الإضراب عن الطعام في مواجهة مملكة الملفات السرّية
نضال أسير واحد، إلى جانب تضامن محلّي وعالميّ واسع انتصرا على المملكة المظلمة
ريما أيّوب| مجلة عدالة الإلكترونيّة، شباط 2014
يُعتبر الاعتقال الإداري في الدول التي تعتمده، خطوةً استثنائيّة قصوى تعترف من خلالها السلطة بأنها لا تمتلك أدلة تتأسس عليها التهم الموجهة للمعتقل. أنها تسلب حقّه الأساسيّ بالإجراء الجنائي العادل الذي يتمتع به سائر المعتقلين، إلا أنها تقرر التحفّظ على المعتقل في السجن خشية وقوع خطرٍ مستقبليّ. (1) من جهتها استخدمت اسرائيل نظام الاعتقال الإداري على مدار سنوات طويلة وعلى نطاق واسع، اعتقلت آلاف الفلسطينيين من دن تقديم لوائح اتهام أو محاكمة. في الوقت الراهن، يبلغ عدد المعتقلين الإداريين 310 معتقلين، يمكن تمديد اعتقالهم لستة أشهر جديدة كل مرة من جديد. في السجون الإسرائيلية هناك من يقضي سنوات طويلة دون أن يتمكّن من الدفاع عن نفسه تجاه أي من التهم الموجهة إليه.
في حالات كثيرة، أقرّت المحاكم الإسرائيليّة أوامر الاعتقال الإداريّة التي صدرت ضدّ الفلسطينيين، وكان المحكمة العليا قد رفضت أكثر من التماس ضد هذه الأوامر. المحاكم الإسرائيليّة أقرت من جهتها بأن تقديم المعقلين للإجراءات القضائية الجنائيّة، وأن احتمال "المسّ بأمن الدولة هو احتمال أكيد في حال عدم تنفيذ الاعتقال الإداري". (2) إلا أن هذه القرارات أيضًا تستند كلها، وبشكلٍ كامل ودائم، إلى ملفٍ سريّ، أدلة لا يمكن الكشف عنها، حيث تعتقد المحكمة أن الكشف عن الأدلة سيؤدي إلى إلحاق أضرار بمصادر المعلومات وطرق العمل الاستخباراتيّة.
في 8 كانون ثانٍ 2012 صدر أمر اعتقال إداريّ ضدّ خضر عدنان، وهو فلسطيني من قرية عرّابة قضاء جنين، لمدّة أربعة أشهر. وقد صادقت المحكمة العسكرية على الأمر في 7 شباط 2012، بينما رفضت محكمة الاستئناف العسكرية في 13 شباط 2012، الاستئناف على المحكمة العسكريّة. وكان عدنان قد بدأ إضرابًا عن الطعام خلال مراحل التحقيق الجنائي، احتجاجًا على المعاملة المهينة من جانب محققي جهاز المخابرات العامّة. وقد واصل خضر عدنان الإضراب عن الطعام حتى بعد إصدار أمر الاعتقال الإداريّ ضدّه، ولمدّة استمرّت 66 يومًا.
تواصلت جلسات المحكمة العليا في الالتماس الذي قدّمه عدنان ضد قرار محكمة الاستئناف العسكريّة. ذلك حتّى 21 شباط 2012، حين قدّم محامي المعتقل والنيابة العامة بلاغًا مشتركًا التزمت النيابة فيه ألا يتم تمديد الاعتقال الإداريّ بعد 17 نيسان 2012، إلا في حال أضيفت مواد تحقيق جديدة لها أهميّة كبيرة في القضيّة. بعد هذا البلاغ، وقبل ان تصدر المحكمة قرارها، ألغي الالتماس وأوقف خضر عدنان إضرابه عن الطعام منتصرًا.
إن الأكيد أن النتيجة المباركة- إطلاق سراح خضر عدنان- ليست ثمرة قرار المحكمة، بل الإضراب الطويل عن الطعام، والذي عرّض حياة خضر عدنان لخطر حقيقيّ، وقدرة عدنان على الصمود، وما لفّها من حملات منظمات محليّة ودوليّة وحركة احتجاج ضد اعتقاله في جميع أرجاء العالم، كما انضمام جزء من الأسرى الفلسطينيين إلى الإضراب عن الطعام. هذه العوامل كلها تضافرت واتحدت لتخلق أصداءً غير مسبوقة.
في مثل هذه الحالات التي تستند فيها المحاكم الى ادلّة سرّية وتصادق بسهولة على المساس بحقوق الأسرى بشكل عامّ والمعتقلين الإداريين بشكل خاص، هناك شكوك بأن النيابة العامّة ما كانت لتقدّم هذا البيان بشأن عدنان خضر لولا وضعه الصحي المتدهور ولولا الاحتجاج المتزايد والمسّ المتوقَّع بصورة إسرائيل في الساحة الدولية. ثمة شكوك كبيرة حول تدخّل المحكمة العليا ورفضها المصادقة على الاعتقال الإداري استنادًا إلى ادلّة سرّية في حالة بحثها مادّة الالتماس.
مصير 310 معتقلين إداريين وحقوق 1417 أسيرًا سياسيًا في السجون الإسرائيلية، أصبح في يد المخابرات الإسرائيليّة فقط، لأنها الملك الوحيد في مملكة الملفّات السريّة المظلمة.
يقدّم السجناء المصنفون "أمنيّون" التماسات كثيرة لتحسين ظروف إقامتهم في السجون وضدّ المساس بحقوقهم. ولكن المحاكم تصادق على المسّ بالحقوق بصورة منهجية، استنادًا إلى معلومات مخابراتية سرّية. ونتيجة لذلك يقابل هؤلاء السجناء أبناء عائلاتهم ومحاميهم عبر الجدار الزجاجي الفاصل طيلة سنوات، وفي بعض الأحيان تُحظَر هذه اللقاءات، ولا يستطيعون استقبال زائرين أقارب من الدرجة الثانية، بينما لا يُسمح لأبناء العائلات من غزة بالزيارة إطلاقاً. هؤلاء السجناء لا يستطيعون الاتصال هاتفيًا بعائلاتهم، ولا يستطيعون مقابلة زوجاتهم على انفراد،(3) ويجري تقييد أيديهم وأرجلهم بالسلاسل خلال الزيارات وحين تلقّي العلاج الطبي في المستشفيات، ويخفض عدد المحطات التلفزيونية التي يُسمح لهم بمشاهدتها، وتُحدّد الصحف والكتب التي يستطيعون قراءتها.. وأمور كثيرة أخرى... وذلك استنادًا إلى الأدلّة السرّية التي لا تتوفر الإمكانية الواقعية لدحضها أو الدفاع عن النفس أمامها.
يبدو أن التوجّه إلى المحكمة ليس هو الوسيلة الأنجع، وأمامنا، على غير عادة برهان يؤكد ذلك: نضال أسير واحد، إلى جانب تضامن محلّي وعالميّ واسع انتصرا على المملكة المظلمة؛ مملكة الملفّات السريّة.
---
1. استئناف اعتقال إداري 82/1، قواسمي ضدّ وزير الدفاع، قرارات المحاكم 36 (1) ص 666.
2. انظروا على سبيل المثال: استئناف اعتقال إداري 09/4130، فلان ضدّ دولة إسرائيل، (لم يُنشر بعد، صدر بتاريخ 26.5.2009).
3. صدر قرار واضح ومحتلن في هذه القضية في الالتماس الإداري (المحكمة المركزية في الناصرة) 11/11-54950 وليد دَقّة ضد سلطة السجون (لم يُنشَر بعد، صدر بتاريخ 15.2.2011).