دستور بوفاق من وعلى حساب من؟
ثمة خطر كبير فيما يمكن للدستور المقترح أن يكرسه، بل و يفاقمه في مجال عدم المساواة الإقتصادية- الإجتماعية.
د. إيال غروس* | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد التاسع، كانون الثاني 2005
الوفاقات القومية في الموضة الآن. فالمعهد الاسرائيلي للديمقراطية يدفع إلى الأمام منذ مدة مشروع "دستور بالوفاق"، الذي جرى الترويج له قبل ذلك بأناشيد خاصة ولافتات شوارع. "منتدى المسؤولية القومية" وضع "ميثاق طبريا". البروفيسور روت غبيزون والحاخام يعقوب مدان نشرا "أساس لميثاق اجتماعي جديد بين الملتزمين بتأدية الفرائض الدينية وبين الأحرار في إسرائيل". لقد كتب الكثير، بحق، عن غياب العرب من "طبريا". ومن المستغرب كيف يمكن التطلع إلى طرح ميثاق جديد لاسرائيل، من غير شمل هذا الجمهور. لكن ليس العرب فقط غير ممثلين. أيضًا الجمهور المثلي الجنس غير ممثل بصورة بنيوية في "طبريا" وأيضًا في المجلس العام لـ "الدستور بالوفاق" للمعهد الاسرائيلي للديمقراطية. ويمكن أن تترتب على ذلك إسقاطات خطيرة على حقوق الانسان في إسرائيل. سيفحص هذا المقال كيف تشرش مسودة الدستور التي اقترحها المعهد الإسرائيلي للديموقراطية عدم المساواة الإقتصادي والإجتماعي، تهضم حقوق الأقلية العربية والنساء ومثلي ومثليات الجنس.
يمكن رؤية ذلك من خلال وثيقة غبيزون - مدان: فهما يقترحان أن يعتمد في إسرائيل زواج مدني يكون محدودًا بزواج بين رجل وامرأة فقط. في موازاة ذلك، وهو ما سيكون بمثابة "التنازل" العلماني مقابل هذا الانجاز، سيلغى بحسب الاقتراح "الاعتراف الجارف" بمؤسسة المعشوقين. "حقوق الذين يعيشون معًا ليس في إطار الزواج تسوى في اتفاقيات وتسويات خاصة حسب الحاجة". ومن الواضح أن الجمهور الذي سيمس على وجه الخصوص من هذا الاقتراح هو الجمهور المثلي الجنس. من جهة واحدة فان الوحيدين الذين لن يكون بمقدورهم الزواج هم الأزواج أبناء الجنس الواحد. ومن جهة أخرى سيفقد هؤلاء الحقوق القليلة التي حظوا بها حتى الآن بقوة الاعتراف الجزئي بهم كأصحاب حقوق عائدة للمعشوقين. لقد حظي الأزواج أبناء الجنس الواحد باعتراف بحقوقهم في ضوء حقيقة أن هناك في إسرائيل مؤسسة راسخة لحقوق أزواج غير متزوجين، هي مؤسسة المعشوقين. هكذا مثلاً فان قرار الحكم الصادر عن المحكمة المركزية في الناصرة الذي أقّر أخيرًا حقوق الوراثة لأزواج من الجنس نفسه استند إلى التسوية التي منحت حقوقًا كهذه للمعشوقين. وعندما تختفي هذه المؤسسة وتبقى "إتفاقيات وتسويات خاصة" فقط للأزواج من الجنس نفسه فإن وضعية الحقوق خاصتهم ستمس بقوة. ففي مقدورهم عقد الاتفاقيات الآن أيضًا، والمشكلة عمومًا هي عندما يتطلب الأمر إعترافًا من طرف ثالث (بين الدولة أو هيئة خاصة)، وفي سبيل ذلك لا تكفي الاتفاقيات فحسب. زد على ذلك أن حل الاتفاقيات يحمل هؤلاء الأزواج عبء تنظيم علاقاتهم، بما في ذلك العبء الإقتصادي، وهو عبء تم توفيره عن الآخرين. أما بالنسبة لـ"التسويات الخاصة" فما من ضمان بأن تكون تسويات متساوية. ومع كل الخطورة في إقتراح غبيزون- مدان، فإنه لا يتطلع لعكس عموم الجمهور الإسرائيلي.
وتتفاقم المشكلة في مشروع "دستور بالوفاق". فبينما ينوّه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بأن مجلسه العام يضم "أعضاء تمثيليين يعكسون، بقدر كبير، تركيبة المجتمع الإسرائيلي على ألوانه والتوترات القائمة فيه"، فإنه ليس فيه أي تمثيل بنيوي لممثلي جمهور مثليي ومثليات الجنس. ومن نافل القول إن لهذا الجمهور شأنًا في التسويات الدستورية المختلفة المقترحة في إسرائيل. هكذا، مثلا، فإن لهذا الجمهور شأنًا في الطريق التي ستصاغ بها تعليمات المساواة في الدستور العتيد، ومن الحيوي أن تشمل تعليمات المساواة حظر التمييز بسبب النزعة الجنسية. بالإضافة إلى ذلك ثمة شأن لهذا الجمهور في الطريق التي سيتبلور بها الإعتراف بالأزواج في إسرائيل، من منطلق طموحه بأن يحظى الأزواج من الجنس نفسه بكامل الحقوق المتساوية والمتكاملة، مثل الأزواج من الجنس المختلف. إن البحث في طريق بلورة هذه المواضيع في الدستور العتيد دون شمل زاوية نظر فئة مثليي ومثليات الجنس يعتوره النقص. وفي أعقاب توجه بهذا الموضوع إلى المعهد في شهر حزيران 2001 قيل إن "المجلس العام ليس هيئة تضم في عضويتها جميع ممثلي مركبات المجتمع الإسرائيلي، بصفتهم هذه". وهي مقولة لا تتماشى مع توصيف المجلس الذي اقتبسناه أعلاه والمبرز في الحملة الشعبية للمجلس. وتنعكس النتيجة في مسودة الدستور للمعهد، التي جرى توزيعها مؤخرًا، والتي لا يشمل بند حظر التمييز فيها حظرًا للتمييز على أساس النزعة الجنسية. وكما ذكرنا ففي "طبريا" ينعدم تمثيل كهذا، وبينما تتحدث الوثيقة عن مساواة في إسرائيل بغض النظر "عن الدين، الأصل والجنس" فإنها لا تذكر أيضًا المساواة على خلفية النزعة الجنسية. غياب تمثيل مثليي ومثليات الجنس في هذه المنتديات ليس من قبيل المصادفة، فبحسب ما تدل وثيقة غبيزون- مدان فإن محاولة الوصول إلى وفاق قومي يشمل وفاقًا علمانيًا- دينيًا حول مستقبل الدولة، يمكن أن تنفجر عندما يصل البحث إلى عدة مواضيع، وأحدها هو مساواة جمهور مثليي ومثليات الجنس. وخيار وثيقة غبيزون- مدان هو التضحية بحقوق هذا الجمهور في المساواة، باسم الوفاق. وهذا، في تقديري، هو السبب الذي يجعل المنتديات الأكثر سعة، التي تتطلع إلى تمثيل عموم الجمهور (أو عموم الجمهور اليهودي، كما في حالة "طبريا")، لا تشمل هذا التمثيل: الخشية من معارضة الجانب الديني هي بكل تأكيد عامل مركزي هنا. لكن في نهاية الأمر يمكن أن يجد العلمانيون في هذه المنتديات أنفسهم شركاء في التمييز ضد مثليي ومثليات الجنس، إذ أنهم يقصونهم من الإجراء باسم الرغبة في مراضاة العناصر الدينية. وفعلا، فإن جميع هذه المشاريع تضع الوفاق في رأس سلم أولوياتها. ونقطة إنطلاقهم ليس أن السياسة هي كفاح يومي ينطوي على عدم وفاق بشأن مواضيع كثيرة وأن الوفاق ليس الأمر الأكثر أهمية. وإذا لم تكن الحال كذلك، فمن الصعب فهم لماذا يكون المشتركون على إستعداد لإيثار الوفاق على الدفاع عن حقوق الإنسان، وفي مقدمة ذلك الدفاع عن قيمة المساواة.
هذه المشكلة ومشاكل أخرى إضافية تنعكس في مسودة إقتراح الدستور من قبل مشروع الـ"دستور بالوفاق" للمعهد الاسرائيلي للديمقراطية. وفي ضوء ما ذكر يثير الأسف، وإن كان ذلك ليس مفاجئًا، إكتشاف أن "الوفاق" الذي أحرزه المعهد جاء على حساب جماعات مختلفة من السكان، وأن من المشكوك فيه أن يكون من شأن الدستور الذي يقترحه تقديم المساعدة إلى الأقليات والجماعات المستضعفة في المجتمع الإسرائيلي.
وثمة خطر كبير في النطاق الذي يمكن للدستور المقترح أن يكرسه، بل وأن يفاقمه في مجال عدم المساواة الإقتصادية- الإجتماعية في إسرائيل. لا يقر الدستور أن لكل إنسان الحق في التملك- بصورة من شأنها أن تشمل حق كل إنسان في التملك الذي يتيح له العيش بكرامة. وبدل ذلك فإنه يقر حق كل إنسان في أملاكه،
ملفات متعلقة: