ريتشل كوري: اتهام الضحيّة
لقد كانت عائلة ريتشيل كوري وطاقم المحاميين على درايةٍ مسبقة بأن معركة الكشف عن الحقيقة وتحصيل الحق في محكمة إسرائيلية هي معركة عسيرة. يوم الثلاثاء الماضي، رفض قاضي المحكمة المركزية في حيفا، عوديد غيرشون، الدعوى المدنية التي قدمتها العائلة. قرار المحكمة وتنكّرها للحق في مقتل ريتشيل كوري، هو جزء من إخفاق منهجي في مهمة تحميل الجيش مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان.
لقد كنت المدّعي باسم عائلة ريتشيل كوري ضد دولة إسرائيل على خلفية قتل الابنة، ناشطة سلام أمريكية مدافعة عن حقوق الإنسان، دخلت غزة بشكلٍ قانوني لتعيش إلى جانب عائلات فلسطينية من رفح، يهدد شبح الهدم بيوتها.
قرار المحكمة، رغم أنه لا يحمل أي مفاجآت، يشكل مثالاً إضافيًا لتصاعد الإعفاءات من العقاب، والذي يأتي على حساب المسؤولية والعدالة، قرار يقف أمام المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي الذي بحسبه، في حالة حرب، على الأطراف العسكرية أن تتخذ كل الوسائل لمنع المس بالمواطنين وأملاكهم.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تمنع فيها المحكمة ضحايا عمليات الجيش الإسرائيلي من تلقي التعويض الملائم؛ يمكنكم أن تسألوا الفلسطينيين الذين منعتهم العقبات القضائية، على امتداد عقود، حتى من الوصول إلى قاعة المحكمة.
آلاف الالتماسات القضائية الشرعية تُرفض اعتمادًا على نظرية قضائية مثيرة للجدل، والتي تبنّاها القاضي غيرشون، وبحسبها فإن الجنود معفيين من المسؤولية المدنية لانخراطهم بنشاط عسكري عمليّاتي في مناطق القتال. حالة ريتشيل كوري هي حالة خاصة بحيث أنها كانت الأولى من نوعها التي تم فيها قتل ناشط أجنبي أثناء الاحتجاج ضد الاحتلال، لكنها ليست الحالة الأخيرة؛ بعد أقل من ثلاث أسابيع من مقتل كوري، قُتل توم هرندل، ناشط سلام بريطاني، والذي أصيب برأسه برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي. بعد أقل من شهر، قُتل على يد الجيش الإسرائيلي المصور جيمس ميلر.
وافق القاضي غيرشون، عمليًا، على كل الادعاءات القضائية التي قدمتها الحكومة بقضية ريتشيل كوري، وتجاهل، أو شوّه الوقائع والحقائق الأساسية في توصّله لقراره. فقد استنتج، مثلا، أن رفح كانت منطقة عسكرية مغلقة كما أفادت قيادة المنطقة الجنوبيّة في الجيش (لم يكترث القاضي إلى أن هذه الأوامر لم تُعرض في المحكمة، وأنا قائد الوحدة في الميدان شهد بأنه لم يكن على علم بأن المنطقة مصنفة كمنطقة عسكرية مغلقة).
لهذا الاستنتاج تداعيات. عندما أدلى بينحاس (بينكي) شفارتس، الذي كان قائد المنطقة الجنوبية في قطاع غزة في العام 2003، بشهادته، صدّق على أن الأوامر في الوقت الذي قتلت به ريتشيلكوري كان "إطلاق النار بهدف قتل كل بالغ موجود على المحور (فيلاديلفي)". أو كما جاء في شهادة ضابط احتياط آخر بأنه "في منطقة حرب لا يوجد مواطنين". بقبول شهادة شفارتس والآخرين، وافق القاضي غرشون على أن تعليمات "إطلاق النار من أجل القتل" مقبولة، وهي موافق تخرق مبادئ القانون الإنساني الدولي، والذي بحسبه على الجنود أن يميزوا بين المقاتلين والمواطنين.
منذ البداية كنا على علم أن كشف الحقيقة وتحقيق العدالة سيؤدي إلى معركة عسيرة، ولكننا مقتنعون أن قرار المحكمة لا يشوه الحقائق والإثباتات المتينة التي عرضت في المحكمة فحسب، بل أنه أيضًا يناقض مبادئ الأساس للقانون الدولي المتعلق بالدفاع عن الناشطين من أجل حقوق الإنسان.
التنصل من تحقيق العدالة في قضية مقتل ريتشيل كوري تحوّل قرار المحكمة لجزء من الإخفاق المنهجي بتحميل الجيش الإسرائيلي مسؤولية المس بحقوق الإنسان، كما قال الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر: "قرار المحكمة يثبت بأن أجواء الإعفاء من العقاب، تسهّل على إسرائيل المس بالحقوق الإنسانية للفلسطينيين في المناطق المحتلة."
عائلة كوري وضّحت أن الهدف من الإدعاء أوسع بكثير من تلقي تعويضات على فقدان الابنة. بالنسبة للعائلة، الحديث يدور عن رغبة فهم الصورة الكاملة للذي حدث مع ريتشيل، وعرض الظلم الذي نشطت ضده ابنتهم ورفاقها في حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني. لقد قدّموا الدعوى بنصيحة من لورمس ويلكرسون، الرئيس السابق لمكتب وزير الخارجية كولين باول، الذي قال للعائلة في العام 2004 باسم وزارة الخارجية، بأن الولايات المتحدة ترى بأن التحقيق بمقتل ريتشيل كوري لم يكن تحقيقًا "جذريًا، صادقًا وشفّافًا"