"دستور بالوفاق" - يشمل، بالطبع، موافقة عرب إسرائيل
عشرات الممثلين العرب اشتركوا في "دستور بالوفاق" الذي بادر إليه المعهد الإسرائيلي للدموقراطية.
عمير أبرموفيتش | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 8، كانون الأوّل 2004
في نشرة عدالة الإلكترونية (تشرين الثاني)، وردت مقالة كتبها البروفيسور نديم روحانا تحت عنوان: "دستور بالوفاق: أيّ وفاق؟". تطرق البروفيسور روحانا في مقالته إلى عدة مواضيع على بساط البحث في قضية "دستور بالوفاق"، وخاصةَ قضية تعريف دولة إسرائيل كدولة "يهودية وديموقراطية".
يعرض البروفيسور روحانا وجهة نظر أيديولوجية صِرفًا، واضحة غير قابلة لأكثر من تأويل، ولا تساوم في قضية تعريف إسرائيل كدولة "يهودية وديموقراطية". من الممكن الإشادة بإجراء جدال أيديولوجيّ جادّ ومتعمّق وقبوله وتشجيعه، كما يفعل بروفيسور روحانا في المعتاد، لكن لا يمكن التغاضي عن نشر معلومات غير صحيحة ومضلّلة وغير موثوق بها، سواء أكان الأمر متعمّدًا أم غير متعمّد. لذا، بودي الرد على مقالة البروفيسور روحانا.
يدّعي البروفيسور روحانا في مقالته أنّ مشروع "دستور بالوفاق"، الذي بادر إليه المعهد الإسرائيلي للدموقراطية، معناه "إجماع يهوديّ" وأنه تمّ تغييب العرب، بشكلٍ مُطلقٍ، عن النقاش الدائر حول الدستور. هذه المعلومات خالية من الصواب، إذ إن المعهد الإسرائيلي للدموقراطية يدير حوارًا مفتوحًا، منذ أكثر من أربع سنوات، مع عدّة أفراد يمثّلون المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، بغية التوصّل إلى صياغة دستور مقبول على أكبر عدد ممكن من المواطنين، صياغة تعتمد على التسويات. ويدور هذا النقاش في نطاق "المجلس الجماهيري للدستور بالوفاق"، برئاسة رئيس المحكمة العليا سابقًا، مئير شمجار، وفي نطاق محادثات عدة مع ممثلي المجموعات في المجتمع الإسرائيلي.
وشارك عشرات الممثلين عن العرب الإسرائيليين بشكل فعال وهامّ في الحوار لصياغة "دستور بالوفاق" الذي بادر إليه المعهد الإسرائيلي للدموقراطية. ومن بين عشرات المشاركين كان أعضاء كنيست عرب من جميع الأحزاب العربية، وبضمنها الحزب الذي يتماثل معه البروفيسور روحانا؛ وشارك أيضًا بشكل فعال: رؤساء سلطات محلية؛ مثقفون؛ رجال قانون وأكاديميّون عرب؛ قضاة المحكمة الشرعية؛ شيوخ ورجال دين آخرون؛ مديرو جمعيات؛ كتّاب؛ صحافيّون؛ وغيرهم من ممثلي الجمهور.
في هذه الجلسات، طرح الممثلون العرب وجهات نظرهم ومواقفهم من المسائل الدستورية المتعلقة بالمجتمع بشكل عام، وخصّوا بالذكر احتياجات وحقوق عرب إسرائيل كأفراد وكمجموعة قومية أصلانية. ونتيجة لذلك، فإن اقتراح الدستور الذي كتبه القاضي مئير شمجار والمعهد الإسرائيلي للديموقراطية عرّفت إسرائيل كدولة "يهودية ودموقراطية"، ووردت فيه الترتيبات والحقوق التي تعبر عن احتياجات وحقوق عرب إسرائيل. وإذا سنّت الكنيست دستورًا مشابهًا للاقتراح، فسيكون هذا إنجازًا تاريخيًّا وهامًّا للمواطنين العرب في إسرائيل. على سبيل المثال:
· المساواة بين كل المواطنين مبدأ أساسي في الدولة. يظهر هذا المبدأ في فصل "المبادئ الأساسية للدولة"، وفي "وثيقة الحقوق". وهو يرد بأشكال مختلفة - كالحقّ بالمساواة، وكمنع التمييز.
· تعترف دولة إسرائيل، للمرة الأولى، بالأقلية العربية كأقلية قومية.
· تضمن دولة إسرائيل مكانة واستقلالية كلّ الديانات.
· تحافظ الدولة على التراث التاريخيّ والثقافيّ لجميع سكان الدولة - وبضمنهم، بطبيعة الحال، سكانها العرب - وتعمل على تطويرها.
· تعترف الدولة للمرّة الأولى بالحقّ الجماعيّ لكلّ أقلّيّة (قوميّة-عرقيّة؛ دينية؛ ثقافية؛ لغويّة) بالحفاظ على ثقافته ودينه ولغته وتراثه، وتطويرها.
· إبطال البند 7أ لقانون أساس: الكنيست، الذي يمنع حزبًا من خوض الانتخابات إذا كان لا يعترف بإسرائيل كدولة يهودية ودموقراطية.
وكما ذكر أعلاه، إن اقتراح الدستور، الذي كتبه القاضي شمجار والمعهد الإسرائيلي للدموقراطية، يعتمد على تسوية تقوم بها كلّ المجموعات في المجتمع الإسرائيلي، وعلى إنجازات اجتماعية ودموقراطية وطبقية وحكومية هامة من الناحية الأخرى. يعرض البروفيسور نديم روحانا في مقالته معطيات من استطلاع الرأي العام الذي أجراه مركز "مدى"، تشير إلى أن " %67 يوافقون على دولة تضمن أكبر قدر ممكن من الحقوق، في حين تبقى الدولة دولةً يهودية". هذه المعطيات تلائم نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للدموقراطية؛ إلا أنه، وفقًا لهذا الاستطلاع، 77% يوافقون على الدستور الذي يعرّف دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية، والذي يضمن مساواة كاملة للعرب في الحقوق.
وكما رأينا، إن البروفيسور روحانا لم يخطئ ويضلّل القرّاء فقط، وإنما كانت هناك مشاركة كبيرة للعرب في "دستور بالوفاق"- ولم يكن العرب مجرد صورة كما عرّفهم السيد روحانا، بل كانوا أعضاءً فعّالين وقد نجحوا في التأثير وفي إقناع الباقين بإرادة ومصلحة السواد الأعظم من العرب في إسرائيل. من هذه الناحية، هم يمثلون غالبية العرب في إسرائيل تمثيلاً صادقًا وموفّقًا.
صحيح أنّ ثمّة أقلية ضئيلة (بيد أنّ لديها المقدرات والموارد) لن تقبل بتعريف إسرائيل كدولة "يهودية ودموقراطية"، وإن ضمنت مساواة كاملة للعرب. لن يغيّر هذا الموقف المتطرّف تعريفَ الدولة كدولة "يهودية وديموقراطية"، ولن يستطيع أن يضمن مساواة كاملة للعرب. على العكس تمامًا، سيبرر هذا الموقف تعامل الأكثرية اليهودية مع الأقلية العربية باعتبارها تهديدًا لكيان الدولة، وسيشجع الأكثرية اليهودية على الاستمرار في سياسة التمييز والاضطهاد. هذا الموقف سوف يدفع العلاقات بين العرب واليهود نحو التطرّف، وقد يُفضي بمزيد من الفئات بين صفوف الجمهور اليهوديّ إلى تبرير وتأييد الموقف المستهجَن والمستنكَر المتمثّل في الترانسفير وتبديل المناطق التي يقطنها العرب باكتظاظ (كالطيبة وباقة الغربية وأم الفحم وغيرها...) وسلب حقوق عرب إسرائيل. هذا الموقف يتعارض ويتناقض مع مصلحة وإرادة غالبية العرب في إسرائيل.
من العسير عليّ أن أصدّق أنّ البروفيسور روحانا بحاجة إلى عرض معلومات مغلوطة لكي يقنع القارئ ويعزّز ادّعاءاته. ربما نسي، وربما لم يعرف. فالحقيقة هي أن عشرات الممثلين العرب اشتركوا في "دستور بالوفاق" الذي بادر إليه المعهد الإسرائيلي للدموقراطية. لم يكونوا صورة تزيينيّة، بل هم أعضاء ذوو قدرات شخصية وقدرة على الإقناع، ومن دعاة المساواة والحرص على مصلحة عرب إسرائيل.
* مدير عام "دستور بالوفاق"، المعهد الإسرائيليّ للدموقراطية.