الدستور الديمقراطي: أللاجئون ومبدأ العدل التصحيحي
إسرائيل ترفض التعامل مع مسألة مصادرة الأراضي العربية وتهجير قرانا في الخمسينيات وسلب أملاك اللاجئين.
د. ثابت أبو راس* | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد الرابع والثلاثين، اذار 2007
يعد "الدستور الديمقراطي" الذي وضعته عدالة قفزة نوعية في الخطاب القانوني للجماهير العربية في إسرائيل. إن تحدي الخطاب القانوني الإسرائيلي ودفعه إلى اعتماد المعايير والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان العالمية والقانون الدولي من شأنه مؤازرة خطابنا السياسي في مجال المطالبة بالمساواة القومية والمساواة المدنية.
"الدستور الديمقراطي" هو الامتداد القانوني "للتصور المستقبلي" والذي طرحته لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل. هاتان الوثيقتان ووثائق أخرى صدرت وستصدر قريباً، هم ضرورة موضوعية لاحتياجات العرب الحالية وتطورهم المستقبلي.
إسرائيل لا تستطيع الإدعاء بأنها جزء من المجتمع الدولي الديمقراطي والحر بدون تطبيق المعايير الدولية. "الدستور الديمقراطي" هو بمثابة تحدٍ وضعته عدالة أمام المؤسسة السياسية والقانونية في إسرائيل. تعتمد إسرائيل مبدأ المساواة كجزء من القيم الأساسية لإسرائيل لكنها لا تتصرف بموجب هذا المبدأ.
إن أحد مركبات أو أسس مبدأ المساواة هو تبني مبادئ العدل التوزيعي والعدل التصحيحي بين مواطني الدولة الواحدة. العدل ألتوزيعي يعني توزيع الموارد بدون تمييز بين المواطنين من أجل إغلاق الفجوات بين قطاعات مختلفة من السكان. أما العدل التصحيحي فيعني تصحيح الغبن التاريخي والذي يشمل بالأساس إرجاع أملاك وأراضي صودرت بأساليب تعسفية.
الدستور الديمقراطي لجنوب أفريقيا هو مثال جيد لتبني هذه المبادئ الذي جاء ليعالج الغبن التاريخي الذي لحق بالسكان الأصليين في عهد الأبرتهايد ومن ضمن ذلك مصادرة الأملاك والأراضي. ليس صدفةً، إذاً، أن بند رقم 2 في مقدمة الدستور الديمقراطي المقترح من قبل عدالة يتطرق الى التجربة التاريخية لجنوب أفريقيا كمَعْلَم، كما يلي:
وإثر إسدال الستار على الحرب العالمية الثانية ونتيجة لنضال الشعوب العادل وطويل الأمد ضد الأنظمة الاستعمارية، نجحت شعوب كثيرة في إنجاز استقلالها ونيل حقها في تقرير مصيرها. وفي السنوات الأخيرة تحّققت سيرورات تاريخية في دول سادت فيها سياسات القمع والتمييز. ويعتبر طي صفحة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا النموذج الأبرز لسيرورات من هذا القبيل. وقد استخلصت، في هذه الدول، عِبَر الماضي وتمّ دفع المصالحة التاريخية إلى ألأمام، وذلك على أساس الاعتراف بالغبن التاريخي الذي تسبّبت به هذه الدول للشعوب والأعراق المغبونة والمقموعة؛ ومن خلال مشاركة فعّالة لهذه المجموعات في عملية صنع المعايير الدستورية.
لذلك فإن الاعتماد على مبدأ العدل التصحيحي وعدم الاكتفاء بالعدل التوزيعي في دستور عدالة يشير بحد ذاته إلى خصوصية العرب في إسرائيل كمجموعة قومية لا تفصل بين واقعها اليومي وبين تاريخها كمجموعة تنتمي إلى شعب هجّر من وطنه.
لا يختلف اثنان أن قانون التنظيم والبناء الإسرائيلي والذي سنّ عام 1965 يمس بشكل خطير بمبدأ المساواة والذي حدّد بشكل واضح في القانون الدولي، كذلك فإن توزيع الموارد والميزانيات بما فيها الأرض والمياه يجب أن يعتمد على مبدأ العدل التوزيعي.
إن استمرار إسرائيل بالسيطرة على القسم الأكبر من مساحتها (أكثر من 93%) من خلال "دائرة أراضي إسرائيل" وبالتالي توزيع هذه الأراضي على مجموعه أثنية واحده، هم اليهود وإقصاء ألمجموعه الإثنية الأخرى – العرب، يقوّض أسس الديمقراطية الإسرائيلية المنقوصة سلفاً. كما أن إسرائيل ترفض لغاية اليوم التعامل مع مسألة مصادرة الأراضي العربية وتهجير قرانا في الخمسينيات وسلب أملاك اللاجئين، مما يحتّم علينا المطالبة بالعدل التصحيحي.
إن مبادئ العدل التوزيعي والعدل التصحيحي وحرية التملك هم أهم المبادئ الأساسية في "الدستور الديمقراطي" والذين وردوا في البنود 36 – 44 للدستور - وحسناً فعلت باقي المواثيق والتصورات العربية التي تبنت المبادئ. حيث ينص القانون الدولي على أهمية حقوق السكان الأصلانيين في الأرض وأهمية المحافظة على علاقتهم الروحية والمادية في الأرض والموارد الطبيعية وحق هؤلاء في تطوير هذه الأراضي والاعتراف بطرق ملكيتهم للأرض ، وأعرافهم وتقاليدهم وإرجاع ما صودر لهم.
في هذا الباب يركّز " الدستور الديمقراطي" على ضرورة إعادة الأملاك الشخصية والمهجرين والوقف الإسلامي التي تعتمد مبدأ العدل التصحيحي. وأبرز "الدستور" أهمية الملكية التقليدية للأرض من خلال المطالبة بالاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها.
لكن، باعتقادي أن البند 39 في الدستور والذي ينص على إعادة الأملاك الشخصية، هو في صميم العدل التصحيحي الذي ينادي به مركز عدالة. هذا البند ينص:
لكل شخص صودرت أرضه أو خُرقت حريته في التملك تعسفًا أو بسبب قوميته العربية وبواسطة القوانين التالية: أمر الأراضي (اقتناء لأغراض عامة) لسنة 1943 و/أو قانون اقتناء الأراضي (مصادقة معاملات وتعويض) لسنة 1953 و/أو قانون أملاك الغائبين لسنة 1950 و/أو المادة 22 لقانون التقادم لسنة 1958 و/أو المادة 125 من أوامر الدفاع (حالة طوارئ) لسنة 1945، له الحقّ في إعادة أملاكه وفي تعويضه على فترة سلب حريته في التملك.
وهذا البند الذي لا ينص أن: "لكل مواطن صودرت أرضه..." يوضح كلياً ماهية العدل التصحيحي الذي نطالب به، هذا العدل لا يختصر على المواطنين العرب في إسرائيل بل يتعداه ليشمل الاهتمام بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في أرضهم وأملاكهم أيضاً. كما أن في هذا البند رقم 39 جانب تثقيفي هام كونه يذكّر ويكتب جميع أسماء القوانين التعسفية التي وفقها صودرت أراضينا وسلبت أملاك اللاجئين.
إن العدل التصحيحي حسب "الدستور الديمقراطي "هو من أهم سمات المجتمعات الديمقراطية التي مارست في السابق سياسات مصادرة أراضي وأملاك بشكل تعسفي. لذلك من غير الممكن الحديث عن المساواة المدنية اليومية دون التطرق إلى المسائل التي تخص تصحيح سياسات الغبن التاريخي وعلى رأسها مسألة المهجرين والأملاك التي صودرت خاصة وفقاً لقانون أملاك الغائبين.