الكلام وحده لا يكفي لصنع التغيير
في منتصف أيار 2012، نشرت الولايات المتحدة تقريرها السنوي في مجال حقوق الإنسان، كما نشر الاتحاد الأوروبي "تقرير التقدم" حول إسرائيل. ويوجه التقريران لإسرائيل انتقادات جوهرية تتعلق بوضع حقوق الفلسطينيين في إسرائيل. وقد أقرت وزارة الخارجية الأمريكية أن "التمييز المؤسساتي والاجتماعي "ضد العرب مواطني إسرائيل كانت واحدة من ثلاث مشاكل أساسية في مجال حقوق الإنسان في إسرائيل عام 2011". كما أقر الاتحاد الأوروبي أن "تقدم وضع الأقلية العربية كان محدودًا" هذه السنة أيضًا. ومع أن الاعتراف بالتمييز اللاحق بالمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل أمر يستحق الترحيب، لكن هذه الكلمات وحدها هي ليست ردًا كافيًا للتدهور السريع في وضع حقوق الفلسطينيين. ففي حين يعترف "أصدقاء إسرائيل" هؤلاء، ذوي التأثير الكبير، بالمظالم القائمة ويقولون الأمور الصحيحة عن تدهور حالة الفلسطينيين في إسرائيل، لا تكفي هذه الكلمات التي تطلق في تقارير سرعان ما تنسى، لتغيير الوضع.
قد يكون من المفاجئ الاكتشاف أن التقرير السنوي لوزارة الخارجة الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان في إسرائيل يتطرق منذ عشرة سنوات إلى "التمييز المؤسساتي، القضائي والاجتماعي" اللاحقة بالمواطنين العرب. في السنتين الأخيرتين يحتل التمييز ضد الموطنين الفلسطينيين مكانة مركزية في التقرير. وتذكر وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها أن هذه كانت "مشكلة مبدئية في مجال حقوق الإنسان" عام 2010 وواحدة من القضايا المبدئية الثلاث في هذا المجال عام 2011.
بالإضافة لذلك، فإن دعوة الاتحاد الأوروبي إسرائيل في شباط 2011، ولأول مرة، أن تكثف الجهود لمعالجة الوضع الاجتماعي للأقلية العربية، وزيادة اندماجه بالمجتمع الإسرائيلي والدفاع عن حقوقه" قد تبدو كأنها خبر جديد. كذلك تصريح الاتحاد الأوروبي في كانون أول 2011، أن مكانة الأقلية العربية في إسرائيل هي "مشكلة مركزية، وليست ملحق ثانوي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني". وكذلك إعلان الاتحاد الأوروبي في أواسط أيار 2012، ومن خلال تقرير عن إسرائيل الذي نشر في إطار سياسة الجوار الأوروبية، عن قلقه الكبير من الموجة المستمرة من "العدد غير المسبوق من اقتراحات القوانين التمييزية والعنصرية التي طرحت على طاولة الكنيست" وأن اقتراحات القوانين "تزيد من العداء في العلاقات مع الأقلية العربية".
الولايات المتحدة، كما الاتحاد الأوروبي أقروا بوجود فجوات اجتماعية-اقتصادية عميقة بين الموطنين العرب والمواطنين اليهود. وقد ذهب معدي التقرير الأميركيين أبعد من ذلك، واعترفوا بأن هذه الفجوات تنتج في الكثير من الأحيان عن تمييز غير مباشر، كاشتراط الحصول على امتيازات اجتماعية واقتصادية بالخدمة العسكرية، التي يعفى المواطنون العرب من أدائها.
يظهر في التقريرين قلق بخصوص التحديات القائمة أمام المواطنين العرب البدو في النقب في مجال حقوق الإنسان. الاتحاد الأوروبي يبدي اهتمامًا خاصًا بمخطط برافر الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية، والذي يهدف إلى اقتلاع عشرات آلاف العرب البدو من أراضي أجدادهم. وجاء في تقرير الاتحاد الأوروبي أن المخطط "حظي بانتقادات بسبب عدم التشاور مع ممثلي سكان في القرى البدوية غير المعترف بها – الذين سيكونون أكثر المتضررين من المخطط".
تحليل وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص التحديات التي تواجه المجتمع العربي البدوي لم يتغير تقريبًا خلال العشر سنوات الماضية. الإقرار أن السكان العرب البدو هم أكثر شريحة مهمشة في إسرائيل، تعود وتظهر في كل التقارير. وقد تطرقت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها هذه السنة إلى أحد الانتصارات القضائية التي حققها مركز عدالة عام 2011: المحكمة العليا أقرت حينها أنه يتوجب على محكمة شؤون المياه أن تسمح بحد أدنى من المنالية لمصادر المياه لسكان القرى غير المعترف بها. مع ذلك، ترفض محكمة المياه بشكل منهجي تطبيق هذا القرار، وربط القرى العربية البدوية بشبكة المياه.
وفي حال استمر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الكلمات وحدها في مواجهة السياسة الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب، ستتطرق التقارير الدولية التي ستصدر السنة القادمة في مثل هذه الأيام إلى موجة جديدة من القوانين التمييزية والعنصرية، وإلى استمرار المؤسسات الإسرائيلية في تجاهل قرارات المحكمة التي تخص حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وإلى استمرار التدهور في وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
تحولت العنصرية إلى أمر طبيعي في المجتمع الإسرائيلي، وهي تحظى بشرعية في أوساط سياسية. الطريق المفضل لدى المجتمع الدولي في مواجهة هذا الوضع، وهو "الكثير من الكلام والقليل من الأفعال"، من الممكن أن يشجع استمرار هذا الوضع المقلق، أو حتى أن يزيد من تفاقمه على أرض الواقع. إذا كان الهدف من كشف خروقات حقوق الإنسان هو الدفاع عن البشر وحمايتهم من المس بحقهم، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مضطرون لأسماع انتقاداتهم في أعلى المستويات في إسرائيل وعليهم اتخاذ مبادرات عملية بهدف تغيير سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين يشمل الأراضي المحتلة عام 1967.
إذا لم تقترن بالأفعال، تبقى الخطابات الحماسية عن حقوق الإنسان وعن المساواة، في أحسن الأحوال، كتقبل صامت للتمييز، الظلم وعدم المساواة. في أسوء الأحوال تعتبر هذه الخطابات وقودًا لاستمرار هذه السياسة غير العادلة. إذا علمت حكومة إسرائيل أن العالم سيكتفي بالتعبير عن عدم ارتياحه لمرأى انتهاك حقوق الإنسان، فإنها ستستمر عمليا بتنفيذ سياساتها ونشاطاتها الخطيرة ضج الأقلية الفلسطينية (ناهيك عن الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة). الديمقراطية واحترام حقوق إنسان لا يمكن أن يحدثان بالكلمات وحدها.
*نشر هذا المقال في النسخة الانجليزية من صحيفة هارتس يوم 1 حزيران 2012.