إسرائيل وتدمير مستقبل الفلسطينيين
أعاقت قوات الاحتلال وصول الكتب المدرسية التي تطبع في الضفة الغربية إلى القطاع ما أدى إلى حرمان الطلبة من الكتب
سمير زقوت* | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 41، تشرين أول 2007
يشكل التعليم أحد أهم المداخل لإحداث تنمية بشرية واقتصادية، وتتوقف قوة الدول ومنعتها بل ويتوقف مستقبلها على مستوى النهضة العلمية فيها. وهذا كلام لا يقف عند حدوده النظرية فقط، بل إن هناك عشرات الشواهد التي تدلل عليه، وليس أدل على ذلك من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي كان لإرسال الاتحاد السوفيتي (سابقاً) في العام 1957، أول قمر صناعي، وقع الصدمة عليها، فتداعى الخبراء والمؤسسات للبحث في أسباب التفوق السوفيتي، وكان أن وضعوا أيديهم على مكمن الخلل ألا وهو النظام التعليمي، الذي يقوم على أساس التلقين، ولا يعتمد على البحث والتحليل والنقد.
وتعتبر ماليزا شاهداً آخر على أهمية التعليم وكونه منطلقاً أساساً لإحداث النهضة، فمنذ توليه لرئاسة وزراء ماليزيا في العام 1981 بدأ مهاتير محمد من النقطة نفسها، أي التعليم فأحدث ثورة في أسلوب التعليم ومناهجة، لتنهض ماليزيا وتشكل قوة اقتصادية مرموقة في محيطها الآسيوي.
ولم يقف الاهتمام بالحق في التعليم عند حدود الدول بل تجاوزه إلى الأمم المتحدة نفسها، حيث شهد الحق في التعليم تفهماً أوسع لدى أجسامها، وأصبح ينظر إليه بوصفه حقاً تمكينياً يمكن البشر من الحصول على فرص أفضل ويرفع من مستوى معيشتهم. كما يعطي إعمال الحق في التعليم دفعة كبيرة لكثير من الحقوق وفرص أفضل لمجابهة الفقر والعنف، ولهذا شكلت الأمم المتحدة هيئة خاصة (اليونسكو) معنية بالتعليم، إضافة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. كما أكد ميثاق الأمم المتحدة على أهمية التعليم ودعا إلى تعزيز التعاون الدولي لتطويره (المادة 55 – ب).
وأكدت الأمم المتحدة على أهمية التعليم في إعلاناتها واتفاقياتها المختلفة، فأسست المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للتعليم بوصفه حقاً أساسياً حيث نصت على أنّ لكل شخص حق في التعلم. ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة. هذا وجاء العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليؤكد على وجوب احترام الحق في التعليم وجعله حقاً محمياً بموجب القانون الدولي والقوانين المحلية وألزم الدول بوجوب إعماله على سكانها. كما فصلت في المادتين (13 – 14) مكونات الحق في التعليم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, فبالنظر للأهمية القصوى لهذا الحق فصلت اللجنة الخاصة بالعهد الدولي الخاص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مكونات الحق في التعليم المناسب، وضرورة توفيره للمعوقين وكبار السن وما إلى ذلك. ووضعت منظومة حقوق الإنسان مسئولية تنفيذ هذه المعايير على عاتق الدول. تستمر دولة إسرائيل في ممارسة سيطرتها الفعليّة على جميع الجوانب الإداريّة والحكوميّة تقريبًا في قطاع غزّة، وعليه فهي مسؤولة عن جوانب عديدة من حياة سكّان القطاع، بما في ذلك الجانب التعليمي، وذلك وفقًا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي. وتصبح هذه المسؤوليّة أوضح وأكبر عندما تعيق إسرائيل عمل الأجسام المحليّة في القطاع ومجهودها لتقديم حقوق الإنسان.
عليه فإن إسرائيل - كدولة تحتل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة - ملزمة باحترام الحق في التعليم وإعماله بالنسبة للسكان الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. بيد أن الوقائع تشير إلى عكس ذلك.
والمتتبع للممارسات الإسرائيلية التي استهدفت التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقف على هذه الحقيقة، وعلى أنماط الاستهداف المختلفة التي ضربت العملية التعليمية بالنسبة للفلسطينيين.
فمنذ اندلاع الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخلال اجتياحها للمدن وللقرى الفلسطينيّة وقصفها، اعمدت قوات الاحتلال على استهداف الطلبة بالقتل. وتشير المعطيات التي جمعها مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن قوات الاحتلال قتلت (770) طالبة وطالبة في قطاع غزة وحده منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، أي ما نسبته 30% من إجمالي من قتلتهم في القطاع. ولم ينجح علم الأمم المتحدة المرفوع على مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونوروا) في حماية الطلبة وهم على مقاعد دراستهم فقتلت قوات الاحتلال الطفلة رغدة عدنان عبد المعطي العصار، (9 سنوات)، غدير جبر حسين أبو مخيمر (10 سنوات) ونوران إياد عرفات ديب، (11 عاماً)، كما لم يشفع لطلبة المدارس الزي المدرس الذي يلبسونه حيث قتلت إيمان سمير درويش الهمص (14 عاماً) وهي في طريقها إلى المدرسة. كما كانت قوات الاحتلال زرعت عبوات ناسفة على طريق يسلكه طلبة المدارس، لتودي عبوة انفجرت صباح 22/11/2001 بحياة أربعة أطفال من عائلة واحدة. بالإضافة، ووفقًا للمعطيات التي جمعها مركز الميزان، تعرضت 106 منشأة تعليمية للقصف والتدمير بين مدرسة وجامعة وروضة، ومن بينها سبعة منشآت جرى تدميرها كلياً.
وأعاقت قوات الاحتلال وصول الكتب المدرسية التي تطبع في الضفة الغربية إلى القطاع ما أدى إلى حرمان الطلبة من الحصول على الكتب لفترات متفاوتة، وهذا فعل تكرر على مدى السنوات السبع المنصرمة. كذلك عمدت إسرائيل إلى منع الجامعيين من سكان قطاع غزة، ممن يدرسون في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، أو أولئك الدارسين في الخارج من الوصول إلى جامعاتهم.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة بدأت منذ اندلاع الانتفاضة في الثامن والعشرين من أيلول 2000 إلا أنها شهدت تصعيداً غير مسبوقاً في الآونة الأخيرة، ولاسيما منذ الرابع عشر من حزيران 2007 بحيث فرضت إسرائيل إغلاقاً محكماً وشاملاً على قطاع غزة حرمت بموجبه سكان القطاع من حقهم في السفر والتنقل منه وإليه.
هذا وتعمدت تلك القوات حرمان نحو (670) طالباً جامعياً يتواجدون في قطاع غزة من السفر لمتابعة دراستهم في الولايات المُتحدة، أوروبا، الأردن، شرق آسيا وفي أماكن أخرى. وأخذ التصعيد الإسرائيلي منحى غير مسبوق بعد أن قررت حكومة الاحتلال، يوم الأربعاء الموافق 19/09/2007، اعتبار قطاع غزة كياناً معادياً، وتمّ تشديد القيود المفروضة على حركة المسافرين من القطاع وإليه وألغيت السفريات التي كان من الممكن أن تممن الطلاب الجامعيين من مغادرة قطاع غزة عبر آلية السفر عبر معبر بيت حانون (إيرز) وصولاً إلى معبر العوجا مع مصر.
هذا وتقف إسرائيل موحدة وراء حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، حيث لم يقف الأمر عند حدود القرارات السياسية أو العسكرية والأمنية بل تجاوزه إلى المستوى القضائي، الذي شرع حرمان الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة من حقهم في الوصول إلى جامعاتهم خارج القطاع، بعد أن ردت المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً قدم إليها بهدف تمكين الطلبة الفلسطينيين من مغادرة القطاع والوصول إلى جامعاتهم. (م.ع. 05/11120، حمدان ضد قائد الجيش في الجنوب).
هذا بالإضافة إلى مئات طلبة المدارس في المراحل المختلفة الذين علقوا مع أسرهم، التي قدمت في زيارة لقطاع غزة في بداية الإجازة الصيفية، والذين حرموا من العودة حتى الآن، ما يهدد بضياع العام الدراسي الحالي عليهم، حيث أنهم غير مسجلين في المدارس داخل القطاع، ولم يقبل ذويهم على تسجيلهم أملاً في أن يسمح لهم بالمغادرة إلى البلدان التي قدموا منها.
وتشير المعطيات الواردة آنفاً ليس فقط إلى مدى تحلل إسرائيل من التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، اللذان يفرضان عليها احترام بل وإعمال حق الفلسطينيين في التعليم المناسب وليس فقط عدم المساس بالعملية التعليمية، وإنما تثير شكاً كبيراً في حقيقة نوايا إسرائيل، وإلى ما قد يفهم منه سعياً إسرائيلياً دءوباً إلى تدمير مستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة بل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، وذلك للإبقاء على تبعية الفلسطينيين الاقتصادية والسياسية، وأن كيانهم في حال تحقق له الاستقلال لن يتمكن من الفكاك من الكماشة الإسرائيلية، وإلا فما معنى أن تخلي إسرائيل القطاع من قواتها العسكرية ومن المستوطنين، وتدعي بعدم مسئوليتها عن حياة سكانه ومستوى معيشتهم، وفي الوقت نفسه تواصل تحكمها المطلق في أوجه حياتهم، وتواصل استهداف التعليم بالوسائل والأساليب على النحو الذي ورد، الأمر الذي يتواصل حتى الآن، وبالتالي فإن تحمل إسرائيل المسئولية عن تدمير مستقبل الفلسطينيين أمراً يبدو ضرورياً لمن يحاكم الأمور بموضوعية.