عدم الاعتراف بالقرى البدويّة... على أي أساس؟
كيهودي أشعر بخزي عميق من سياسات التهويد، وغضب عميق على أن الدولة تنفذ هذه السياسات بإسمي.
ياريف موهار | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 104، أيّار 2013
تزمع حكومة إسرائيل على استثمار نحو 8 مليار شيكل لنقل نحو 40,000 مزارع بدويّ إلى بلدات مكتظّة تضربها البطالة. هذا انعدام للمنطق الاقتصادي والاجتماعيّ ترتكز عليه الخطة الحكوميّة المعروفة باسم برافر/بيغين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النقل هو نقل قسريّ منافي لإرادة البدو، كما أنه نقل سيخلق المزيد من التوتّرات بين السلطات من جهة، وبين من يُعرّفون كمواطنين، رغم أن الدولة تتعامل معهم على أنهم رعايا.
النقب واسع بما فيه الكفاية. تشكّل مساحته 60% من مساحة الدولة، ويسكن فيه 8% فقط من سكّان الدولة، بمعنى آخر؛ في النقب مكان للجميع- البدو واليهود. هذا هو إدعاء د. ثابت أبو راس. لماذا لا يستطيع أي من القائمين على سدة الحكم أن يتوصّلوا إلى هذا الإستنتاج؟ فليس هناك أي تبرير أخلاقي، ولا أي حاجة عمليّة لأنه تحصر البدو في بلدات تخنقها البطالة. من المُثبت أنه ليس هناك أي فائدة من ذلك- لا للدولة ولا للمواطنين البدو.
تتنكر إسرائيل اليوم لنظام الملكيّة التقليدي لدى البدو، رغم أن العثمانيين والبريطانيين كانوا قد اعترفوا بها، لكن ليس فقط، الحركة الصهيونية بذاتها اعترفت أيضًا بهذا النظام. لقد اعترفت أجسام صهيونيّة عملت قبل قيام دولة إسرائيل بملكية البدو على أراضيهم في النقب، بدءًا من مذكّرات من نهاية القرن التاسع عشر (لفونطين) وحتى العام 1948. بحسب استطلاع الأراضي الشامل الذي أجرت شركة "هخشارات هاييشوف" في العام 1920، كان البدو يملكون 3 مليون دونم في النقب، اليوم، حتى وإن وافقت الدولة على كل إدعاءات الملكيّة التي قدّمها البدو، فإنهم لن يحصلوا إلى على 650 ألف دونمًا. أهذه سيطرة أم اكتفاء بالفتات؟
حتى وإن افترضنا صحة تبرير الدولة لنظام الملكيّة هذا، وحتى إن افترضنا بأن القرى البدويّة قائمة فعلًا على "أراضي دولة"، فلا يزال يمكننا اعتبار المخطط تمييزًا إجراميًا. مئات البلدات اليهوديّة (مُعظم الكيبوتسات والييشوفيم) قائمة على أراضي دولة، ودولة إسرائيل تؤجّرهم هذه الأراضي لأجيال وأجيال بأسعار بمنتهى الرمزيّة. لا تشطب الدولة وجودهم، ولا تمنع عنهم الماء والكهرباء، فهذه السياسات محفوظة للعرب والبدو وحدهم.
بالحقيقة، تحاول الدولة أن تقتلع البدو من قراهم وأن تركزهم في البلدات المخططة حكوميًا، بحيث يعيشون على مساحة مقلصة، في الوقت الذي تصادق فيه الدولة على الاعتراف بالمزيد والمزيد من المناطق التي تقيم عليها البلدات اليهودية الصغيرة ومزارع الوحيدين لليهود فقط، وقد يكون ذلك على نفس الأراضي التي سلبت من البدو. وما تنوي الدولة فعله يأتي رغم أنه حتى في يومنا هذا يعيش البدو باكتظاظ إذا ما قارنّاه بالوسط الزراعي اليهودي: من ناحية عدالة زراعيّة، الاكتظاظ في القرى غير المعترف بها (حتى لو نال البدو كل الأراضي التي يطالبون بها) هو اكتظاظ اعلى بـ6 مرات من المجلس الزراعية اليهودي المجاور "بني شمعون".
تجد إسرائيل التبرير لهذه السياسة بما يتنافى مع أي من مبادئ العدالة والمساواة. تحاول الدولة أن تتقمص دور الإمبراطوريّة العثمانيّة- ذاك الجسم غير الديمقراطي المُحتل- عن طريق تبنّي انتقائي لقوانين الإمبراطوريّة وأعرافها، وهي قوانين لم تقم حتى الإمبراطورية نفسها بتطبيقها على البدو، من أجل أن تسلب الأراضي. هذا يخلق تنافرًا أخلاقيًا أيضًا عند لجنة شؤون أراضي النقب برئاسة امرأة القضاء اليميني، بيلآ إلبك، التي أقرت بأنه "لا يمكن، من وجهة نظر إنسانيّ، (...)، أن يُهجّر البدو من كل منطقة السياج (...) رغم أنهم يعيش سنون طويلة (في المنطقة)، فقط بسبب الإدعاء بأنه لا يمكن في هذا الموقع قرية أو مدينة مبنيّة في العام 1858" (إقتباس من معهد إدفا). وإذا كان الوضع القضائي في وسط القرن التاسع عشر، حين تم سن القانون العثماني، هو بالفعل أساس مهزوز لإقرار علاقة الملكيّة اليوم، كما تدعي لجنة إلبك، فإن الاستنتاجات التي يجب استنتاجها من هذا المبدأ، إذا ما تمّ تبنيه بصدق، يمكن أن تكون ذات تأثير بعيد المدى. لن نسمح أن نمضي إلى الوراء في الزمان بشكل انتقائي وقح بهذه الدرجة، فقط من أجل تجريم القرى البدوية والتنكر لحقها بالوجود.
من وراء هذا المخطط يقف هدف تهويد النقب. القصد ليس أن تُبنى بلدات لليهود إلى جانب البدو، إنما مكان البدو، وعلى حساب مساحاتهم المعيشيّة. كيهودي، متصل بثقافته وتراثه، أشعر بخزي عميق من سياسات التهويد، وغضب عميق على أن الدولة تنفذ هذه السياسات بإسمي، بشكل أو بآخر.