ماحاش: الضوء الأخضر لعنف الشرطة
مجلّة عدالة الإلكترونيّة، أيلول 2014
1. مقدّمة
صورة قاتمة تظهر من جزئيّ تقرير "المتّهمون" الذي أصدره مركز عدالة، وهو تقرير شامل يلقي الضوء على عمل وحدة التحقيق مع الشرطة بشأن أحداث أكتوبر 2000 واستشهاد 13 شابًا عربيًا وجرح المئات منهم أثر خروجهم للتظاهر. صدر الجزء الأوّل من التقرير في العام 2006، ثم الجزء الثاني في العام 2011. أرسل التقرير بجزئيه إلى وزيريّ القضاء في تلك الفترة، ميئير شطريت ودانيئيل فريدمان، كما أرسل للمدعيين العامّين موشي لادور وعيران شندار. أرسل للمستشار القضائي للحكومة، مناحم مزوز، وكذلك إلى هرتسل شابيرو، رئيس وحدة التحقيق مع الشرطة- "ماحاش".
يظهر من التقرير أن وحدة ماحاش لم تحقق بتاتًا بخمس من الجرائم التي ارتكبتها الشرطة في أكتوبر 2000، وذلك رغم تعليمات لجنة أور التي أمرت بذلك. تجاهلت ماحاش أهم توصيات أور دون أن تأتي بدليلٍ أو ادعاء يدعم موقفها. بسطحيّة بالغة، فحصت ماحاش أوامر استخدام القنّاصة خلال الأحداث، أما التحقيقات بثمانية جرائم القتل الأخرى فقد جرت بتأخير كبير بعد أن أقيمت لجنة أور. حين وقعت الأحداث، امتنعت ماحاش كليًا عن التحقيق بهويّة رجال الشرطة الذين قتلوا المتظاهرين. لم يصل محققو ماحاش إلى موقع استشهاد الشبّان، لم يجمعوا معلومات من أرض الحدث، لم يجمعوا شهادات من شهود العيان ولا حتّى شهادات رجال الشرطة أنفسهم. في الجزء الأوّل من "المتّهمون" يقتبس التقرير أحد رجال الشرطة الذين حُقق معهم قائلًا أن جلسات التحقيق في ماحاش كانت أقرب إلى "جلسة بين أصدقاء".
"سطحيّة ومتقاعسة" كانت تحقيقات ماحاش في ملف أكتوبر 2000- هذه كانت استنتاجات عدالة الأساسيّة. وحدة التحقيق مع الشرطة ضربت بعرض الحائط كل واجباتها القانونيّة والأخلاقيّة تجاه الجمهور. هذه التقارير، وغيرها من الاحتجاجات العارمة التي وصلت الجهات المسؤولة، لم تثن ماحاش عن مواصلة ممارساتها دفاعًا عن رجال الشرطة ومن أجل حمايتهم: لا زالت التحقيقات تفتح بتأخير كبير، تُدار بأساليب مشوبة بالفساد... هذا إن كانت التحقيقات قد فُتحت أصلًا.
*
بعد 14 عامًا من جريمة أكتوبر 2000، يواصل مركز عدالة رصد ممارسات ماحاش. في العام الأخير قدّم المركز في العام الأخير عشرات الشكاوى باسم متظاهرين تم الاعتداء عليهم خلال المظاهرات الأخيرة. كل الشكاوى التي قدّمت إلى ماحاش تعتمد على شهادات مفصّلة أدلى بها المتظاهرون، كما تتأسس على أدلّة من موقع الأحداث تشمل صور ومقاطع فيديو، كما تشمل تقارير طبيّة رسميّة للجرحى، كلّها تثبت وحشيّة العنف والقمع الذي تمارسه الشرطة ضدّ المتظاهرين.
من جهة وحدة التحقيق مع الشرطة – ماحاش – لا تزال الصورة كما كانت. الوحدة مستمرّة في اداءها المتدنّي وفي التغطية والدفاع عن انتهاكات الشرطة: غالبيّة الملفّات العُظمة يتم إغلاقها، أما التحقيقات التي تُفتح فبتأخير كبير، وبشكلٍ غير مهنيّ، دون أن تقدّم أي لوائح اتهام ضد رجال الشرطة رغم وجود الأدلّة. يأتي هذا التقرير ليرصد فشل وحدة ماحاش المتواصل في أداء المهام الموكّلة بها الوحدة، متّخذين لذلك أمثلة لشكاوى عدالة التي قُدّمت لماحاش بين العام 2011 و 2013.
2. بالأرقام: إغلاق ملفّات التحقيق بين العامين 2011 و 2013
تستمد ماحاش صلاحيّات عملها من التعديل رقم 11 لأنظمة الشرطة (الصيغة الجديدة) الصادرة في العام 1971، وتحديدًا من البند (49.ط) وحتّى البند (49.ي أ) من هذه الأنظمة. وهي بنود تنص على واجب وحدة ماحاش التحقيق مع كل شرطيّ إذا ما كانت الشبهة الموجهة إليه هي شبهة لمخالفة يعاقب عليها القانون، شرط أن تكون العقوبة القصوى على هذه المخالفة، نظريًا، أكثر من سنة سجن.
غالبية الشكاوى العظمى التي تُقدّم لماحاش، خاصةً من قبل المتظاهرين، هي شكاوى على استخدام مفرط للعنف من قبل رجال الشرطة، وهي عمليّات اعتداء. قانونيًا، يمكّن البند 378 للقانون الجزائي الصادر عام 1977 من فرضة عقوبة السجن لمدة سنتين إذا ما ثبتت هذه التهمة. وعليه، فإن غالبية الشكاوى العظمى التي تُقدّم لماحاش، هي شكاوى تستوجب التحقيق.
شهر آذار من العام 2014 الجاري، توجّه مركز عدالة إلى وزارة القضاء مطالبًا بالحصول على معلومات حول عدد الشكاوى المقدمة لماحاش ضد رجال الشرطة بين العام 2011 و 2013، كما طالبها بالكشف عن عدد الملفات التي أغلقت بعد التحقيق، وتلك التي أغلقت من دون تحقيق، وعدد الملفات التي قُدّم فيها رجال الشرطة لأي محاسبةٍ من أي نوع. طلب مركز عدالة من وزارة القضاء، كذلك، كشف المعطيات بفرز النتائج بين المشتكين اليهود والمشتكين العرب، وذلك من أجل توضيح التمييز بإغلاق الملفّات ضد المشتكين العرب، إلا أن الوزارة لم تستجب لطلب عدالة.
مع هذا، فإن المعطيات التي تلقّاها مركز عدالة يوم 1.5.2014 تبدو خطيرة: بين العام 2011 و 2013، قُدّمت 11,282 شكوى لماحاش. هذا الرقم وحده، قبل الدخول في سائر التفاصيل المتعلقة، يثبت أن عنف الشرطة وانتهاكاتها لحقوق المواطنين هي انتهاكات واسعة وخطيرة. يُمكن كذلك أن نُشير إلى أن نسبة عالية جدًا ممن تعرّضوا لاعتداءات الشرطة لم يقدّموا شكاوى لأسباب عديدة. ومع هذا، الصورة التي تنعكس من المعطيات هي صورة خطيرة مقلقة:
• في 93% من الشكاوى التي قُدّمت ضد الشرطة، قررت ماحاش إما أن تغلق الملفّات وإما أن لا تحقق بها بتاتًا.
• أكثر من 72% من الملفات أغلقت قبل التحقيق بادعاءات مختلفة، من بينها الادعاءات التي يضمنها قانون الإجراء الجنائيّ لإغلاق الملفّات، مثل: عدم وجود مصلحة للجمهور، عدم وجود شبهة وعدم وجود أدلّة. ومن جهة أخرى، تستخدم ماحاش لإغلاق الملفّات ادعاءات كثيرة لا وجود لها في القانون، مثل: عدم التعرّف على هويّة مرتكب المخالفة، عدم وجود مخالفة، أو عدم وجود صلاحيّة لوحدة التحقيق.
• قرابة 21% من هذه الملفّات أغلقت بعد التحقيق، 50% منها بحجة "عدم وجود أدلّة".
• في 3.3% من الحالات فقط (373 ملفًا) قُدم رجال الشرطة لمحكمة تأديبية داخليّة، وفقط في 2.7% من الحالات فقط (306 ملفات) قُدم رجال الشرطة المتورطين للمحاكمة الجنائيّة.
3. مبررات ضبابيّة لإغلاق ملفّات التحقيق
يفصّل البند 62 من قانون الإجراء الجنائي (الصيغة الصادرة عام 1982) ثلاث حالات تُعطى فيها الصلاحيّة لماحاش، كما للنيابة العامّة والشرطة، بإغلاق ملفّات التحقيق. هذه الحالات التي يفصّلها القانون هي: عدم وجود مصلحة للجمهور، عدم وجود شبهة وعدم وجود أدلّة. وكما عند النيابة العامّة والشرطة، من واجب ماحاش، حين يتم إغلاق ملفّ التحقيق، أن تفسّر قرارها وتوضّح الأسباب العينيّة التي أغلق الملف بسببها. المبدأ الأساسي الذي يقف خلف إلزام السلطات تعليل قراراتها، هو لجم السلطة ومنعها من اتخاذ قرارات تعسّفيّة، وإجبارها على النظر بموضوعيّة وجديّة لمثل هذه القرارات، ودراسة إسقاطاتها. حتى لم تكن بنود قانونيّة عينيّة تُلزم ماحاش بتعليل قراراتها، إلا أنها ملزمة بذلك لكونها تلتزم بالشفافيّة، الإنصاف والإدارة السليمة التي تلتزم بها كل سلطة عامة. يٌضاف إلى ذلك، أن ماحاش حين تمتنع عن تعليل قراراتها، فإنها تُعيق عمل المحكمة حين تأتي لتنظر في صلاحيّة القرار.
واجب ماحاش بتعليل أسباب إغلاق الملف تحمل، كذلك، أهميّة قصوى لتأثيرها على إمكانية أن يقوم المشتكي بالاستئناف على القرار. في غالبية الملفات، يظهر من المعطيات التي أمامنا، تقرر ماحش أن تغلق التحقيق دون أن تفسر قرارها أمام المشتكي.
مثال من ملفّات عدالة: ع.د (الاسم محفوظ)
في تاريخ 20.2.2014 وصل مركز عدالة ردّ وحدة ماحاش الذي يبلغ بقرار عدم فتح تحقيق في الشكوى التي قدّمها المركز باسم (ف.ع) دون الإشارة إلى أيّ من التعليلات التي يتيحها البند 62 من قانون الإجراء الجنائي. وحدة التحقيق كتبت في ردّها تعليلًا ضبابيًا: "ظروف القضيّة لا تستوجب فتح تحقيق جنائيّ".
مثال من ملفّات عدالة: س.ك (الاسم محفوظ)
في تاريخ 5.2.2013 قدّم مركز عدالة شكوى لماحاش باسم (س.ك)، وجاء في الشكوى أن السيّدة تعرّضت لاعتداء الشرطة خلال مشاركتها في مظاهرةٍ عُقدت في حيفا يوم 30.11.2013 احتجاجًا على مخطط برافر، من قبل ثلاثة رجال شرطة. ضُربت ودُفعت حتّى وقعت على جذع شجرة، ثم هربت قبل أن يعتدي عليها رجل شرطة آخر مرّة أخرى. بعد الاعتداء عانت السيّدة من التقيّؤ، ومن آلامٍ في الرأس والرقة والظهر. إضافةً لذلك، خضعت لفحص CT وتعالجت بمسكّنات الآلام. في تاريخ 20.2.2014، وصلت مركز عدالة رسالة من ماحاش جاء فيها قرار بعدم فتح تحقيق بالشكوى، وذلك بحجّة واهية وضبابيّة تتعلق بـ"فحص الشأن الجماهيري العام في هذا التحقيق".
مثال من ملفّات عدالة: و.ف (الاسم محفوظ)
في تاريخ 23.12.2013 قدّم مركز عدالة شكوى لماحاش باسم (و.ف) الذي شارك بمظاهرة عُقدت في حيفا يوم 30.11.2013 احتجاجًا على مخطط برافر. خلال المظاهرة، هاجم عدد من رجال الشرطة المشتكي، دفعوه فوقع أرضًا، ثمّ جروه من شعره في الشارع. بعد الاعتداء عليه، عانى (و.ف) من آلام في بطنه وظهرت على جسمه بوضوح آثار الاعتداء. في تاريخ 20.2.2014، تلقّى مركز عدالة رسالة تبلغ بقرار ماحاش عدم فتح تحقيق بالشكوى، وجاء في القرار أن "ظروف هذه القضيّة لا تبرر فتح تحقيق جنائيّ". هذا طبعًا، ليس تفسيرًا يضمنه القانون الجنائيّ.
4. إغلاق الملفّات رغم استخدام الشرطة المفرط للقوّة
اعتمد قرار إغلاق ملفات التحقيق في غالبية الشكاوى، إلى جانب ما ذكر، على الادعاء بأن الاستخدام المفرط للعنف من قبل الشرطة لا يقتضي بالضرورة فتح تحقيق جنائيّ، ويُمكن إغلاق ملف التحقيق حتى لو وجدت شبهات قويّة بهذا الاتجاه. ما تتجاهله ماحاش هو أن الاستخدام المفرط للقوة هو مخالفة جنائيّة خطيرة يلزم القانون السلطات بالتحقيق بها. قرار ماحاش عدم التحقيق في هذا النوع من القضايا، ينسف الهدف الأساسي الذي من أجله أقيمت الوحدة.
مثال من ملفّات عدالة: ل.ش (الاسم محفوظ)
في 5.12.2013 قدم مركز عدالة شكوى لماحش باسم (ل.م). جاء في الشكوى أنه خلال مشاركتها في مظاهرة في حيفا بتاريخ 30.11.2013، أصيبت السيّدة جراء تسليط خرطوم مياه مباشرة نحو رؤوس المتظاهرين. بسبب الإصابة وقعت أرضًا، جرحت عينها اليسرى وتم إخلائها إلى المستشفى، وهناك تم تقطيب الجرح فوق عينها. وقد أرفق عدالة صور تشير إلى الجرح الذي أصيبت به السيدة. في 20.2.2014، وصل رد ماحش على الشكوى وجاء فيه الجواب الآتي: "حتى وإن أثبت أن الصورة التي تصفها المشتكية صحيحة، فالحالة لا تتعدى الحد الذي يبرر اتخاذ خطوات جنائية، ولذا تم إغلاق الملف."
5. عدم تحديد هويّة المشتبه به
أحد المبررات الواهية الأكثر انتشارًا بين التبريرات التي تستخدمها ماحاش لإغلاق الملفّات، هو أن هوية الشرطي المشتبه به لم تُحدد. السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن رجال الشرطة خلال المظاهرات والاعتقالات لا يعلّقون على زيّهم الموحّد بطاقات التعريف كما يفرض عليهم البند (5.أ) من أنظمة الشرطة الداخليّة الصادرة في العام 1971، وكما جاء في أوامر مقر القيادة القطريّة للشرطة الصادرة في العام 2001 بشأن واجب الشرطي في أن يعرّف عن نفسه أمام الجمهور. عدم وضع بطاقات التعريف يصعّب على المشتكين معرفة أسماء الشرطيين المعتدين، وبالتالي تدّعي ماحاش أنه لا يمكن "تحديد هويّة المشتبه به" وإحضاره لاستكمال التحقيق. هذا النمط من التصرف يتكرر مرة تلو الأخرى وهكذا يتملص الكثير من رجال الشرطة من المسؤولية عن أفعالهم.
من جهتها، لم تتخذ ماحش أي خطوة أو حتى موقفًا نقديًا ضد هذه الظاهرة. لم تطالب الشرطة بتطبيق القانون وإلزام رجالها بوضع بطاقة التعريف. إضافةً لذلك، لم تبذل وحدة التحقيق ماحاش أي مجهود للوصول إلى هويّة رجال الشرطة المشتبه بهم، ولم تتخذ أي خطوات لتمكين المشتكين من التعرف على الشرطيين المعتدين. وسائل التحقيق التقنيّة البسيطة، مثل عرض صور من الحدث للمشتكين، فحص قوائم رجال الشرطة المشاركين بالحدث أو أي من الوسائل الأخرى، لا يتم اعتمادها أبدًا، وذلك خلافًا لما ينصّه البند (49.ط) والبند (49.ي) لأنظمة الشرطة الداخليّة.
مثال من ملفّات عدالة: ع.ت (الاسم محفوظ)
يوم 5.12.2013 قدم مركز عدالة شكوى لماحش باسم (ع.ت). جاء في الشكوى أنه خلال مشاركتها في مظاهرة في حيفا ضد مخطط برافر بتاريخ 30.11.2013، حيث هاجمت مجموعة من رجال الشرطة متظاهرين كانوا يقفون على الرصيف، وهي من ضمنهم. في شهادتها جاء: "صعد رجال الشرطة إلى الرصيف واعتدوا علي، وخنقوني بواسطة الشال الذي كنت ارتديه، شدوني من شعري، وضربوني بالعصي مرتين على وجهي، مما أدى إلى إصابتي بالغثيان، مجموعة من أربعة أو خمسة رجال شرطة اوقعوني أرضًا ركلوني وضربوني مجددًا بالعصي. كذلك قاموا بضرب كل من حاول مساعدتي، ولم يتوقفوا عن ركلي حتى صرخ أحد الحضور أنني محررة رئيسية لصحيفة. عندها، وبينما كنت لا أزال على الأرض، ابتعد الشرطيان الرجال وتوجهت إلى شرطية بادعاء أنها تحاول مساعدتي".
نتيجة الاعتداء عليها عانت السيدة من فقدان الإحساس في رقبتها وكتفيها، نزيف داخلي وخارجي في الأنف، حساسية في أضلعها من الجانبين، وبشكل عام وصفت إصابتها بالمتوسطة. وقد أمرها الطبيب المعالج بالراحة بالبيت لمدة أسبوعين على الأقل. وجاء في الشكوى أن رجال الشرطة الذين اعتدوا عليها لم يضعوا بطاقات تعريف تحمل أسمائهم."
بتاريخ 3.3.2014 قدّمت توما شهادتها أمام ماحش. وفي تاريخ 17.8.2014 وصل رد وزارة القضاء وبموجبه تقرر إغلاق الملف بادعاء أنهم لم يتمكنوا من تحديد هوية رجال الشرطة الذين اعتدوا على السيّدة. كما ذكرنا، رجال الشرطة الذين اعتدوا عليها لم يضعوا شارات تحمل أسمائهم، كما أن ماحش لم يبادر إلى خطوات تساعد في تحديد هويتهم مثل "طابور التشخيص" أو تشخيص بواسطة البوم صور أو أي محاولة للتعرف على الشرطيين الذين شاركوا بتفريق المظاهرة.
6. اغلاق الملفّات دون سماعة شهادات المشتكي/ة
أغلقت أغلبيّة الملفّات من دون أن يدلي المشتكي بشهادته أو يجري التحقيق معه، وذلك بما يتناقض مع البند الثاني من أنظمة الإجراءات الجنائيّة (الشهادات) من العام 1927، والذي يعطي صلاحيّة لوحدة التحقيق بأن تنفّذ تحقيقات مع كل إنسان يعرف معلومات أو حقائق حول ملابسات المخالفة التي يتم التحقيق بشأنها. عدم دعوة المشتكيّن للإدلاء بشهادتهم هو عامل آخر يؤكّد أن الهيئات المخوّلة لتطبيق القانون تتعامل بموجب معايير تمييزية وغير متساوية.
مثال من ملفّات عدالة: ف.ع (الاسم محفوظ)
الشاب (ع.د) الذي فصّلنا قصّته في صفحات سابقة أغلق ملفّه من دون أن يتم دعوته للاستماع لشهادته.
مثال من ملفّات عدالة: س.م (الاسم محفوظ)
بتاريخ 5.12.2013 قدم مركز عدالة شكوى لماحش باسم السيدة (س.م). جاء في الشكوى أنه خلال مشاركتها في مظاهرة ضد مخطط برافر في حيفا بتاريخ 30.11.2013، قام أحد رجال الوحدة الخاصة بالشرطة بدفعها وضربها على صدرها، مما أدى إلى وقوعها أرضًا. وعندما حاولت النهوض اعتدى عليها خمسة رجال شرطة، حيث قام بعضهم بركلها بينما كانت لا تزال مطروحة أرضًا. بالمقابل، قام اثنان من رجال الشرطة بحملها من يديها واثنان آخرين من رجليها، لكن الشرطيين اللذان مسكا بيديها تركاها مما أدى إلى وقوعها مجددًا وجرها من قبل الشرطيين اللذين أمسكا برجليها. وقد أرفق عدالة إلى الشكوى صورًا تثبت أنها أصيبت بعينها اليمنى جراء الاعتداء. السيدة (س.م) لم تُدعى للإدلاء بشهادة أمام ماحش. وفي في تاريخ 20.2.2014، وصل رد وزارة القضاء على الشكوى، والذي يفيد بأنه تقرر بعدم فتح تحقيق في الشكوى.
7. منع امكانية تقديم استئناف ناجع
مع البلاغ الذي يُعلم المشتكي بقرار إغلاق ملف التحقيق في شكواه، تُعلم ماحاش المشتكي بحقّه في تقديم استئناف على القرار خلال ثلاثين يومًا. لكن هذه ليست إلا إشارة شكليّة، بينما بالحقيقة لا زالت النظم الداخليّة لماحاش تمنع تقديم استئنافات ناجعة وموضوعيّة ضد قرارات إغلاق الملفّات. أهم ما في الأمر أن النظم الداخليّة لماحاش لا تحتوي على تعليمات واضحة تُجبر ماحاش بأن تسمح للمشتكي بالاطلاع على مواد التحقيق التي استنادًا عليها أغلق الملف. بالتالي، فإن المشتكي لا يستطيع تقديم الاستئناف إن لم يعرف ما هي مواد التحقيق التي تناقض أو تعزز قرار ماحاش.
حتّى وإن كان القانون يمنح الحقّ بالاطلاع على ملف التحقيق فقط لمن تقرر تقديم لائحة الاتهام ضدّه بشأن الملف، وحتى لو لم يمنح القانون هذا الحقّ للمشتكي، إلا أن المبادئ والاعتبارات التي وضعتها النيابة العامّة تحدد معايير واضحة يُمنح فيها الحقّ للمشتكي بأن يطلع على المواد، خاصةً إذا ما كانت مواد التحقيق مطلوبة بهدف تقديم استئناف على قرار سابق. ماحاش من جهتها، تتجاهل تعليمات النيابة العامّة وتمتنع كليًا عن عرض مواد التحقيق أمام المشتكي بما يفيده لتقديم الاستئناف.
في معظم الحالات التي يُطلب فيها من ماحاش الاطلاع على مواد التحقيق بهدف تقديم استئناف على إغلاق ملف ما، يتم تجاهل الطلب دون الردّ عليه. على سبيل المثال، تلقّى مركز عدالة في تاريخ 20.2.2014 رسالة من ماحاش، تُفيد بإغلاق خمسة ملفّات لخمس شكاوى قدّمها عدالة، من بينها الشكاوى التي تقدم بها (ف.ع) و (س.م) و (س.ك) و (ل.ش). في 11.3.2014 قدّم مركز عدالة طلبًا للاطلاع على الأدلّة التي بموجبها أغلقت المواد من أجل تقديم استئناف. حتّى الآن، نهاية شهر أيلول 2014، لم يصل عدالة أي ردّ من ماحاش بما يتعلّق بهذا الطلب.
8. التأخير بالنظر في الشكوى
بموجب قرار اللجنة الوزاريّة لشؤون رقابة الدولة رقم (ب.ق.98) الصادر بتاريخ 11.10.2005، يمنع أن يطول التحقيق الذي تجريه ماحاش أكثر من ثلاثة أشهر. الهدف من تحديد سقف زمني قصير وسريع لإجراء التحقيق هو منع وضعية تتجاوز فيها المخالفة فترة التقادم، فيُصبح من غير الممكن تقديم الشرطي لمحاكمة تأديبيّة داخليّة.
لكن الوقت الذي يمضي منذ تقديم الشكوى حتى القرار بإغلاقها، هو وقت طويل وغير معقول، وبغالبية الحالات يتعدى الوقت المحدد بقرار لجنة الوزراء المذكور أعلاه. هذه الفترة الطويلة، تقيّد إمكانيّة المشتكي من أن يستأنف على القرار. مرور وقت طويل يصعّب عمليّة تجميع الأدلة، التفاصيل الدقيقة تُنسى، ودافع الشهود ليدلوا بما شهدوه تضعف، الأمر الذي يقوض الإمكانية الفعلية لتقديم استئناف على القرار بإغلاق الملف.
مثال من ملفّات عدالة: و.خ (الاسم محفوظ)
بتاريخ 5.12.2013 ، قدم مركز عدالة شكوى لماحش باسم (و.خ). وجاء في الشكوى أنه عند بداية المظاهرة في حيفا بتاريخ 30.11.2013، توجه إليه أحد رجال الشرطة وهدده أنه سيقوم باعتقاله خلال المظاهرة. وبعد مضي قرابة نصف ساعة، ركض نحوه نفس الشرطي وقام باعتقاله، وانضم عدد من رجال الشرطة وقاموا بالاعتداء عليه، حيث كانوا يصرخون أنه يقاوم الاعتقال، رغم أنه لم يقاوم اعتقاله أبدًا.
بعد ذلك، سمع (و.خ) رجال الشرطة يتحدثون فيما بينهم عن التقرير الذي سيقدمونه، والذي سيذكرون فيه سبب اعتقاله، وينسبون له أعمال لم يقم بها بتاتًا كإلقاء الحجارة، تهديد رجل شرطة بالقتل وأمور أخرى. في وقت لاحق، اعتدى رجال شرطة عليه مرة أخرى، بعد أن كان قد تم اعتقاله، وذلك بسبب انتقاده للاعتداء على متظاهرين آخرين، كما تم شتمه بألفاظ نابيه. حتى اللحظة لم يصلنا أي رد من قبل وزارة القضاء على هذه الشكوى.
9. نظام "إذن المحاكمة"
في الحالات التي تقدّم بها شكاوى متبادلة بين الشرطي والمواطن بشبهات الاعتداء، يتم تطبيق تعليمات المدعي العام رقم (2.18) الصادر في 14.4.2008: "سياسة المدعي العام في ملفات التحقيق التي فيها شكاوى متبادلة" - بحسب هذا النظام، من أجل ألا يتم تقديم لائحتي اتهام متناقضتين بما يتعلق بحادثة واحدة، يؤجّل تقديم لائحة الاتهام ضد المواطن إلى أن تصرّح ماحاش للشرطة أن تقدّم لائحة الاتهام ضده. إذا ما طلبت الشرطة أن تقدّم لائحة الاتهام ضد المواطن بإجراء سريع- خلال فترة اعتقاله مثلًا- يتم فحص مواد التحقيق لدى ماحاش بشكل عاجل (خلال ساعات قليلة). إذا ما ظهر في هذا الفحص السريع والسطحي أن مواد التحقيق لا تحوي مواد جديّة ضد الشرطي، تتلقى الشرطة إذنًا من ماحاش لتقديم المواطن للمحاكمة والاستمرار بالإجراءات. في هذه الحالة، يُغلق ملف التحقيق ضد الشرطة ولا يتم فتحه مرّة أخرى في ماحاش مستقبلًا.
مثال من ملفّات عدالة: م.ح (الاسم محفوظ)
في تاريخ 15.7.2013 تم اعتقال (م. ح) بعد أن شارك في مظاهرة عند مفترق يوفاليم. خلال المظاهرة تم الاعتداء عليه وضربه في كل أنحاء جسمه. بعد أن تم تقييده، واصل رجال الشرطة الاعتداء عليه بالضرب حتى نُقل للعلاج الطبّي في المستشفى، بعد أيام قليلة من الحادث ظهر أنه يعاني من كسور بضلوع الصدر، نتيجة الاعتداء. خلال التحقيق معه، بشبهة الاعتداء على رجل شرطة، تحدّث مهنّد للمحققين عن العنف الذي مورس ضدّها، رغم ذلك، وبعد أيام قليلة بعد بدء التحقيق، تلقّت الشرطة "إذن محاكمة" من قبل ماحاش، وقُدمت ضدّه لائحة اتهام في تاريخ 21.7.2013، وذلك رغم أن الشرطة وماحاش كانوا يملكون أشرطة فيديو تؤكد الاعتداءات والضرب الذي تلقّاه مهنّد من قبل عدد كبير من رجال الشرطة خلال اعتقاله، وبعد أن تم تقييده.
في يوم 5.12.2013، قدّم مركز عدالة شكوى مفصّلة لماحاش، تتضمن فيديوهات وصور تؤكّد الاعتداءات التي تعرض لها مهند. في هذه الأيّام، تم إرسال الملف إلى المدعي العام لفحص الأدلة، من أجل اتخاذ قرار في تقديم أو عدم تقديم لائحة اتهام ضد رجال الشرطة الذين شاركوا في الاعتداء. القرار الذي اتخذته ماحاش بإعطاء اذن محاكمة ساعات قليلة بعد اعتقال مهنّد، يظهر اليوم كقرار خاطئ ومتسرّع، وهي نتيجة مباشرة لهذا النظام. تطبيق هذا النظام يؤدي إلى إغلاق ملفّات ماحاش حتّى قبل أن يتم تحقيق جذري يوضّح الصورة. بدلًا من أن يطلب ماحاش من أن يستكمل ملف التحقيق، يقرر أن يغلق ملف التحقيق من أجل أن يسرّع اعطاء الإذن لتقديم لائحة اتهام ضد المواطن المشتكي.
10. خاتمة
يظهر من المعطيات الموضوعة أمامنا صورة مطابقة للصورة التي ظهرت في جزئيّ تقرير "المتّهمون" من العام 2006 و 2011. لا زالت وحدة التحقيق مع الشرطة تنفّذ مهمتها المعهودة: توفير الحصانة والحماية لرجال الشرطة أثناء ممارستهم لأبشع أعمال العنف والقمع. هذا الوضع الذي توفّره وحدة ماحاش يحصّن رجال الشرطة من المحاسبة والعقوبة والإفلات من المسؤوليّة، ويشكّل عاملًا يكرّس عنف الشرطة بشكلٍ عام، واتجاه المواطنين العرب بشكلٍ خاص. على وزارة القضاء أن تعيد تعريف مهام محققي ماحاش، وأن تحدد أساليب العمل والتحقيق، بهدف تغيير الوضع القائم الذي فيه ينعدم أدنى مجهود للتحقيق ولكشف رجال الشرطة المشتبه بهم. كذلك، تجدر بوزارة القضاء وضع جدول زمني محدد وسريع لتنفيذ التحقيقات بشكلٍ ناجعٍ ومستقل. هذا الوضع الذي تتوفر فيه الحصانة لرجال الشرطة الذين يخرقون القانون وينتهكون حقوق الناس ويعتدون عليهم، يقع تحت المسؤوليّة المباشرة للجهاز القضائي ومؤسسات الدولة في إسرائيل، وواجب هذه المؤسسات أن تعمل فورًا لتغيير هذا الوضع. لطالما لا تؤدّي هذه الأجهزة مسؤوليّاتها لتغيير الوضع القائم، فهي تتحمل المسؤولية تمامًا كما تتحمّله ماحاش.