما يخص ملفات القتل في أكتوبر 2000، رغم توصيات لجنة التحقيق الرسمية في الموضوع. تعيين مزوز كقاض في المحكمة العليا، يؤكد من جديد أن حدود سلطة القانون في إسرائيل هي حدود الشعب اليهودي لا غير.