التشريعات الجديدة المناهضة للعرب
مرحلة جديدة تُبدي فيها دولة إسرائيل استعدادا للإعلان عن كون التمييز جزءًا من مبناها الدستوريّ.
حنين نعامنة | مجلة "عدالة" الإلكترونية، العدد 50، تموز 2008
نشهد في الآونة الأخيرة مبادرات تشريعية كثيرة في الكنيست، أدّت إلى نشوء سلسلة من القوانين لا يمكن التشكيك في الغايات التي سُنّتْ لأجلها، وفي المنطق القابع من ورائها. وقد هدفت هذه القوانين والمقترحات، التي يبدو قسم منها حياديًا للوهلة الأولى فيما يتطرق القسم الآخر إلى الهوية القومية صراحة، إلى التمييز ضد الفلسطينيين، أكانوا مواطني دولة إسرائيل أم سكان المناطق المحتلة منذ العام 1967.
قسمًا من المبادرات التشريعية التي سنفصّلها فيما يلي تتعارض كلية مع قرارات قضائية، وحتى أنّ قسمًا منها يأتي للتحايل على هذه القرارات وتفريغها من مضمونها، وبالتالي سدّ الطريق أمام رقابة ونقد قضائييْن على هذه المبادرات.
ومع أنّ التمييز ضد المواطنين العرب في إسرائيل كان حاضرًا قبل هذا، إلا أنه كان في غالبيته جزءًا من تشريعات قديمة سبقتْ سنّ قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، أو أنه كان جزءًا من سياسة سلطوية لم تجرِ بلورته في عملية تشريعية رئيسة، وذلك في الوقت الذي هدفت فيه المبادرات التشريعية المطروحة مؤخرًا إلى بلورة هذا التمييز في تشريعات أساسية. وتشير بلورة التمييز في التشريع على أساس قوميّ إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة، تُبدي فيها دولة إسرائيل إستعدادًا للإعلان عن كون التمييز جزءًا من مبناها الدستوريّ.
وفيما يتعلق بالوضع السائد في المناطق المحتلة، يسعى المُشرِّع الإسرائيليّ، وبواسطة المبادرات التشريعية الجديدة، إلى بلورة ممارسات الاحتلال الفعلية الأبرتهادية في ضمن تشريعات أساسية، والتي جرت بلورتها حتى الآن بواسطة أوامر عسكرية، كما يسعى عن طريق هذا إلى تكريس سياسة الفصل العنصريّ في المناطق المحتلة.
سنستعرض فيما يلي ستة قوانين جديدة و ثلاثة اقتراحات لتعديل قوانين.
قوانين سُنَّتْ في الكنيست
قانون المواطنة (التعديل رقم 9) (صلاحية نزع المواطنة) 2008: نزع المواطنة بسبب "خرق الولاء"
بتاريخ 28 تموز 2008 صدّق الكنيست على قانون المواطنة (التعديل رقم 9) (صلاحية نزع المواطنة) 2008. ويُمكّن القانون من نزع المواطنة نتيجة عمل فيه خرق للولاء للدولة، بحيث أنّ التعريف الذي يطرحه لهذا المصطلح واسع جدًا، ويتضمن السكن في 9 دول عربيّة وإسلاميّة، حددها القانون، أو في قطاع غزّة. كما يمكّن القانون من نزع المواطنة من دون تثبيت مطلب إدانة سابقة جنائية على "خرق الولاء للدولة".
كما يُمكّن القانون من إقامة نقاش في طلب نزع المواطنة في غياب المواطن الذي يُسعى لنزع مواطنته، من خلال الخروج على قوانين الأدلة ومن خلال الاستعانة بأدلة سرية. هذا يعني إلغاء الحقّ في إجراء مُنصف بشكل متطرف في عملية تدور حول نفي حق شديد الخصوصية والأهمية.
ويحوي القانون تقييدًا يمنع نزع مواطنة شخص سيظلّ من دون مواطنة، إلا أنّ هذا التقييد هو ظاهريّ ليس إلا، حيث أنّ القانون ينصّ على أنّ الشخص لا يظلّ من دون مواطنة فيما إذا كان "يقيم بشكل دائم خارج إسرائيل"، رغم أنه يمكن للشخص، فعليًا، أن يقيم خارج دولة مواطنته لسنوات من دون أن يملك جنسية أخرى، وذلك رغم المنع الوارد في القوانين الدولية من نزع المواطنة الاعتباطي، وخصوصًا نزع المواطنة الذي يبقي الإنسان من غير مواطنة.
وينقل القانون صلاحية إلغاء المواطنة، التي كانت ممنوحة لوزير الداخلية حتى اليوم، إلى المحكمة الإدارية، في حالتين وردتا في الند 11 من قانون المواطنة: في حال أُكتسبت المواطنة "بناءً على معلومات كاذبة"، وفي حال قيام شخص ما "بعمل يحمل في طياته خرقًا للولاء لدولة إسرائيل".
بدون أدنى شك، يمس هذا القانون في الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، خاصةً المواطنين الفلسطينيين الذين انتقلوا للسكن في غزّة ليعيشوا مع أزواجهم/زوجاتهم الذين ترفض إسرائيل منحهم أيّة مكانة قانونيّة في إسرائيل في أعقاب سن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل في العام 2003، الذي يمنع لم شمل العائلات الفلسطينيّة.
تمديد سريان قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر ساعة)، 2003: منع لمّ شمل العائلات لسنة إضافية
في تاريخ 1 تموز 2008 صدّق الكنيست الإسرائيلي على قرار الحكومة بصدد تمديد سريان قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، لسنة إضافية، هي السابعة حتى الآن، وذلك حتى يوم 31 تموز 2009. ونتيجة لهذا فإنّ المعاناة الصعبة اللاحقة بآلاف العائلات المتضرّرة من القانون ستتواصل وتطول، حيث أنّه لا يمكن لهذه العائلات تنظيم مكانتها في إسرائيل، أو أنه لا يمكنها تحسين الوضعية المؤقتة الممنوحة للزوج/ة الفلسطيني/ة من سكان المناطق المحتلة.
قانون أساس: الكنيست (التعديل رقم 38) (مرشح زار دولة عدو خلافًا للقانون): سلب الحق في الترشح ممّن زار دول عربية معينة، تُعرفها إسرائيل على أنها دول عدو.
جرى في يوم 30 حزيران 2008 التصديق بالقراءتين الثانية والثالثة على تعديل لقانون أساس: الكنيست (مرشح زار دولة عدوّ خلافا للقانون)، الذي قدّمه للكنيست أعضاء الكنيست طرطمن، أورليف، غلزر وآخرون.
ويسلب التعديل الجديد على قانون أساس: الكنيست من كل مواطن زار دول "عدو" –مثل سورية ولبنان والعراق وإيران وغيرها- في السّنوات السّبع التي سبقت موعد تقديم قائمة المرشحين، من دون إذن من وزير الداخلية، يسلب حقه في الترشح للإنتخابات للكنيست. وقد قُدم التعديل على قانون الأساس للكنيست، كما ورد في التوضيحات المرافقة للقانون، على خلفية زيارة نواب عرب لعدد من الدول العربية. ويُنظر إلى هذه الزيارات، وفق اقتراح القانون الجديد، على أنها "دعم لكفاح مُسلح ضد دولة إسرائيل".
ويشكّل التعديل الجديد لقانون الأساس مسًّا قاسيًا بالحق في الترشح كحقٍّ دستوريّ. ويُذكر أنّ التعديل يلتفّ أيضًا على قرارات قضائية سابقة، منها قرار الحكم الذي أمرت فيه المحكمة العليا بإبطال قرار اللجنة المركزية للانتخابات الذي شطب ترشيح النائب عزمي بشارة، من ضمن سائر القرارات، في أعقاب زياراته إلى سورية، من خلال التشديد على أهمية الحقّ الدّستوريّ في الترشّح والانتخاب.[2]
قانون استيعاب الجنود المُسرَّحين (التعديل رقم 7) (امتيازات للجنود المُسرَّحين) 2008: السماح بالتمييز ضد الطلاب الجامعيين العرب في المؤسّسات الأكاديمية بواسطة اللجوء إلى معيار الخدمة العسكرية/ المدنية
قُدّم إقتراح القانون إلى الكنيست في تشرين الثاني الماضي، بواسطة عضوي الكنيست جلعاد أردان وزفولون أرليف، وجرى التصديق عليه بالقراءتين الثانية والثالثة في الهيئة العامة للكنيست بتاريخ 17 حزيران 2008. وجرى تقديم اقتراح القانون في أعقاب قرار الحكم غير المسبوق الذي أصدره القاضي سوكول في المحكمة المركزية في حيفا[3]، حيث قبل طعون الإدعاء الذي قدّمه مركز "عدالة" باسم ثلاث طالبات جامعيات عربيات
من جامعة حيفا، وقال في قرار الحكم إنّ اللجوء إلى معيار الخدمة العسكرية/المدنية للبتّ في مسألة استحقاق السكن في مساكن الطلبة هو لاغٍ وتمييزيّ ضد الطلاب العرب. وجرى الادعاء من خلال الدعوى أنّ الجامعة غير مُخوّلة باقتباس دور المُشرّع وبإضافة امتيازات تشذّ عن تلك الممنوحة للجنود المُسرّحين في قانون استيعاب الجنود المُسرّحين من العام 1994.
وبلور التعديل الجديد على القانون معيارَ الخدمة العسكرية في قانون استيعاب الجنود المُسرّحين، وبذلك سمح باستخدام معيار الخدمة العسكرية/المدنية أثناء البتّ في استحقاق السّكن في مساكن الطلبة في جميع المؤسّسات الأكاديمية. أضِفْ إلى ذلك أنّ القانون يمنح المؤسسات الأكاديمية مساحة تحكيم رأي وتفكير واسعة عند البتّ في الإمتيازات الإقتصادية الإضافية الممنوحة للجنود المُسرَّحين، من دون علاقة بالإمتيازات التي مُنحت لهم وفق أيّ ترتيب واتفاق سابقين. ويُذكر أنه خلال تشريع قانون استيعاب الجنود المُسرَّحين سنة 1994، جرى إلغاء البند الذي منح الأفضلية للجنود المُسرَّحين عند قبولهم للتعليم العالي وذلك لكون هذا البند مُميّزًا ضد العرب.
قانون التدبيرات القضائية الجنائية (التحقيق مع المشتبهين) (التعديل رقم 4) 2008: تمديد الإعفاء من التوثيق البصريّ والصوتيّ للتحقيقات الجارية مع مشتبهين بمخالفات أمنية يخلق ظروفًا مُيسِّرة للقيام بتعذيب المُحقق معهم وبانتهاك حقوقهم
في يوم 16 حزيران 2008 صدّق الكنيست الإسرائيلي على التعديل رقم 4 على قانون التدبيرات القضائية الجنائية (التحقيق مع المُشتبهين)، 2008، حيث جرى التمديد بأربع سنوات للإعفاء الممنوح بعدم اتباع التوثيق البصريّ والصوتيّ لتحقيقات تجرى مع مشتبه بهم بارتكاب مخالفات أمنية. ويُذكر أنّ الإعفاء من توثيق تحقيقات "الشاباك"، الذي تم تشريعه في العام 2002، كان مُعدًّا في البداية ليكون أمر ساعة مؤقتًا، إلا أنّ التمديد الجديد حوّل هذا الإعفاء إلى أمر دائم.
إسقاطات هذا الإعفاء هي شديدة الخطورة في كلّ ما يتعلق باللجوء إلى التعذيب، حيث أنّ المشتبه بهم بارتكاب مخالفات أمنية هم أكثر المعرضين لخطر اللجوء إلى التعذيب. وتشير تقارير تنظيمات حقوق إنسان تضلع في حقوق الأسرى والمشتبه بهم إلى استخدام واسع لهذه الأساليب اللاغية،[4] حتى بعد صدور قرار المحكمة العليا سنة 1999.[5]
والإعفاء الجارف الذي يوفّره القانون يسري على استخدام آلية أساسية ومتأصلة سعيًا نحو الحقيقة. وهو يُفشل أية إمكانية لتسيير رقابة قضائية فعّالة على عملية التحقيق وعلى شرعية الأدلة التي تُجلب أمام المحكمة خلال مرحلة استيضاح التهمة ويمسّ مسًّا قاسيًا بحقوق المشتبه بهم في الحرية الشخصية وفي إجراء مُنصف. ويهدف الإعفاء إلى منع مراقبة عمل مُحققي "الشاباك" وتمكينهم من التحقيق مع مشتبه بهم في ارتكاب
مخالفات أمنية من دون أن يكونوا خاضعين لرقابة قضائية فعّالة الهدف منها أن تشكل أداة جامحة أمام "الشاباك" من اللجوء إلى وسائل تحقيق لاغية. ويلقي غياب التوثيق البصريّ والصوتيّ بتبعاته على موثوقية ومصداقية ومقبولية الأدلة المقدّمة ضد المشتبه بهم، حيث أنّ التوثيق الخطيّ يخضع لسيطرة المحققين ويمنع المحكمة من تلقّي انطباع بصدد تصرّف وأقوال المشتبه به ومُحققيه.
وللتوثيق البصريّ والصوتيّ أهمية قصوى في الحفاظ على مصداقية وموثوقية الشهادات في الحالات التي يجري فيها التحقيق بلغة المُشتبه به، بينما يجري توثيق التحقيق بلغة أخرى. وكما هو معلوم، فإنّ الغالبية الكبرى من المشتبه بهم بارتكاب مخالفات أمنية هم من الفلسطينيين الناطقين بالعربية، فقط، ولذلك توجد أهمية خاصة في التوثيق البصريّ والصّوتيّ، بالذات في التحقيقات الجارية مع مشتبه بهم كهؤلاء.
ويتعاظم المسّ الذي يُلحِقه الإعفاء المُثبّت في القانون نتيجة لتراكمه إلى جانب سلب حقوق أسرى أساسية أخرى من مشتبه بهم بارتكابهم مخالفات أمنية، ومن ضمن ذلك منعهم من الالتقاء بمُحاميهم، تأجيل عرض المشتبه بهم على قاضٍ، إدارة محاكمة من دون حضور المعتقل، وغيرها. ويعني غياب التوثيق سدّ الطريق الوحيدة القائمة والمُتاحة أمام المعتقل للتبليغ عن استخدام وسائل لاغية أثناء التحقيق معه.
كما أنّ الإعفاء يُميّز على خلفية قومية، في ضوء غياب معايير ذات علاقة تبرّر التمييز والفصل بين المشتبه بهم بارتكاب مخالفات أمنية وبين المشتبه بهم بارتكاب مخالفات جنائية عادية، في كل ما يخصّ واجبَ التوثيق البصريّ والصوتيّ، خصوصًا أنّ الإعفاء، وفق النظر في تحصيلاته، يخلق تمييزًا على أساس قوميّ؛ فالغالبية المطلقة للمُحقَّق معهم في تهم يسري عليها الإعفاء هم من الفلسطينيين.
قانون تقييد استعمال وتسجيل أعمال في قطع سيارات مستعملة (منع السرقة) (التعديل رقم 4- أمر ساعة) 2008: تسيير منع جنائي على تصليح سيارات في مرائب (كراجات) فلسطينية في الضفة الغربية، والذي يمسّ بالحيّز الإقتصادي الضيّق لدى الفلسطينيين في المناطق المحتلة
التعديل رقم 4 على قانون تقييد استعمال وتسجيل أعمال في قطع سيارات مُستعملة (منع السرقة) والذي يمنع مواطني إسرائيل من تصليح سيارة في مناطق السلطة الفلسطينية، جرى التصديق عليه بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست بتاريخ 31 آذار 2008 بمبادرة عضو الكنيست موشيه كحلون.
ويقضي المنطق الكامن من وراء القانون بضمان مستوى أمان لائق في شوارع الدولة، بما يلائم المواصفات الإسرائيلية، إلا أنّ الافتراض الكامن في أساسه، بأنّ كل سيارة يجري تصليحها في مناطق السلطة الفلسطينية هي سيارة غير صالحة، لم يحظَ بأيّ تدعيم حقائقي خلال بلورة القانون.
وينصّ القانون على منع جارف ضد أيّ نوع من التصليحات، لأية سيارة، في جميع المناطق التابعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، أي في جميع مناطق الضفة الغربية، باستثناء مناطق المستوطنات، كما أنه يفرض على تصليح سيارة كما هو مذكور أعلاه عقوبة سجن تصل مدتها حتى 3 سنوات، إضافة إلى عقوبات تتمثل في إلغاء رخصة السيارة وإلغاء رخصة السياقة.
ويهدف هذا القانون، أولا وأخيرًا، إلى المسّ بمصادر رزق أصحاب الكراجات الفلسطينيين خصوصًا، وبالاقتصاد الفلسطيني عمومًا، وهو جزء من منظومة قوانين تهدف لخلق عزلة اقتصادية ضد السّكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة وإلى إحداث فصل عنصريّ، هو غير قانونيّ بالتأكيد.
إقتراحات قوانين ما زالت قيد التشريع
إقتراح قانون حبس مقاتلين غير قانونيين (تعديل) 2008: السماح باعتقال إداري غير محدد لأجانب، تعتبرهم إسرائيل "محاربين غير قانونيين"، ووضع نظام جديد يراجع فيه الجيش هذه القضايا
اقتراح قانون حبس محاربين غير قانونيين (تعديل) 2008، والذي جرى التصديق عليه بالقراءة الأولى في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 24 آذار 2008، يضيف إلى صعوبة وشدّة ظروف حبس المحاربين الذي وقعوا في الأسر الإسرائيلي، ويشكّل استمرارًا للسياسة التي تلتفّ على القوانين الدولية الإنسانية التي تنظّم موضوع أسرى الحرب وتحدّد مكانتهم وحقوقهم أثناء الأسر والعمليات الإجرائية المتعلقة بمحاكمتهم، والتي أدّت (هذه السياسة) إلى تشريع القانون الأصلي في سنة 2002.
ويمكّن القانون –قبل تعديله- من اعتقال هؤلاء المحاربين اعتقالا إداريًا من دون محاكمة إلى أن تنتهي وضعية الحرب، من دون أية رقابة قضائية على الاعتقال نفسه، وبالتالي تحويلهم إلى رهائن. إلى اليوم لم تعتقل إسرائيل بحسب هذا القانون إلا العشرات القلائل نذكر منهم مقاتلي حزب الله الأربعة الذين تم اعتقالهم في حرب تموز وإطلاق سراحهم في صفقة التبادل الأخيرة. النية الواضحة من التعديل المقترح هي تكثيف استعمال هذا القانون التعسفي وزيادة عدد الرهائن خاصة ضد سكان غزة حاليًا.
وينفي القانون حقوقًا أساسية تخصّ أسرى الحرب (وفق تعريفهم في القانون الدولي)، مثل: الحقّ بالتواجد في المداولات، علانية المداولات، تأسيسات قرائنية صلبة للتهم الموجهة ضدهم وغيرها.
ويمنح الاقتراح الجديد لتعديل القانون، والذي تبلور على خلفية الحرب الثانية على لبنان والوضع في غزة، صلاحية للجيش بمنع هؤلاء الأسرى من التقاء مُحاميهم لفترات طويلة تصل حتى 21 يومًا بعد احتجازهم. أضِفْ إلى ذلك أنّ اقتراح القانون يوسّع من دائرة المؤهّلين لاستصدار أمر احتجاز ويطيل الفترة الزمنية التي يمكن فيها احتجاز هؤلاء الأسرى قبل عرضهم على قاضٍ إلى 28 يومًا.
ويقترح المبادرون لتعديل القانون إقامة محكمة عسكريّة للرقابة ومحكمة عسكريّة للاستئناف، لتعالج هاتين المحكمتين جميع الإجراءات المتعلقة بـ"المقاتلين غير القانونيين" في الفترة التي تجري فيها عمليات حربيّة واسعة بين إسرائيل وبين التنظيمات التي ينتمي إليها "المقاتلون غير القانونيين". وتقوم لجنة وزاريّة بالإعلان عن هذه العمليّات الحربيّة، ويكون هذا الإعلان ساري المفعول لمدّة ثلاثة أشهر، يجري تمديده فيما بعد. ويمكّن إعلان اللجنة الوزاريّة عن عمليّات حربيّة بشكل موسّع عدم إحضار مُعتقل أمام المحكمة لمراقبة أمر الاعتقال لمدّة 28 يومًا.
ويشكّل اقتراح القانون الجديد مسًّا صارخًا بحقّ هؤلاء المعتقلين الأساسي بإجراء مُنصف وبمنع الاعتقال الإعتباطيّ، والممنوح لكلّ إنسان معتقل وفق البند رقم 9 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة في العام 1966، كما يمسّ واجب توفير المعاملة الإنسانية والمُنصفة لأسرى الحرب، المُثبت في ميثاق هاغ منذا من العام 1907.
ومن الجدير أن نذكر أنه إضافة إلى اقتراح القانون الجديد، فإنّ المحكمة العليا أصدرت بتاريخ 11 حزيران 2008 قرار حكم[6] يمهّد لشرعية أوامر القانون السابق من العام 2002 وينصّ على أنّ القانون يتماشى مع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق أسرى الحرب، رغم أنّ القانون الدوليّ لا يحوي فئة "محاربين غير قانونيين"، وهو تعريف ناتج عن الاحتلال الإسرائيلي يأتي كي يلتفّ على حقوق المحاربين أثناء الحرب، المضمونة وفق ميثاق هاغ ووفق قوانين حقوق الإنسان.
في تاريخ 23 كانون الثاني 2008 جرى التصديق على اقتراح قانون بادر إليه عضو الكنيست أرييه إلداد، بالقراءة التمهيدية في الكنيست الإسرائيلي، وذلك بدعم جزئيّ من الحكومة. ويمنح اقتراح القانون وزير الأمن الداخلي تفويضًا بمنع الزيارات عن الأسرى الأعضاء في تنظيمات معيّنة "إذا كان تنظيم إرهابي يحتجز مواطنا إسرائيليا مخطوفًا بحيازته، ومنع عنه زيارة من ممثل عن الحكومة الإسرائيلية، ممثل عن تنظيم إنساني أو فرد من العائلة".
ويشكّل منع الزيارات كما ورد أعلاه خرقًا خطيرًا لأوامر القوانين الدولية ولأوامر القوانين الإسرائيلية. كما يشكل عقابًا جماعيًا ويخرق الحقوق الأساسية في الحرية والكرامة والمساواة والحياة الأسرية.
الغاية من وراء اقتراح القانون هذا باطلة- الإنتقام والردع عن طريق تحويل الأسير إلى رهينة تخضع حقوقه إلى أعمال أو أفشال شخص آخر لا يملك سيطرة عليه. ويكتسب الخرق الكامن في هذه الاقتراح خطورة أكبر في ظلّ الصعوبة الكبيرة القائمة سلفًا في إحقاق حقوق الأسرى الفلسطينيين في زيارات من أسرهم نتيجة للتقييدات الجمّة المفروضة عليهم، ومن ضمنها تقييد الزائرين وتحديدهم بالقرابة الأولى، فقط؛ ظروف الزيارات والحواجز التي تفصل بينهم وبين عوائلهم؛ سياسة الحصار ومنع التجوّل المتكررة مرارًا والمفروضة على أماكن السّكن في المناطق المحتلة؛ تعريف غالبية أبناء العوائل كممنوعين من الدخول إلى إسرائيل، إلى جانب المنع المطلق المفروض عليهم من استخدام الهواتف للحفاظ على علاقاتهم مع أبناء عوائلهم والتقييدات المفروضة على إرسال واستقبال الرسائل. ويعني إلغاء الزيارات في مثل هذه الظروف منعًا شبه تامّ لقدرة الأسير على أن يكون في أيّ اتصال مع عائلته.
إقتراح قانون الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة) (التعديل رقم 8) 2008: محاولة الإلتفاف على قرار المحكمة العليا وإعفاء الدولة من مسؤوليتها عن الأضرار التي ألحقتها بالفلسطينيين في المناطق المحتلة
في يوم الثلاثاء، 10 حزيران 2008، صودق على اقتراح قانون الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة) (التعديل رقم 8) 2008، بالقراءة الأولى في الهيئة العامة للكنيست. ويسعى إقتراح القانون هذا، الذي بادر له وزير القضاء، إلى منع سكان المناطق المحتلة من إمكانية تقديم دعاوى أضرار ضد قوات الأمن، رغم أنّ الضرر لم يقع نتيجة لنشاطات حربية قتالية.
في سنة 2005 سنّ الكنيست الإسرائيلي قانونَ الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة) (التعديل رقم 7)، الذي نصّ على أنّ الدولة لن تتحمّل مسؤولية الأضرار التي وقعت في منطقة نزاع نتيجة نشاط قامت به قوات الأمن أثناء عمليات ليست حربية (قتالية)، إلا أنّ المحكمة العليا قبلت إلتماس "عدالة" وتنظيمات حقوق إنسان أخرى[7] ضد التعديل رقم 7 على قانون الأضرار المدنية وقالت إنّ التعديل المذكور ليس دستوريًا والدولة غير معفيّة من مسؤوليتها على أضرار سببتها قوات الأمن خارج إطار النشاط الحربيّ. والآن، يسعى وزير القضاء إلى الإلتفاف على قرار المحكمة العليا عن طريق التعديل رقم 8 وإعفاء الدولة من مسؤوليتها عن أضرار لحقت بالفلسطينيين سكان المناطق المحتلة.
وتشكل هذه الخطوة تصعيدًا آخر في تنصّل إسرائيل من واجباتها وفق القانون الدولي تجاه الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة. وفي حال إتمام مبادرة التشريع هذه فإنّ الأمر سيؤدي إلى سدّ المسار المتبقي الذي يكاد يكون الوحيد للكشف عن القليل من الموبقات التي يلحقها الإحتلال بالفلسطينيين سكان المناطق المحتلة، والتي لا يجري التحقيق في غالبيتها في المسار الجنائي.
* الكاتبة هي محاميّة متدربة في مركز "عدالة"
[2] قرار المحكمة العليا 11280/02 لجنة الانتخابات المركزيّة للكنيست ألـ 16 ضد عضو الكنيست أحمد طيبي وآخرين، بيسكي دين 57(4) 1 (2003)
[3] هـ ب (ح ي) 217/05 نعامنة وآخرون ضد جامعة حيفا، ب م 2004 (2) 652، بتاريخ 17.8.06.
[4] ينظر، على سبيل المثال، إلى تقرير اللجنة العامّة ضد التعذيبات في إسرائيل: "القنابل الموقوتة: شهادات من ضحايا التعذيب في إسرائيل" في الرابط: http://www.stoptorture.org.il/en/node/69
[5] قرار المحكمة العليا 5100/94 اللجنة العامة ضد التعذيبات ضد دولة إسرائيل، ب د ن ج(4) 817 (1999).
[6] ع ب 6659/06 فلان ضد دولة إسرائيل، (لم يُنشر بعد، صدر بتاريخ 11.6.08).
[7] قرار المحكمة العليا 8276/05 عدالة ضد وزير الأمن، (لم يُنشر بعد، صدر بتاريخ 12.12.06)