معايير تقرير تيركل للتحقيق في جرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون الدولي
وجدت اللجنة أن إسرائيل تمتثل لمعايير القانون الدولي، ولكنها خرجت بثمانية عشر توصية لتحسين نظام التحقيق فيها
كيرين ل. كوري[1] | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 104، أيّار 2013
في أيار 2010، وفي سياق الإغلاق والحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، شنت البحرية الإسرائيلية هجومًا على أسطول كان محملاً بمساعدات إلى غزة..وقد أسفر الهجوم عن مقتل تسعة نشطاء أتراك، وإصابة واحتجاز واعتقال العديد من المشاركين في الأسطول.
واستجابة لدعوات من الأمم المتحدة وحكومات عديدة لإجراء تحقيق مستقل في الأحداث، قامت إسرائيل بتشكيل لجنة محلية للتحقيق في حزيران 2010. تألفت اللجنة، المعروفة بلجنة تيركل، من الإسرائيليين واثنين من المراقبين الدوليين[2]. تمّ تكليف اللجنة بالتحقيق في شرعية الإغلاق الإسرائيلي والحصار البحري على غزة، وفي الهجوم الذي شنته قوات البحرية على أسطول الحرية. وقد تمّ تكليف لجنة تيركل، في وقت لاحق، بالنظر بشكل أوسع فيما إذا كانت التحقيقات الإسرائيلية في الادعاءات لارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي ترتقي إلى معايير القانون الدولي، وجاء ذلك على ما يبدو، كرد على الادعاءات الواردة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة ("تقرير غولدستون") ولجان خبراء مستقلة كانت قد عيّنت من قبل الأمم المتحدة لمتابعة التحقيقات المحلية.
نشرت لجنة تيركل تقريرها في المسألة الأخيرة، تحت عنوان "آليات إسرائيل للبحث والتحقيق في شكاوى ومزاعم انتهاكات لقوانين النزاعات المسلحة وفقا للقانون الدولي" ("تقرير تيركل") في شهر شباط عام 2013[3]. يتناول هذا التقرير، المؤلف من أكثر من 400 صفحة، كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي والشرطة وجهاز الأمن العام الإسرائيلي مع تحقيقات في ادعاءات لارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي. وجدت اللجنة أن إسرائيل تمتثل لمعايير القانون الدولي، ولكنها خرجت أيضًا بثمانية عشر توصية لتحسين نظام التحقيق الإسرائيلي.
وكرد على التقرير، قام مركز عدالة، إضافة إلى اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل وأطباء لحقوق الإنسان - إسرائيل، بمطالبة الحكومة الإسرائيلية باعتماد وتنفيذ توصيات اللجنة، كما وطالب المجتمع الدولي بمطالبة إسرائيل بالامتثال الصارم للمعايير الدولية فيما يتعلق بالتحقيق في ادعاءات لانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
يتناول هذا المقال مضمون تقرير لجنة تيركل بمزيد من التفصيل، ويشير إلى تقارير أخرى، مثل تقرير فريق الأمين العام للتحقيق في حادثة أسطول الحرية في أيار 2010[4][5]، وتقرير مبادرة العدالة التي أجراهتها مؤسسة المجتمع المفتوح عن هذا الحدث ("مبادرة العدالة")[6]، والتي كانت متوفرة للجنة تيركل (على الرغم من أنه وعلى ما يبدو لم تعتمد لجنة تيركل عليها)[7]. كما ذكر أعلاه، في حين يعتقد أن تقرير تيركل نشأ نتيجة للادعاءات التي وردت في تقرير غولدستون، فإن تقرير تيركل ذاته يشير إلى عمل لجان خبراء مستقلة عيّنت من قبل الأمم المتحدة والتي تمّ تكليفها "لرصد وتقييم أي إجراءات داخلية تقوم بها حكومة إسرائيل أو الجانب الفلسطيني، سواء إن كانت إجراءات قانونية أو إجراءات أخرى"[8].
الالتزام بإجراء تحقيقات وفقا القانون الدولي
يقوم تقرير تيركل بتقييم القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، وقانون مسؤولية الدولة وذلك بهدف تحديد معايير بخصوص الحالات التي تقع على السلطات مسؤولية التحقيق في ادعاءات لارتكاب جرائم حرب وفقا للقانون الدولي [9]. ولكن التقرير لا يقوم بدراسة القانون العرفي الدولي، على الرغم من كون هذا الشق من القانون ذا صلة وثيقة بالتحقيق المذكور. يتناول تقرير تيركل كيفية تفاعل هذه الأنظمة القانونية عندما يتم تطبيقها معًا. ووجد التقرير أن القانون الإنساني الدولي يطغى في سياق النزاع المسلح، مستثنيًا القانون الدولي لحقوق الإنسان وذلك لأن القانون الدولي الإنساني مخصصًا للنزاعات المسلحة، بالرغم من أنه يمكن تطبيق كلاهما سويًا[10]. بناءا عليه، تقوم لجنة تيركل بتقييم مسؤولية التحقيق في مقتل مدنيين غير متورطين أثناء نزاعات مسلحة من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني فقط.
ومع ذلك، فقد وجد خبراء آخرون أن القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان قابلين للتطبيق في نزاعات مسلحة في آن واحد. على سبيل المثال، وجدت تقارير كل من "بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة"[11]، و فريق الأمين العام للتحقيق في حادثة أسطول الحرية من 31 أيار 2010[12]، ومحكمة العدل الدولية[13] أن قانون حقوق الإنسان ينطبق على الصراعات المسلحة في ذات الوقت الذي ينطبق به القانون الدولي الإنساني. وتفترض "مبادرة العدالة" أيضا أن كل من القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون الحرب يطبقان في ذات الوقت، حيث تمّ تقييم مسؤولية التحقيق من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في تقريرها[14].
يقوم تقرير تيركل أيضا بتفسير ضيق لمسألة مسؤولية التحقيق في مقتل مدنيين غير متورطين في القتال أثناء نزاع مسلح. على وجه التحديد، يشير تقرير تيركل أن مثل هذا الموت:
في حد ذاته، لا يؤدي (القتل) مباشرة إلى مسؤولية فورية للتحقيق، ما عدا في حالة وجود"اشتباه معقول" أو "ادعاء ذي مصداقية" يشير إلى ارتكاب جريمة حرب. عندما لا يرتقي مستوى الشك أو مصداقية الادعاء بارتكاب جريمة حرب أو تكون المعلومات الواردة جزئية أو فضفاضة، يجب إجراء تقييم لتقصي الحقائق من أجل توضيح ما إذا كانت هناك حاجة للتحقيق[15].
يستنتج تقرير تيركل أنه "لا يوجد هناك التزام قانوني لإجراء تحقيق دون أن تتوفر معلومات إضافية تثبت مثل تلك الشكوك"[16].
إن هذا الاستنتاج هو أكثر تساهلاً من استنتاجات أخرى توصل إليها خبراء آخرين. على سبيل المثال، تستنتج "مبادرة العدالة" أنه عندما "تؤدي عملية ما إلى وفاة أو إصابة خطيرة بين المدنيين، وليس فقط في الحالات التي يوجد بها ادعاء صريح لقتل متعمد"، يجب أن يتم الإبلاغ عن الحادث فورًا على أن يتم التحقيق به من قبل هيئة مستقلة[17].
يضع تقرير تيركل تفسيراته للمركبات اللازمة لإجراء "تحقيق فعال"، وهي الاستقلالية والنزاهة والفعالية والدقة والسرعة والشفافية[18]. يسلط خبراء آخرين الضوء على عناصر إضافية لا يعالجها تقرير تيركل بشكل منفصل. فعلى سبيل المثال، تشمل "مبادرة العدالة" "تحديد ومعاقبة الجناة"[19] كعنصر منفصل والذي يناقشه تقرير تيركل بصورة طفيفة ضمن نطاق الفئات المذكورة[20].
_______________________________
استنتاجات خبراء من مقارنة بين دول مختلفة في هذا المضمار
في يناير 2010، وكجزء من "عملية غولدستون"، أصدر الجيش الإسرائيلي تقريرًا يقارن أنظمة التحقيق المتبعة في إسرائيل بتلك المتبعة في جيوش في أستراليا وكندا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية[21]. لا تتفق بعض المؤسسات، من ضمنها "مبادرة العدالة"، استخلاصات هذا التقرير، حيث قامت هذه المؤسسات بنشر نتائج توصل إليها خبراء من قبلهن بخصوص أنظمة التحقيقات في تلك الدول الأربعة. ويشمل تقرير تيركل على قسم مفصل حول المحاكمات العسكرية المحلية في الدول الأربعة المذكورة، مضيفا إليها ألمانيا وهولندا.
في هذا المضمار، توصلت لجنة تيركل و"مبادرة العدالة" إلى استنتاجات مماثلة إلى حد كبير. تتوافق هذه الاستنتاجات حول تعريف الحوادث التي يتوجب الإبلاغ عنها (أي حوادث يجب أن يتم الإبلاغ عنها من خلال تسلسل القيادة وأن يتم التحقيق بها)[22]، وأيضًا حول "سرعة" الشروع في التحقيقات التي تحتاجها الدول المذكورة في المقارنة[23]، وأن هذه الدول تطلب أن تتم التحقيقات من قبل وحدات مستقلة عن الوحدة الخاضعة للتحقيق[24].
مع ذلك، توصل تقرير تيركل إلى استنتاجات مختلفة عن استنتاجات خبراء "مبادرة العدالة" في بعض النقاط الهامة. فعلى سبيل المثال، استنتج خبراء مبادرة العدالة، فيما يتعلق بالولايات المتحدة، انه في حال تلقي معلومات عن حادثة تقع ضمن "حوادث للإبلاغ "، يجب أن يتم الإبلاغ عنها فورًا من خلال تسلسل القيادة[25]، وبناءً عليه، يقوم قسم التحقيقات الجنائية في الجيش الأمريكي ("CID") بإجراء تحقيق جنائي في حين يتولى قائد الوحدة إجراء تحقيق موازي[26]. يضيف تقرير تيركل خطوة أولية على ضابط الوحدة أن يتخذها قبل الإبلاغ عن أي حادث: عندما يتلقى أحد الضباط معلومات عن "حادث للإبلاغ" حول تورط أي من أفراد القيادة، عليه أن يفتح بتحقيق أولي بهدف تحديد ما إذا كان احد أفراد الجيش متورطًا أو مسؤولاً عن وقوع "حادث الإبلاغ"[27].
يوحي تقرير تيركل أنه تقع على عاتق الضابط مسؤلية الإبلاغ عن الحادث – وبذلك يحث إجراء تحقيق من قبل قسم التحقيق الجنائي في الجيش – أما إجراء تحقيق مواز يتم فقط بعد الكشف عن تورط أو مسؤولية جنود أمريكيين عن الحادث موضوع الإبلاغ من خلال التحقيق الأولي [28]. تعتبر هذه الخطوة التي أضافها التقرير مهمة لأنها تدعم استنتاج لجنة تيركل بوجوب "تقييم لتقصي الحقائق" قبل المباشرة بتحقيق، في حال عدم توفر "اشتباه معقول" أو "ادعاء ذات مصداقية" عن ارتكاب جريمة حرب[29].
استنتاجات حول شرعية إجراءات التحقيق في الجيش الإسرائيلي
يستنتج تقرير تيركل استنتاجًا عامًا وهو أن "آليات وأدوات البحث والتحقيق في شكاوى ومزاعم لانتهاكات القانون الإنساني الدولي تتماثل عمومًا مع التزامات دولة إسرائيل بموجب قواعد القانون الدولي"[30]. توّصل كل من تقرير غولدستون، ولجنة الخبراء المستقلين ومبادرة العدالة إلى استنتاج مختلف. على سبيل المثال، يستنتج تقرير غولدستون إلى أن "هناك شكوك جدية حول استعداد إسرائيل لإجراء تحقيقات حقيقية بطريقة نزيهة ومستقلة وعاجلة وفعالة على النحو المطلوب بموجب القانون الدولي"، وأن "النظام الإسرائيلي يعرض ملامح تحمل بطبيعتها أشكالاً من التمييز مما يثبت صعوبة بالغة لتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين[31]. وقد وجدت مبادرة العدالة أن إجراءات التحقيق في إسرائيل تنتهك القانون الدولي وتعرقل أي تحقيق مستقل وفعّال يلي حادث معيّن لأنه بإمكان الوحدة المتورطة في الحادث قيد التحقيق إجراء تحقيق أولي، لمدة قد تصل إلى ستة أشهر، لجمع الأدلة قبل أن يتم نقل التحقيق[32].
في حين وجد تقرير تيركل أن آليات التحقيق في إسرائيل تمتثل للقانون الدولي، يقدم التقرير "أسباب لتعديل الفحص وآليات التحقيق وأسبابًا لتغيير السياسة المتبعة" في عدة مجالات، وحاجة إلى تشكيل ممارسات متفق عليها - ولكنها جاءت فقط لطرح "مخططا لتحسين أمثل"، وليس نتيجة لتحديد "إخفاقات أساسية"[33]. نتمنى أن تقوم إسرائيل بتطبيق هذه السياسات، وأن يؤدي هذا التطبيق إلى امتثال أنظمة التحقيق الإسرائيلية للقانون الدولي، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان.
[1] محامية، نيويورك. زميلة سابقة في مبادرة العدالة في مؤسسة المجتمع المفتوح. تعبر الآراء الواردة في هذا المقال عن آراء الكاتبة وليست بالضرورة تمثل وجهة نظر، ويجب أن لا تنسب، إلى مبادرة العدالة أو أي منظمة أخرى عملت الكاتبة معها أو تعمل قيها حاليًا.
[2] معلومات عن أعضاء لجنة تيركل متوفرة على: http://www.turkel-committee.com/content-38.html
[3] لجنة تيركل، "آليات إسرائيل للبحث والتحقيق في شكاوى ادعاءات لانتهاكات قوانين النزاعات المسلحة وفقا للقانون الدولي" ("تقرير تيركل") شباط عام 2013، متوفر على:
http://www.turkel-committee.gov.il/files/newDoc3/The%20Turkel%20Report%20for%20website.pdf
[4] انظر إلى عدالة، اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب، أطباء لحقوق الإنسان، "تقرير تيركل: تحليل أولي"، 28 شباط 2013، متوفر على:
[5] تقرير فريق الأمين العام للتحقيق في حادثة اسطول الحرية 31 أيار 2010، أيلول 2011، متوفر على:
http://www.un.org/News/dh/infocus/middle_east/Gaza_Flotilla_Panel_Report.pdf
[6] مبادرة العدالة في مؤسسة المجتمع المفتوح، تحليل مقارن لنظام التحقيق الأولي فيما يتعلق بانتهاكات مزعومة لقانون حقوق الإنسان الدولي و/أو القانون الإنساني، ("تقرير مبادرة العدالة") في 10 آب 2010، متوفر على:
http://www.opensocietyfoundations.org/sites/default/files/comparative-analysis-20100810.pdf
[7] تقرير تيركل، ص. 154 ملاحظة جانبية 3 (يشير إلى أن التقارير التي تلقتها اللجنة عن أنظمة في دول مماثلة كانت "مفيدة في كثير من النواحي" لكن التحليل الوارد في تقرير تيركل "تم إعداده بناءا على تقارير فردية لخبراء ... ولا يعتمد على تأكيدات في المواد المقدمة إلى اللجنة").
[8] انظر أيضًا إلى تقريرين للجان الخبراء المستقلين الذين تمّ إصدارهم في العام 2010 والعام 2011، متوفرين على:
http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/docs/15session/A.HRC.15.50_en.pdf, and
http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/docs/16session/A.HRC.16.24_AUV.pdf
[9] تقرير تيركل، ص. 15، فقرة 70، ص. 72، فقرة 20.
[10] تقرير تيركل، ص. 65، فقرة 12، ص. 69، فقرة 14.
[11] تقرير بعثة هيئة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في شأن النزاع في غزة (تقرير جولدستون)، 25 أيلول 2009، وثيقة الأمم المتحدة A/HRC/12/48، فقرة 295-296، متوفرة على:
http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/docs/12session/A-HRC-12-48.pdf
[12] انظر ملحق 1، فقرات 60-64.
[13] لآثار القانونية الناتجة عن بناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محكمة العدل الدولية (رأي استشاري)، 9 تموز 2004، الفقرة 106.
[14] تقرير مبادرة العدالة، ص. 2.
[15] تقرير تيركل، ص. 110، فقرة 59 (تمت إضافة التشديد)، وانظر أيضا ص. 149 فقرات 113-114.
[16] تقرير تيركل، ص. 149، فقرة 114.
[17] تقرير "مبادرة العدالة"، فقرة 7 (تمت إضافة التشديد)