بعد أربعة أشهر من الاعتقال بحجة هتافات "محرّضة" في مظاهرة خرجت مندّدةً بالحرب على غزة: المحكمة العليا أفرجت بشروط مقيّدة عن المحامي أحمد خليفة

قررت المحكمة العليا، الليلة الماضية (الخميس 8.2)، إلغاء قرار المحكمة المركزية في حيفا في الاستئناف المقدم من النيابة، والذي تقرر فيه الإبقاء على المحامي أحمد خليفة خلف القضبان حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقه. تم اعتقال المحامي خليفة بتاريخ 19.10.2023 مع 11 شابًا آخرين خرجوا في مدينة أم الفحم ضد الحرب على غزة، في مظاهرة قمعتها الشرطة بعنف مفرط. وبعد ثلاثة أيام، تم إطلاق سراح جميع المعتقلين باستثناء المحامي خليفة والمعتقل محمد طاهر جبارين، اللذين قدمت بحقهما لائحة اتهام بتاريخ 6.11.2023 بتهمتي التحريض على الإرهاب والتماهي مع منظمة إرهابية، وذلك إثر هتافهما بشعاراتٍ عبر مكبرات الصوت التي رددها المتظاهرون من خلفهم

وبالتزامن مع تقديم لائحة الاتهام، تقدمت النيابة العامة بطلب الاعتقال حتى نهاية الإجراءات القانونية ضد خليفة وجبارين، الأمر الذي أمرت محكمة الصلح على إثره بتقديم تقرير ضابط سلوك في قضية المعتقلين. وعلى الرغم من أن التقرير أشار إلى أن المحامي خليفة أوضح أنه لا يدعم أي منظمة معرّفة كغير قانونية، إلا أنها قررت عدم التوصية بإطلاق سراحه على أساس أنه "يميل إلى الخطورة بناءً على آرائه الأيديولوجية -  لأنه ما زال يؤمن أن ما فعله لا يشكّل مخالفة قانونية".


 عُقدت خمس جلسات في محكمة الصلح بشأن طلب الاعتقال، حتى رفضت المحكمة أخيرًا بتاريخ 11.01.2024 توصية تقرير ضابط السلوك  التي لم توصِ ببديل للاعتقال الفعلي، وأمرت بإحالته إلى الحبس  المنزلي مكبّلًا بأغلال إلكترونية بالإضافة إلى عدة شروط مقيدة. وفي حيثياتها، أشارت محكمة الصلح إلى أن المحامي خليفة كان حتى الآن "ناشطًا اجتماعيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى في مدينته، ​​وكان عضوًا فاعلًا في محاولات الحد من العنف في المجتمع العربي، وعمل مع الفئات الشابة في المجتمع ولا يوجد لديه أي سجل جنائي يذكر"، وأضافت أنه "لا يوجد هناك تناغم بين توصية تقرير السلوك وفحواه الإيجابي". استأنف مكتب المدعي العام على هذا القرار أمام المحكمة المركزية، وتم قبوله في 15 كانون الأول\يناير 2024. وأفاد القرار أن هتافاته في المظاهرة ترقى حدّ المخالفة القانونية، مما يجعله "خطيرًا" بعدما نسبتها إلى دوافع أيديولوجية.

 

في 25 كانون الثاني\يناير 2024، قدم طاقم الدّفاع عن المحامي خليفة المكوّن من مركز "عدالة" ومكتب المحامية أفنان خليفة بدعم من صندوق المدافعين عن حقوق الإنسان، طلبًا لتحصيل إذن استئناف على قرار المحكمة المركزية. ويشير الطلب إلى أن توصية مراقب السلوك استندت إلى اعتبارات خارجية، لظروف لا تتعلق بالمدعى عليه وخارجة عن إرادته، وأن إصراره على براءته من التهم الموجهة ضده لا يشكل "جريمة آيديولوجية" تبرّر الخطر الذي تدعي أنه يشكّله.

 

خلال الجلسة التي جرت في المحكمة العليا يوم الأربعاء (7.2)، ادعى المدير العام لمركز "عدالة"، المحامي حسن جبارين، أن المحكمة المركزية استندت في قرارها إلى وجود حالة حرب، وليس إلى شخص المحامي خليفة، وأنه لا يوجد أساس للادعاءات التي تفيد بأنه لن يلتزم بشروط الحبس المنزلي التي حددتها محكمة الصلح. وذكر القاضي "عوفر غروسكوف" في قراره أنه على الرغم من الخطر الذي يمكن أن يشكله المشتبه بهم في جرائم التحريض بشكل عام، وخاصة في وقت الحرب، إلا أنه يجب فحص درجة خطورة المتهم الشخصية والأخذ بالحسبان ادعائه بأنه يعتقد أن أقواله تندرج تحت خانة حريّة التعبير، ولم يجد أي مبرر للانتهاك الخطير لحريته. وعليه، أمر القاضي "غروسكوف" بإلغاء قرار المحكمة المركزية، وإطلاق سراح المحامي خليفة لبديل كانت قد أقرته محكمة الصلح سابقًا.

 

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم تقديم أكثر من 100 لائحة اتهام لـ"مخالفات تعبير" بموجب القانون الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب، جميعها كانت، باستثناء لائحة الاتهام ضد خليفة وجبارين، على خلفية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي. وبحسب تقرير قدمته الشرطة الإسرائيلية إلى اللجنة الدستورية في الكنيست، فقد تم فتح 394 ملف تحقيق خلال هذه الفترة في هذه المخالفات. وعلى سبيل المقارنة، ففي السنوات الخمس  الماضية، ما بين 2018-2022، تم فتح 78 ملف تحقيق فقط في هذه الجرائم. وبحسب التقرير الذي قدمته النيابة العامة إلى اللجنة؛ فبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أمرت النيابة العامة بطلب الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحق جميع المشتبه بهم في مخالفات التعبير وفقًا لقانون "مكافحة الإرهاب"، حتى لو كان ذلك يعتمد على منشور واحد، طالما كان "جادًا" و"يرتبط بالأحداث ارتباطًا مباشرًا".

 

وبعد قرار المحكمة العليا قال د. حسن جبارين من مركز "عدالة":

"إن موجة الاعتقالات غير المسبوقة المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هي جزء من هجوم شامل تشنه سلطات إنفاذ القانون بهدف القمع السياسي للمواطنين العرب الفلسطينيين، وذلك في محاولة لثنيهم عن التعبير عن معارضتهم لجرائم إسرائيل ضد شعبنا في غزة. وتهدف قرارات التوقيف حتى نهاية الإجراءات في هذه القضايا إلى تحقيق سياسة ردع، وتشكل عقوبة قبل المحاكمة. وفي هذه العشرات من القضايا، لا ينكر المتهمون أقوالهم، بل ينكرون مسؤوليتهم الجنائية عنها، وهذا في حد ذاته لا يشكل مبرراً قانونياً لحرمانهم من حريتهم".