مسارات المواطنة في دولة إسرائيل
قانون المواطنة لا يربطه رابط بالشؤون الأمنية، فهدفه وغايته ديمغرافيان مُوجَّهتان ضد المواطنين العرب.
سوسن زهر | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 48، أيّار 2008
صدّق الكنيست الإسرائيلي في آذار 2007 على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة) (التعديل رقم 2)- 2007 (فيما يلي: "قانون المواطنة")، حيث مدّد فترة سريان قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة)-2003 الذي يمنع لمّ الشمل بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وبين الفلسطينيين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك حتى يوم 31 تموز 2008. كما وسّع قانون المواطنة من المنع الساري على لمّ الشمل ليشمل أيضًا سكان الدول الأربع التالية: إيران، العراق، سورية ولبنان، إضافة إلى السّكان الذين يعيشون في مناطق تجري فيها عمليات تشكل خطرًا على أمن الدولة أو على مواطنيها، وذلك وفق مُذكّرة موقف تصدر عن الجّهات الأمنية بهذا الصدد. وفي شهر أيار 2006 أصدرت المحكمة العليا قرارها في التماس "عدالة" ضد وزير الداخلية[2] الذي تمحور في دستورية قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل من سنة 2003، بتركيبة 11 قاضيًا. وقد ردّ قرار الحكم الالتماسَ بأغلبية ستة قضاة ضد خمسة. واليوم، هناك عدة التماسات مُقدّمة إلى المحكمة العليا، قدمتها عدة تنظيمات، من بينها التماس مركز "عدالة"[3]، ضد دستورية قانون المواطنة، حيث أصدرت المحكمة مؤخرًا أوامرَ احترازية تخصّ هذه الالتماسات.
قانون المواطنة هو أحد أكثر القوانين عنصرية، وهو مُوجَّه، صراحةً وعلنًا، ضدّ المواطنين العرب في إسرائيل، لا لشيءٍ إلا لسبب انتمائهم القوميِّ. وكما أسلفنا، يُوسِّع قانون المواطنة من حيّز السّريان الجغرافيّ للمنع القائم ضد لمّ شمل العائلات، ليشمل الدول التي ورد تفصيلها آنفًا. وبهذا، يُشرعِن القانون المسَّ الجارف بالحياة العائلية ويُبقي على قائمة الدول التي يسري عليها المنعُ، مفتوحةً، وذلك من دون أيّ تأسيس حقائقيّ ودلائليّ يُثبت الضلوع الفعليّ لسكان الدول المقصودة في نشاطات تشكّل خطرًا على أمن الدولة أو مواطنيها. مُحصّلة هذا هي عبثية، لا تنحصر عبثيّتها في منع المواطن العربي من السّكن في إسرائيل فيما لو تزوّج من سكان رام الله، بل سيحدث هذا حتى لو تعرّف على زوجته التي وُلدت في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتحدث الإنجليزية فقط وتحمل الجنسية الأمريكية، إلا أنها تحمل الجنسية اللبنانية أو السّورية، ورثتها عن والديها؛ عندها أيضًا سيكون ممنوعًا من الزواج بها والسّكن معها في إسرائيل، حتى لو لم تزُر لبنان أو سورية، قط.
وعلى أرض الواقع، يُفرز قانون المواطنة واقعًا ينعكس في ثلاثة مسارات هرميّة للمواطنة في إسرائيل: الأول، وفي أعلى السّلم الهرميّ، مُعدّ لليهود وفق قانون العودة- 1950. الثاني، وهو للأجانب (غير اليهود وغير العرب) الذين تسري عليهم قرارات حكومية مختلفة و"الإجراء التدريجي"، حيث يبدأ هذا المسار بعد فترة بينيّة وفحص، بإقامة عرضية وينتهي بإقامة دائمة. هذا المسار موجود في المرتبة الوسطى في هذه الهرميّة. المسار الثالث، الموجود في أسفل الرتبية الهرمية، مُعدّ للمواطنين العرب الممنوعين من ممارسة حيواتهم العائلية مع أزواجهم/ زوجاتهم من السلطة الفلسطينية ومن الدول العربية الأخرى التي وردت في قانون المواطنة. هذ التصنيف يقوّي سياسة "الوَسْم" (profiling) ضد جميع المواطنين العرب، حيث تتعزز سياسة "الوسم" هذه في ضوء سهولة الخطر (المطلوب إثباته) التي تنعكس من طالبي لمّ الشمل منذ 1994 وحتى موعد إصدار قرار الحكم في الإلتماس "عدالة ضد وزير الداخلية" في شهر أيار 2006، والذي يتضح بحسبه، وفق ادّعاء الدولة، أنّ عدد الذين كانوا ضالعين في عمليات شكلت خطرًا على أمن الدولة ومواطنيها بلغ 26 شخصًا من أصل 130,000 شخص تقدموا بطلبات لمّ الشمل. أي أنّه جرى التصديق على المسّ الجارف الكامن في القانون، رغم أنّ الخطر النابع من دخول فلسطينيين إلى نطاق الدولة، لا يتجاوز 0.02% مقابل احتمال يصل إلى 98.98% بعدم وقوع أية عملية أمنية أيًّا كانت. إضِف إلى ذلك أنّ سياسة "الوَسم" تتعاظم في ظلّ الغياب المطلق لضالعين من دول عربية، أضيفوا على المنع القائم في القانون الثاني.
وعمليًا، يتجاهل قانون المواطنة حقّ المواطنين العرب بتسيير حياة عائلية في نطاق دولة إسرائيل مع أبناء شعبهم الفلسطينيّ أو مع أبناء أمتهم العربية. ويتعارض تقييد ممارسة الحياة العائلية بين المواطنين العرب وبين شعبهم وأمتهم مع نُظُم القضاء الدوليّ، والتي تشمل بنود إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق أبناء الأقليات الإثنية والقومية واللغوية الصادر في سنة 1992. البند 2(5) من إعلان الأمم المتحدة المذكور ينصّ على ما يلي:
"يملك الأشخاص الذين ينتمون إلى أقلياتٍ حقَّ إقامة وتسيير علاقات حُرّة ومُسالمة، من دون أيِّ تمييز، مع أبناء آخرين لمجموعاتهم ومع مجموعات أخرى، ومع أشخاص ينتمون إلى أقليات أخرى، إلى جانب إقامة وتسيير علاقات عبر الحدود مع مواطنين من دول أخرى تربطهم بهم روابط قومية أو إثنية او دينية أو لغوية."
إضافةً، تنص معاهدة الدفاع عن الأقليات القوميّة التي صدرت عن المجلس الأوروبي سنة 1995، في البند 17، على ما يلي:
"يتعهّد الأطراف بألا يتدخّلوا في حق أبناء الأقليات القومية في إقامة وتسيير روابط حرة ومُسالمة عبر الحدود مع أشخاص يقيمون قانونيًا في دول أخرى، وخصوصًا أولئك الذين يشاطرونهم الهوية الإثنية أو الثقافية أو اللغوية أو الدينية، أو يشاطرونهم الموروث الثقافي المشترك."
وإضافةً إلى المسّ المذكور بالمواطنين العرب في إسرائيل، وبغضّ النظر عنهم، يُطرح السّؤال: هل يحقّ لدولة إسرائيل تقييد دخول الغرباء الذي يرغبون بدخولها لغرض الزواج، من منطلق الانتماء القومي أو الإثني، ليس إلا؟
وقد ألزم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 جميعَ الدّول الأعضاء باحترام مبدأ منع التمييز تجاه أيّ إنسان كونه إنسانًا. ومع أنه يُسمَح لكلّ دولة بتقييد حريات أشخاص ليسوا مواطنين أو سكانًا من الدخول إلى مناطقها، من منطلق تسويغات واعتبارات موضوعية، إلا أنّ انتماء الإنسان القومي لم يكن يومًا اعتبارًا شرعيًا يمنع دخول من ليسوا مواطنين أو سكانًا إلى نطاق الدولة. فمثلا، كما تُمنع فرنسا من سنّ قوانين تمنع اليهود -كونهم يهودَ- من دخولها، فإنّ إسرائيل تُمنع أيضًا من منع الأزواج/ الزوجات من أصل لبناني أو عراقي، أيًّا كانوا، من دخول مناطقها، نتيجة لانتمائهم القوميّ والإثنيّ.
كما تنصّ المعاهدات الدولية التي صِيغت في سنوات السّتين، هي أيضًا، على أنه يمكن تقييد الحقوق والحريات في حالات الطوارئ الوطنية، إلا أنها تزيد على ذلك أنه لا يمكن الانتقاص من الحقّ في منع التمييز أو اشتراطه بحالة الطوارئ الوطنية. وبشكل صريح وجليّ، تمنع المواثيق الدولية التمييز ضد الأجانب الذي يرغبون في دخول الدولة، على خلفية انتمائهم إلى مجموعات قومية أو إثنية، ليس إلا.[4] ونشدّد هنا على أنّ لجنة الأمم المتحدة لتطبيق وثيقة الأمم المتحدة لاجتثاث العنصرية، أصدرت ثلاثة قرارات تطلب من دولة إسرائيل إلغاء قانون المواطنة.[5] كما أنّ المجلس الأوروبيّ (Council of Europe) أقرّ مؤخرًا توجيهيْن عامّيْن يشملان منع اتخاذ تدابير تُميّز ضد الأفراد أثناء مواجهة الإرهاب، على خلفية الانتماء الإثنيّ أو القوميّ فقط.[6] ومؤخرًا، بُلورت هذه الأمور، أيضًا، في الإعلان العالمي لحقوق الأقليات الأصلانية الذي صادقت عليه الأمم المتحدة في شهر أيلول 2007.
ووفق القضاء الدولي، فإنّ الإستنتاج البيِّن مما تقدم ينصّ على منع التمييز ضد الأجانب عند دخولهم حيّز الدولة لغرض الزواج، على خلفية انتمائهم إلى مجموعة إثنية أو قومية أيًّا كانت. من هنا مصدر ما نقول إنّ قانون المواطنة الثاني مخالف لأوامر القوانين الدولية الواضحة.
وحتى لو كان الأزواج/ الزوجات الأجانب الذين يطلبون/يطلبن الدخول إلى حيّز الدولة من "مواطني دول عدوة"، حتى عندها، ووفق أوامر القضاء الدولي، لا يمكن تقييد دخولهم إلى مناطق الدولة على خلفية انتماءاتهم القومية أو الإثنية، فقط. فقانون المواطنة يصطدم بأوامر القضاء الدولي بتبنّيه مبدأ "رعايا العدو"– enemy aliens or enemy race. وقد جرى تبني هذا المبدأ (العقيدة) خلال الحرب العالمية الثانية، من طرف بريطانيا والولايات المتحدة خصيصًا، حيث ينصّ المبدأ على أنّ بوسع شخص ما، في أوقات الطوارئ الدولية، أن يكون خطرًا على خلفية انتمائه إلى مجموعة قومية معينة، ليس إلا، ولذلك يمكن تقييد حقوقه الدستوريّة، والتي تشمل دخوله إلى حيّز دولة ما، على خلفية انتمائه القوميّ أو الإثنيّ. فمثلا، صنّفت بريطانيا الرعايا الألمان إلى ثلاثة أنواع، تتباين في مستوى الخطورة، بغية التصديق على تقييد حركتهم واعتقالهم والسيطرة على أملاكهم لغرض درّ الأرباح. وكذا الأمر مع الولايات المتحدة التي تبنّت مبدأ "رعايا العدو" ضد المواطنين الأمريكيين من أصل يابانيّ، نتيجة للعدائية التي سرت بين الولايات المتحدة وبين اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. وينعكس تجسيد اللجوء إلى هذا المبدأ في قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا (الأمريكية) هيرباياشا ضد الولايات المتحدة[7] الذي صودق فيه على استخدام رعايا العدو كمعيار للبتّ في مسألة الخطورة الأمنية. التسويغ الذي أوردته المحكمة العليا الأمريكية في هذه الحالة هو: وجود علاقة ما بين المواطن من أصل ياباني وبين دولته الأم أو مؤسّساتها أو أبنائها، يُحيل إلى الاستنتاج بأنّ ولاء هؤلاء المواطنين سيكون من نصيب دولة العدو. وبعد مرور فترة قصيرة على هذا، صدّقت المحكمة الأمريكية على قرار الحكم على اسم كورماتسو[8] الذي شَرْعَنَ قانونية اعتقال مواطنين أمريكيين من أصل ياباني، من منطلق اعتبارات أمنية وعسكرية، وهذا بناءً على مبدأ (عقيدة) "رعايا العدو".
في الواقع، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، جرى تغيير في المفاهيم الخاصّة بالقوانين الدولية، من مفاهيم ومدارك تستند إلى مبدأ سيادة الدولة إلى تلك التي يمكن من خلالها تقييد سيادة الدولة لصالح حقوق الإنسان. وحتى في الولايات المتحدة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدر نقد لاذع وشديد ضد سياسة الولايات المتحدة تجاه المواطنين من أصل يابانيّ، إلى درجة تشريع قانون في الكونغرس، في العام 1988، هو قانون (Civil Liberties Act 1988)، الذي اعترف من خلاله الكونغرس بالغبن الذي لحق بالمواطنين الأمريكيين من أصل ياباني، خلال الحرب العالمية الثانية، وشمل اعتذارًا علنيًا من المواطنين الأمريكيين من أصل ياباني على الغبن الذي لحق بهم. كما حذت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حذوَ المحكمة الأمريكية، وفي سنة 2005 أصدرت قرارًا في قضية Timishev v. Russia، بأنه لا يمكن تبرير التمييز المُوجّه ضد إنسان على أساس قومي وإثني، فقط. وفي هذه الحالة جرى تقييد حرية تنقل شخص شيشانيّ في روسيا بسبب انتمائه إلى مجموعة إثنية، ليس إلا، وفي أعقاب هذا سُلبت منه إقامته الدائمة.[9]
تلخيصًا، نقول إنّ قانون المواطنة مخالف لأوامر القضاء الدوليّ التي تنصّ على أنه لا يمكن التمييز ضد شخص بسبب انتمائه القومي أو الإثني، فقط. ولكن، والأهم من هذا، يثبت قانون المواطنة الخوف من أنّ التصديق على قانونية قانون المواطنة الذي صدّقت عليه المحكمة العليا في العام 2006، وعلى قانون المواطنة في العام 2007 في الكنيست، سيؤدّي إلى منزلق خطر في الطريق إلى المسّ الجارف بالحقوق الدستورية وباستمرارية المسّ بالمواطنين العرب، كما سيشكّل صكًّا أخلاقيًّا للتصديق على قوانين عنصرية أخرى ضد المواطنين العرب.
ومن الواضح للجميع أنّ قانون المواطنة لا يربطه رابط بالشؤون الأمنية. فهدفه وغايته ديمغرافيان. والخطاب الديمغرافي الآخذ في التنامي في قلب الحياة الإسرائيلية العامة، مُوجَّه ضد المواطنين العرب. وبحسب هذا المنظور، فإنّ مجرد وجود العرب، وليس أفعالهم، يشكّل –بحدّ ذاته- خطرًا وجوديًا. وتتجسّد سياسة الفصل الديمغرافي، أكثر ما تتجسّد، في إقامة جدار الفصل وسلب حرية التنقل من الفلسطينيين والسهولة غير المحتملة في إلغاء مواطنة وإقامة المواطنين العرب في إسرائيل.
قائمة المصادر:
ي. بن شيمش، "الحقوق الدستورية، الهجرة والديمغرافيا"، "مشباط فممشال"، المجلد ي، الجزء 1، تشرين الثاني 2006، الصفحة رقم 47.
ب. مدينة وأ. سبان، "حقوق الإنسان واتباع المخاطر: عن الديمقراطية، "الوَسْم الإثنيّ" ومعايير فحص فقرة التقييد (في أعقاب قرار حكم قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل)"، سيُنشر قريبًا.
Michael Kagan, "Destructive ambiguity, Enemy Nationals and the Legal Enabling of ethnic Conflict in the Middle East", Columbia Human Rights Law Review, Nov. 2005.
* محامية في عدالة - المركز القضائي لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل
[4] البند رقم 4 من الميثاق العالمي للحقوق المدينية والسياسية الصادر عام 1966؛ الميثاق الدولي لاجتثاث العنصرية والميثاق الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
[5] فيما يلي القرارات الثلاثة التي صُدّقت في لجنة الأمم المتحدة لاجتثاث العنصرية: القرار رقم 63(2)، القرار رقم 65(2) والقرار الصادر في يوم 7 آذار 2007.
[6] توجيه رقم 2 بتاريخ 11 تموز 2002 والتوجيه رقم 8 الذي تبنته الجهة المختصة في شؤون العنصرية التابعة للمجلس الأوروبي (ECRI).