آلية التحقيق في ادعاءات قضايا التعذيب في إسرائيل: تحليل قرار جهاز الأمن العام في التحقيق من العام 2012 وتقرير "تيركل"
إذا أردنا أن نبقي الحال على ما هو، فبعض الأمور يجب أن تتغير
شارون وايل وايريت بالاس1 | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 105، حزيران 2013
"إذا أردنا أن نبقي الحال على ما هو، فبعض الأمور يجب أن تتغير"[2]
مقدمة:
حظرت المحكمة العليا في قرار تاريخي بشأن التعذيب من العام 1999، بعض الأساليب غير الإنسانية والمهينة التي كانت متبعة في استجواب مشتبهين أمنيين فلسطينيين[3]. لكن ممارسة التعذيب ما زالت مستمرة دون هوادة حتى بعد مرور 14 عامًا على قرار المحكمة. وقد قدمت المؤسسات الحقوقية أكثر من 700 شكوى حول حالات تعذيب منذ صدور هذا القرار ، إلا أنه لم يُتخذ أي إجراء جنائي أو قضائي في أي من الحالات. وقد أغلقت السلطات جميع تلك الشكاوى في مرحلة الفحص بادعاء عدم توفر الأدلة الكافية أو استنادًا إلى "ضرورة الدفاع".
وقد أصبحت مسألة التحقيقات الداخلية في جرائم الحرب أكثر إلحاحًا نتيجة قرار الجمعية العامة الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة[4] في تشرين 2012، مما قد يتيح لها فرصة المصادقة على ميثاق روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية.
وفي آب 2012، أصدرت المحكمة العليا قرارها بشأن التماس كان قد قُدّم بادعاء أن آلية الفحص الداخلي المستخدمة في إسرائيل لإجراء تحقيقات في شكاوى تعذيب توفر الحصانة لأفراد جهاز الأمن العام (الشاباك). وبعد بضعة أشهر، في شهر شباط 2013، أصدرت لجنة تيركل تقريرها، حول مدى امتثال آليات التحقيق الداخلي في إسرائيل للقانون الدولي[5]، وقد تطرق التقرير على وجه التحديد مسألة التحقيقات في ادعاءات للتعذيب. يتناول هذا المقال موضوع التحقيقات الداخلية (أو غيابها) في إسرائيل بشأن ادعاءات حول التعذيب، ضمن سياق أوسع لعدم رغبة إسرائيل في التحقيق في جرائم دولية أو محاكمة مرتكبيها وذلك على ضوء هذه التطورات القانونية الأخيرة.
1. ادعاءات حول التعذيب في إسرائيل
تشمل شكاوى التعذيب التي يقدمها المعتقلون الفلسطينيون المحتجزين في مراكز الاعتقال والسجون الإسرائيلية، حرمانهم من الاتصال بالعالم الخارجي، خاصة بالمحامين وأفراد الأسرة، وهو حرمان قد يستمر لفترات زمنية طويلة جدًا[6]. وتشمل أساليب التعذيب الشائعة حرمانهم من النوم إلى جانب ساعات الاستجواب الطويلة ، إضافة إلى الجلوس في وضعيات مؤلمة، وكذلك الضرب والصفع والركل والتهديد والاعتداء اللفظي والإهانات. بعض أساليب التعذيب الجسدية تشمل ثني الجسم في وضعية مؤلمة، الشبح إلى الخلف لوقت طويل، تشديد متعمد للأصفاد، وتعريض المعتقلين لدرجة شديدة من الحرارة او البرودة وتعريضهم بشكل دائم لضوء اصطناعي واحتجاز في ظروف غير إنسانية. كما يتعرض المعتقلين إلى أشكال مختلفة من التعذيب النفسي مثل التهديد والتنكيل بأفراد العائلة[7]. ولم تمر هذه الادعاءات دون أن تلاحظها لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)[8].
2. الحصانة نتيجة لآلية التحقيق
في العام 1992 أنشأت إسرائيل، بناءً على توجيهات وزاريّة، منظومة لفحص شكاوى التعذيب و سوء المعاملة المقدمة ضد جهاز الأمن العام.[9]. ومنذ ذلك الحين تُظهر الممارسات وجود آلية تمنح الحصانة الكاملة لمحققي جهاز الأمن العام، أمام هذا النوع من الشكاوى.
كيف يتم ذلك؟
يقوم عميد في جهاز الأمن العام (مراقب شكاوى تقدم من قبل الخاضعين للتحقيق والمعروف باللغة العبرية باسم "ميفتان" وهو شخص هويته سرية) بإجراء فحص أولي في شكاوى التعذيب. في حين أن التحقيق الأولي يتضمن مقابلة بين مسؤول جهاز الأمن العام وبين صاحب الشكوى، إلا أنه غالبًا ما تكون هذه المقابلة أقرب إلى التحقيق منها إلى إجراءات تهدف إلى إعطاء الضحية الشعور بأن العدالة تأخذ مجراها. تجري المقابلة داخل سجن من قبل شخص هويته غير معروفة ودون تمثيل قانوني للضحية. نتائج التحقيق الأولي ليست شفافة وشبه مستحيلة للطعن[10]. عند الانتهاء من الفحص الأولي، يقوم الشاباك بنقل النتائج إلى كبير المدعين في مكتب المستشار القضائي للحكومة (المسؤول عن ميفتان). يملك المستشار القضائي للحكومة صلاحية الاعتماد توصية جهاز الأمن العام لإغلاق ملف التحقيق، وهو وحده صاحب القرار بشأن الشروع بتحقيق جنائي[11]. من الممكن الاستئناف ضد قرار المستشار القضائي للحكومة إلى المحكمة العليا.
بالتالي، فإن مجرد اتخاذ القرار بفتح تحقيق جنائي هو عملية عسيرة. أولاً، يجب أن يتم إجراء فحص داخلي في الشكوى المقدمة داخل الشاباك، ثم يجب الحصول على توصية من وزارة العدل، ثم على المستشار القضائي للحكومة اتخاذ قرار، وبعدها وإن لم يكن قرار المستشار القضائي للحكومة مواتيًا، فمن الممكن أن يقدم التماس ضد القرار إلى المحكمة العليا (كإجراء مراجعة قضائية لأي قرار إداري). علاوة على ذلك، في الممارسة العملية، يتم التعامل مع شكاوى التعذيب بتلكؤ وتعقيد بيروقراطي، وفي غالب الأحيان تبقى دون إجابة لمدة شهور أو حتى سنوات. كما تظهر البيانات أن الفحوصات الأولية لم تؤد الى توصية بخصوص الشروع في تحقيق جنائي بناءً على الشكاوى، وأن المستشار القضائي للحكومة لم يوص أبدا بالشروع بمثل هذا التحقيق[12].
3. قضية التحقيق في التعذيب (2011)
قامت اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل ومركز عدالة ومنظمات حقوقية أخرى بتقديم التماس إلى المحكمة العليا في شباط 2011، وذلك من أجل طرح قضية آليات التحقيق التي تمنح في نهاية المطاف الحصانة لمحققي جهاز الأمن العام. وجاء في الالتماس أن آلية فحص الشكاوى "غير منطقية" بتاتًًا: حيث لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار سياسة شاملة تٌغلق بموجبها مئات الشكاوى سياسة منطقية. وطالب الملتمسون من المحكمة أن تفرض على المستشار القضائي للحكومة الشروع في تحقيقات جنائية في جميع شكاوى التعذيب التي قدمها معتقلون أمنيون فلسطينيون الذين تمّ استجوابهم من قبل جهاز الأمن العام[13].
أصدرت محكمة العدل العليا قرارها بشأن الالتماس في آب 2012، وقد كتب القرار القاضي روبنشتاين على الرغم من انه كان قد أشغل منصب المستشار القضائي للحكومة في العام 1999 حيث كان مسؤولاً عن تطبيق قرار المحكمة المتعلق بحظر التعذيب وصياغة المبادئ التوجيهية التي منحت الحصانة للمحققين في حينها[14]. وقد رأى القاضي روبنشتاين أن إجراء التحقيق الأولي قبل التحقيق جنائي ضروري. ولكن، وبموجب القانون الدولي، فإن التحقيق يجب أن يكون تحقيقًا مستقلاً ومحايدًا وفعالاً وسريعًا وشفافًا وذلك بغض النظر عن ما إذا كان يتم إجراء التحقيق في الشكاوى ضمن إطار فحص أولي أو في إطار تحقيق جنائي، حيث أن تلك هي المبادئ الأساسية لإجراء تحقيق فعّال[15]. ومع ذلك، فإن محكمة العدل العليا في إسرائيل تبدو على استعداد لتوازن بين هذه المبادئ وبين احتياجات جهاز الأمن العام الخاصة. بحسب المحكمة العليا فإن تحقيقًا داخليًا أوليًا يوفر التوازن الصحيح بين الحاجة إلى التدقيق في إجراءات الشاباك والحاجة إلى تجنب تعطيل عمله. وبحسب القاضي روبنشتاين، فعلى مراقب الشكاوى التي يقدمها المعتقلين أن يكون "شخصًا لديه الخبرة اللازمة لفحص الشكاوى، ويكون باستطاعته ضمان إجراء فحص أولي شامل مع الحفاظ على السرية اللازمة لحماية عمل جهاز الأمن العام، ومنع توقيف أو تعطيل عمله اليومي، الأمر الذي قد ينتج في حال فتح تحقيق من قبل هيئة خارجية "للخدمة" [الشاباك] في جميع شكوى[16].
بعد إضفاء شرعية على سرية عمليات الفحص في جهاز الأمن العام، أقرت المحكمة أيضا عدم وجود أي لزوم لفتح تحقيق جنائي تلقائيا لكل شكوى، وأن التحقيق الجنائي ضروري فقط في حالات يكشف من خلالها الفحص الاولي عن أدلة كافية تبرر فتح تحقيق جنائي[17]. في هذا القرار سمحت المحكمة العليا بالاعتماد الجارف على إدعاء عدم وجود الأدلة، وأن الافتقار للأدلة قد تحدد باعتبار الشكاوى على أنها شكاوى كاذبة، وليس نتيجة لوجود هيكلية تحول دون امتلاك مثل هذه الأدلة. ومع تصور وجود الحقائق (أو افتقارها) بهذا الشكل فقد أعربت المحكمة العليا عن قلقها إزاء شكاوى كاذبة، الأمر الذي تمّ ذكره عدة مرات ضمن القرار[18]، أكثر من قلقها من حالات ادعاء صادقة والتي لم يتم إجراء تحقيق أو مقاضاة لمنفذي التعذيب في أي منها، حيث لم يرد ذكرها في قرار محكمة العدل العليا بتاتا.
لقد اقترحت المحكمة العليا أن تطبق الدولة مبادئ المستشار القضائي للحكومة الموجهة لإجراء تغييرات هيكلية، وذلك بعد أن شرعنة إجراءات الفحص الداخلي، مع تعبيرها عن عدم الارتياح لعدم فتح أي تحقيق جنائيّ في أي من الشكاوى. وكان مكتب المستشار القضائي للحكومة قد أجرى دراسة لآلية التحقيق هذه في العام 2007، وقد قرر على أثرها ، في العام 2010، أن التحقيق يجب أن تجري من قبل موظف في وزارة العدل وليس من قبل وكيل جهاز الأمن العام.
بعد ثلاث سنوات، في حزيران 2013، أعلنت وزارة العدل تعيين العقيد جانا ميدزاجفريشيلي لمنصب مفتش جديد في شكاوى المعتقلين، بذلك تمّ تحويل صلاحية القرار بشأن حالات التعذيب من جهاز الأمن العام إلى وزارة العدل[19]. كما وأقرت المحكمة (في العام 2012) اتخاذ تدابير لزيادة الشفافية في هذا الإجراء[20]. وخلصت المحكمة إلى الآتي:
"يمكن الافتراض أن جهاز الأمن العام قد تعلم دروسا من "الثقافة التنظيمية" التي اتبعها في السابق. في الواقع، لا أحد في مأمن من أخطاء وزلات"[21].
وبالتالي فإن المحكمة قد اختصرت 12 عامًا من دعاوى التعذيب دون تحقيق جنائي أو محاكمة في مئات من الشكاوى نتيجة لـ"ثقافة تنظيمية"، وكأنها مشكلة بيروقراطية التي يمكن حلها بواسطة تحويل مراقب شكاوى من سلطة جهاز الأمن العام إلى سلطة وزارة العدل. في عدة منعطفات، يشير القاضي روبنشتاين إلى "نضوج" قضايا "الأمن وحقوق الإنسان" في التناول القضائي الإسرائيلي، معللاً الوضع الراهن على أنهه مرحلة في سلسلة من "الخطوات التقدمية"[22].
سمح ادعاء "النضوج" الذي قدمه القاضي روبنشتاين بتجنب مطالبة الدولة بالامتثال لالتزاماتها الدولية. فضلاً عن ذلك، حصلت دولة إسرائيل على ترخيص للتساهل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتبط بقضايا الأمن، على أمل أن يتم تحسين النظام مستقبلاً. ومع ذلك، فإن الأهمية التي توليها لهذا التغيير الهيكلي تسلط الضوء على الإجراء بدلاً من الجوهر، حيث لا يتم فحص انعدام إجراء المحاكمات في قضايا مزاعم التعذيب. علاوة على ذلك، لا يبدو أن مراقب الشكاوى وكيلاً سابقا في جهاز الأمن العام أنه يشكل تناقضًا مع مبدأ الحياد:
"إن قرار تحويل مراقب الشكاوى من سلطة جهاز الأمن العام إلى سلطة وزارة العدل هو قرار هام بجوهره - حتى إن كان المراقب وكيلاً سابقا في جهاز الأمن العام، فانه على دراية بمهمته وبالإطار الذي يعمل في نطاقه حيث أن النظر في الشكاوى لا يتم من قبل طرف يدين "بواجب الولاء المؤسسي" لجهاز الأمن العام"[23].
4. تقرير تيركل
ظاهريًا، قدم تقرير تيركل حماية لمشتبهين بالتورط بأحداث تعذيب سابقة، حيث أشار التقرير أنه "على وجه العموم" فإن سياسة التحقيق الإسرائيلية في شبهات لارتكاب جرائم حرب تتماثل مع الالتزامات القانونية الدولية لدولة إسرائيل[24]. وفي الوقت ذاته، طرح التقرير 18 توصية لتحسين إجراءات الفحص وآليات التحقيق ولتغيير السياسة المقبولة التي تمنح لرجال قوات الأمن حصانة من العقوبات، وبعض هذه التوصيات يطعن بتركيبة البنية الأساسية ووظيفة تلك الآليات. وكما لوحظ من قبل أحد المحكمين الذين تعاونوا مع لجنة تيركل:
"إذا نظرنا إلى الاستنتاج العام بخصوص امتثال إسرائيل للقانون الدولي من منظور أوسع فيمكن تفسير هذا الاستنتاج بأنه ليس أكثر من سياسة عمل ومحاولة للتليين وتقديم توصيات خفيفة وأكثر قبولا"[25].
تشريع التعذيب
وكانت التوصية الأولى للجنة دمج المعايير الدولية في القانون الإسرائيلي الداخلي مؤكدة في الوقت ذاته على الأهمية القيمية والتربوية لهذه الخطوة[26]. بالإضافة لذلك، أوصت اللجنة بسن قوانين تحمّل مسؤولية جنائية مباشرة للقادة العسكريين والمسؤولين المدنيين بشأن جرائم قام مرؤوسيهم بارتكابها"[27].
وعلى الرغم من أن دولة إسرائيل كانت قد صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقيات جنيف الأربع، إلا أنها لم تدرج الحظر المطلق للتعذيب في قانونها الداخلي. بالإضافة لذلك، عادة ما تفهم التشريعات المتعلقة التعذيب في الخطاب القانوني والسياسي الإسرائيلي على أنها تشير إلى الحاجة إلى قوانين تخوّل استخدام أساليب استجواب معينة[28]، بدلا من حظرها. وهكذا، فإن توصية اللجنة تعبر عن أهمية خاصة بهذا الصدد[29].
من الالتزام بالتحقيق والمقاضاة للالتزام بالفحص والتحقيق
عمومًا، يميز تقرير تيركل بين مسؤولية الفحص ومسؤولية التحقيق. ينص التقرير على مسؤولية عامة لإجراء تحقيق في جميع الشبهات لانتهاك القانون الدولي الإنساني إضافة إلى مسؤولية أخرى لإجراء تحقيق في بعض "جرائم حرب"[30]. تعرّف اللجنة مصطلح "جرائم حرب" في نطاق أوسع من "الانتهاكات الخطيرة" المذكورة في اتفاقيات جنيف – يشمل التعريف "انتهاكات خطيرة" للقانون الدولي الإنساني وكذلك أمور واردة في ميثاق روما والبروتوكول الإضافي الأول، اللذين إسرائيل ليست طرفا لها[31]. كما وعبرت اللجنة عن رأي مفاده أن ليس كل جريمة حرب تقضي بالضرورة الشروع بتحقيق جنائي، إنما تلك التي تتوفر فيها أدلة كافية فقط[32].
لو توقفت لجنة تيركل عند هذا الحد لكان تقريرها مجرد تكرارًا لحكم المحكمة العليا بما يتعلق بالفحص والتحقيق بقضايا التعذيب. إلا أن توصيات اللجنة كانت أكثر شمولية فقد أوصت بتوثيق مصّور كامل للتحقيقات مع مشتبهين بتهم أمنية[33]، ذلك ما يتناقض مع القانون الإسرائيلي وقرار المحكمة العليا الذي تمّ إصداره بعد بضعة أيام فقط من صدور تقرير تيركل[34].
إضافة إلى ذلك، وجدت لجنة تيركل، بشكل واضح وخلافا للمحكمة العليا، أن مراقب الشكاوى في جهاز الأمن العام لا يتماشى مع متطلبات التحقيق الفعال:
"يتعلق السبب الأول بمشكلة الأداء، وهي صعوبة متأصلة في قيام "ميفتان" بدوره ولذلك بسبب كون "ميفتان" موظفا في جهاز الأمن العام الإسرائيلي والذي يقوم بمراقبة أداء زملائه. ويتعلق السبب الثاني، في المقام الأول، بمسألة الإدراك وهي صعوبة في تبرير وضع يقوم خلاله فرد من داخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي بالنظر بشكاوى – قد تكون جنائية – مقدمة ضد زملائه في الخدمة"[35].
اعتمدت لجنة تيركل موقفا بعيدا عن موقف المحكمة العليا بشأن آليات التحقيق في التعذيب من العام 2012، وذلك بعد أن تبين أن الآلية الحالية لا تتوافق مع متطلبات إجراء تحقيق فعال إضافة إلى انتقاد عدم تنفيذ قرار المستشار القضائي للحكومة بخصوص تحويل جسم التحقيق إلى سلطة وزارة العدل[36].
وكما ذكر أعلاه، وصفت المحكمة العليا أن وظيفة وهيكلية مراقب الشكاوى المقدمة من قبل أشخاص خضعوا لتحقيقات على أنها توازنًا ضروريًا، متطلعة إلى تطوير المنظومة. وبهذا، تشير اللجنة بشكل صريح أكثر من ما أشارت إليه المحكمة بخصوص عدم توفر الحياد والاستقلالية المطلوبة، إضافة إلى "وجود إخفاقات خطيرة في فعالية ودقة وسرعة عملية التحقيق"[37].
الخلاصة
قامت مؤسسات حقوق إنسان بتقديم المئات من شكاوى التعذيب على مدى العقد الأخير. يجب البحث في مسألة فعالية السلطات الإسرائيلية في إجراء تحقيقات في هذه الشكاوى أو إجراء محاكمات في الحالات المناسبة وذلك على ضوء مبدأ التكامل، ونظرا إلى أن إمكانية ممارسة المحكمة الجنائية الدولية (ICC) الولاية القضائية على أفعال إسرائيل لم تعد مسألة أكاديمية محضة. كما هو مبين أعلاه، قدم تقرير تيركل توصيات لطرق أكثر فعالية للتحقيق في شكاوى التعذيب، والتي وفي جوانب معينة، تنطلق إلى حد أبعد من تلك الطرق التي اقترحتها محكمة العدل العليا. إلا أن ما زالت نية دولة إسرا