"عدالة" في التماس للعليا: إسرائيل تمنع أهالي غزة المشتكين ضد الجيش من دخول البلاد للمثول أمام المحكمة، ثم تشطب دعاواهم بحجة عدم المثول
احتجاجات ذوي المحدوديات الجسديّة في غزّة - رويترز
قدّم مركز عدالة التماسًا للمحكمة العليا في تاريخ 27.9.2012، ضد سياسات وزارة الدفاع ووزارة الداخلية التي تمنع سكّان غزة المتقدمين بدعاوى أضرار ضد قوى الأمن الإسرائيلية والشهود من طرفهم من دخول إسرائيل لإتمام الإجراءات القضائية اللازمة. على أثر تلك السياسات، تُشطب دعاوى كثيرة ويفرض على مقدّميها دفع تكاليف المحكمة كاملةً.
وطالب مركز "عدالة"، في الالتماس الذي قدمته المحاميّة فاطمة العجو، بالسماح للملتمسين ولكل من قدّم دعوى أضرار ضد قوى الأمن والشهود من طرفهم بالدخول إلى إسرائيل، وتحديد معايير واضحة ومكتوبة تنظّم دخول أهالي القطاع في مثل هذه الحالات.
قدم "عدالة" الالتماس باسم أربعة متضررين كانوا قد قدّموا دعاوى أضرار ضد إسرائيل، وشهود من قبلهم، ومحامين من سكّان القطاع، وجمعيّة الميزان لحقوق الإنسان في غزة، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، وأطباء لحقوق الإنسان (إسرائيل)، ضد وزير الأمن، ووزير الداخلية، رئيس مديرية التنسيق والارتباط، و14 شخصية أخرى من ذوي المناصب ذات الصلة.
وشددت المحامية العجو في الالتماس على أن المحكمة العليا في هيئة قضائية موسعة من تسعة قضاة، قررت في التماسٍ سابقٍ لمركز "عدالة" أن المتضررين من عمليات قوى الأمن لهم الحق في تقديم دعاوي أضرار في المحاكم الإسرائيلية. رغم ذلك، ومنذ صدور هذا القرار المبدئي، منعت السلطات الإسرائيلية المدّعين وشهودهم من دخول إسرائيل بقرارٍ جارفٍ يمنعهم من تقديم إفادات موقعة بحسب القانون، والمثول أمام الخبراء الإسرائيليين لفحوصات طبيّة، والمثول أمام المحكمة أثناء الجلسات، وإجراء الاستجوابات اللازمة معهم حول شهادتهم المركزية. كذلك، يُمنع المحامون الإسرائيليون أيضًا من دخول القطاع للقاء موكليهم. على أثر ذلك، تُشطب الدعاوى وتُرفض من قبل المحكمة.
أحد الملتمسين من سكّان غزّة هو السيّد ماهر إسماعيل أبو دقّة، الذي أصيب بعيار ناري أطلقة الجيش الإسرائيلي، إصابةً تحطمت على أثرها عظام ركبته. وقدّم أبو دقّة دعوى أضرار ضد قوى الأمن في المحكمة المركزية في القدس. وبعد أن حُدد موعد الجلسة، تقدم محاميه بطلب لتصريح دخول لموكّله والشهود من طرفه، كي يمثلوا أمام المحكمة، لكن طلبه قوبل برفضٍ جارفٍ رغم أوامر المحكمة التي طلبت مثوله ومثول الشهود في الجلسة. ورفضت المحكمة كذلك طلب المحامي من طرف السيد أبو دقة لإقامة الجلسة عند المعبر الحدودي بين غزّة وإسرائيل، أو عن طريق اتصال بالصوت والصورة (فيديو كونفرنس) أو أي وسيلة أخرى يمكن عن طريقها مواصلة الإجراء القانوني.
وقد شمل الالتماس أمثلة من عشرات الملفات، التي لا يزال جزء منها عالقًا في المحكمة منذ سنوات طويلة، وجزء آخر قُدّم مجددًا بعد أن تم شطبه في السابق. وتدل الأمثلة على أن الدولة تمارس منذ سنوات طويلة كل ما بوسعها لإفشال الدعاوى وإلغائها بواسطة منع دخول الشهود من قطاع غزّة. وفي أحد الملفات، صعّدت الدولة ممارساتها وسمحت لكل الشهود من طرفها بالدخول إلى إسرائيل لجلسة الإثباتات، بينما رفضت دخول أي من شهود الادعاء.
وشددت المحامية العجو في الالتماس على أن منع الدخول إلى إسرائيل ليس العائق الوحيد أمام سكان قطاع غزّة الذين يطالبون بالوصول إلى المحاكم لتقديم دعاوى الأضرار. وأن إسرائيل تُطالب الغزيين أيضًا بتقديم بلاغ مكتوب للسلطات خلال 60 يومًا من يوم وقوع الحدث، يعلنون فيها نيّتهم تقديم دعوى أضرار، وكذلك تقديم الدعوى خلال سنتين على الأكثر من يوم وقوع الحدث، ومن لا يستوفي هذه الشروط، يشطب ملف دعواه بحجّة التقادم؛ في حالات كثيرة، تعتبر هذه الطلبات تعجيزية لمن أصيبت أجسادهم بأضرار بالغة أو هُدمت بيوتهم، وهم بحاجة لسنوات من العلاج أو إعادة لبناء والتأهيل، حتى تتسنى لهم الفرصة للتفكير بإمكانية تقديم الدعوى.
علاوة على ذلك، فإن المبالغ المالية الباهظة التي تطلبها المحكمة ضمانًا في صندوق المحكمة قبل بداية الجلسات هي عقبة أخرى أمام الغزّيين. في حال تم رفض الدعاوى، يكون المدّعي ملزمًا بدفع تكاليف المحكمة. في دعوى عائلة السمّوني، على سبيل المثال، المتعلقة بمقتل عشرات المواطنين وإصابة عشرات آخرين، المبلغ الذي طلب من العائلة إيداعه في خزينة المحكمة قبل بداية المداولات القضائية وصل إلى أكثر من مليون شيكل.
وشدد "عدالة" في الالتماس على أن منع دخول المدعين الغزيين وشهودهم إلى داخل إسرائيل لإتمام الإجراءات القانونية، إنما هو مس بالحقوق الدستورية وبحق الحصول على علاج قانونيّ، والحق في الحياة وسلامة الجسد.
يذكر أنه ليس فقط القانون الإسرائيلي، إنما القانون الدولي والاتفاقيات والوثائق التي وقّعت عليه إسرائيل تضمن تعويض المتضررين والتكفل بالعلاج القانوني للمتضررين من عمليات القوى الأمنيّة. وقانون حقوق الإنسان يتضمن تعليمات واضحة حول واجب طرف من أطراف المواجهة المسلّحة بتعويض المتضررين نتيجة خرق تعليماته واحتساب الأضرار التي حلّت به أضرارًا يجب التعويض عليها. كذلك، تُناقض السياسات الإسرائيلية كل التصريحات التي تدلي بها الدولة في محافل دوليّة وفي إطار دعاوى سكان القطاع التي تتم في الخارج. بحسبها، فإن المحاكم الإسرائيلية، وليس الغربيّة، هي الإطار الملائم للعلاج القانوني الفعّال لسكان القطاع، وأن المصابين لهم الحق بتقديم دعاواهم في إسرائيل والحصول على تعويضات من الدولة.
المحكمة العُليا، 7042/12، أبو دقّة وآخرين ضد وزير الداخلية وآخرين. الملف لا يزال عالقًا.