حملات قمع ممنهجة لحرية التعبير في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل
منذ يوم السبت، السابع من أكتوبر 2023، حين شنت إسرائيل هجومًا انتقاميًّا شاملًا على الشعب الفلسطيني في غزة، في أعقاب الهجوم القاسي وغير المسبوق الذي قام به مسلحون فلسطينيون ضد إسرائيليين. يتعرض المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل إلى جانب إسرائيليّين يهود الذين يعارضون جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، إلى حملة قمع شعواء على حرية التعبير. يُعتبر هذا القمع نتاجًا لجهود واسعة النطاق ومنسقة بين المكاتب الحكومية والمؤسسات الإسرائيلية والجماعات اليمينية المتطرفة، تستهدف جميعها الفلسطينيين في إسرائيل وغيرهم ممن يعبِّرون عن دعمهم وتضامنهم مع فلسطينيّي غزة.
تسلّط هذه الورقة الضوء على الطرق والأساليب المختلفة للقمع والاضطهاد السياسيّ التي يتعرض لها راهنًا المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل. وتشتمل هذه الأساليب على استهداف الطلاب الفلسطينيين في جامعات ومؤسسات أكاديمية إسرائيلية، وإيقاف مواطنين فلسطينيين عن العمل وطردهم من وظائفهم، وكذلك حملة اعتقالات غير قانونية واسعة النطاق عقب تتبّع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحظر الشرطة للاحتجاجات المناصرة لغزة، وقمع حرية المحامين الفلسطينيين في التعبير، والتحريض ضد ممثلي الأحزاب السياسية العربية الفلسطينية، بما في ذلك معاقبة عضو كنيست من الكنيست الإسرائيلي بسبب تصريحاته. تشكل هذه الإجراءات مجتمعة حملة قمع شديدة ضد حق المواطنين الفلسطينيين في التعبير الحر عن الرأي، وتشكل ملاحقة سياسية جماعية لهم.
1. سياسة الجامعات والكليات الإسرائيلية في إيقاف طلبة فلسطينيين عن الدراسة وطردهم
منذ 7 أكتوبر 2023، تلقى مركز عدالة أكثر من 104 بلاغًا عن شكاوى مقدمة ضد طلاب فلسطينيين في مؤسسات أكاديمية إسرائيلية بسبب مضامين نشرت على منصات التواصل الاجتماعي. كانت هناك عشرات الحالات التي اتخذت فيها جامعات وكليات إسرائيلية إجراءات تأديبية ضدهم، وقامت بإيقافهم عن الدراسة، بل وطردهم في بعض الحالات، وذلك لمجرد منشورات في حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتزعم المؤسسات الأكاديمية أن المنشورات المذكورة تنتهك أنظمتها التأديبية إما من خلال "دعم الإرهاب" وإما من خلال "التعاطف مع منظمات إرهابية". اعتبارًا من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، يتابع عدالة 104 حالة ويمثل بشكل مباشر 89 طالبًا في 27 جامعة وكلية إسرائيلية ويعمل عدالة على إبطال الإجراءات التأديبية المتخذة بحقّهم.
في معظم هذه الحالات، قام الطلاب بالتعبير عن تماثلهم مع الأهل في غزة أو اقتبسوا آيات قرآنية، وهي أفعال تقع ضمن نطاق حرية التعبير والدين. جاءت هذه الإجراءات التعسّفيّة استجابة للشكاوى الواردة من مجموعات طلابية سياسية يمينية متطرفة استهدفت الطلاب الفلسطينيين في مؤسساتهم الأكاديمية وقامت بمراقبة حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ورصدها.
ساند وزير التعليم، يوآف كيش، علنًا، هذه الإجراءات التأديبية. وأصدر خطابًا ذكر فيه أنه يجب على الجامعات والكليات اعتماد "الإيقاف الفوري لأي طالب أو موظف يدعم الأعمال الإرهابية الهمجية التي تشهدها دولة إسرائيل حاليًّا"، وأنه "في الحالات التي يوجد فيها تحريض بالفعل، فعليكم أن تصدروا أمرًا بالطرد الدائم".
بدوره، أصدر رئيس الاتحاد العام للطلبة في إسرائيل بيانًا ردًّا على بيان صادر من مجموعة "الأكاديمية من أجل المساواة"، جاء فيه أنه "منذ بداية الحرب، كنا وما زلنا نشهد عشرات المشارَكات والتعقيبات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعم الإرهاب بشكل قوي وتحرض عليه. لن نتوقف حتى يتم طرد هؤلاء الطلاب من الأكاديميا فورًا... وفي هذه اللحظة التاريخيّة المفصليّة، أود أن أشيد بالدول الغربية مثل ألمانيا وفرنسا التي منعت رفع الأعلام الفلسطينية وسأعمل على ضمان تبني هذه السياسة أيضًا في إسرائيل".
كذلك، أصدر العديد من المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بيانات رسمية أعلنت فيها أنها لن يكون هناك أي نوع من التسامح لـ"دعم الإرهاب"، وشرعت في إيقاف طلاب عن الدراسة وطرد آخرين بطريقة تستهدف الطلاب الفلسطينيين الذين تعبّر منشوراتهم عن هويتهم الفلسطينية أو عن تماثلهم مع فلسطينيّي غزة.
2. ملاحقة العمال الفلسطينيّين مواطني دولة إسرائيل: الفصل من العمل، تجميد الوظائف، أو خفض الرُّتَب
تلقت عدالة والعديد من منظمات المجتمع المدني بلاغات من موظفين وعاملين فلسطينيين مواطني إسرائيل الذين تم إيقافهم عن العمل أو إنهاء خدمتهم في أماكن عملهم، وذلك بسبب نصوص نشروها في مواقع التواصل الاجتماعي أو بسبب تصريحات أخرى. وصلت مكاتب عدالة أكثر من 50 رسالة بهذا الصدد من عاملين وموظفين فلسطينيين ممن تم طردهم من العمل أو تجميد وظائفهم في مختلف القطاعات، يشمل ذلك أماكن البيع بالتجزئة والمستشفيات والهايتك، والشركات الخاصة وغير ذلك؛ على سبيل المثال، أعلن مستشفى هشارون في 18 تشرين الأول/أكتوبر عن قراره بإقالة د. عبد سمارة من منصبه كرئيس قسم العناية المكثف للقلب، وذلك فقط على ضوء منشورات فيسبوك قام د. سمارة من خلالها، كما يزعم المستشفى، "بالإشادة بغزو حماس لإسرائيل". ليست منشورات فيسبوك المذكورة سوى صورته التعريفية التي تتصدر صفحته على منصة الفيسبوك (من العام 2022) وتظهر فيها راية الإسلام الخضراء - علمٌ أخضر يحتوي على الشهادة القرآنية الإيمانية "أشهد أن لا إله إلا الله" – ومنشور آخر لآية قرآنية. ويزعم المستشفى أنّ الراية هي علم حماس. هذا وسارع وزير الصحة بدوره ونشر بأنّ الطبيب حمّل أعلام حماس في إطار بياناته الشخصية في الفيسبوك، مكررًا سياسته وسياسة المستشفى التي تعتمد سياسة "عدم التسامح مطلقًا مع داعمي الإرهاب في النظام الصحي”.
في 11 أكتوبر 2023، أصدرت مفوضية الخدمات المدنية الإسرائيلية مرسومًا وجّهته إلى جميع الهيئات الحكومية والرسمية ومديري المستشفيات العامة، أشار فيه إلى أنها لاحظت تصريحات تدعم الإرهاب وتعبّر عن آراء معادية لدولة إسرائيل. صرّحت المفوضية أنه في حال واجهت أيٌّ من الجهات المذكورة أعلاه مثل هذه التعبيرات الصادرة عن عاملين فيها، فعليها تبليغ المفوضية بالأمر والحصول على تعليمات بشأن الخطوات المناسبة التي ينبغي اتخاذها ضد هؤلاء الموظفين بما في ذلك الإيقاف الفوري عن العمل. كما أشارت الهيئة إلى أن “موظفي الدولة يخضعون لمختلف الإجراءات والتقييدات على حريتهم في التعبير"، والتي تمتد "إلى الحيّز الخاص ووسائل التواصل الاجتماعي". تشجع هذه الرسالة بشكل أساس هيئات الدولة على مراقبة الحسابات الخاصّة لموظفيها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، واتخاذ إجراءات تمييزية ضدهم.
3. حملة اعتقالات غير قانونية
وفقًا للمعطيات الرسمية الصادرة عن الشرطة الإسرائيلية، تمّ منذ إعلان حالة الحرب وحتى يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول اعتقال 63 فلسطينيًّا في منطقة القدس وحدها، بتهم "التحريض" و"دعم الإرهاب"، وذلك بناءً على منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي في المقام الأول. على مستوى الدولة، يتجاوز عدد المعتقلين 100 شخص، كما تشير المعطيات الرسمية الصادرة عن مكتب المدعي العام الإسرائيلي التي نُشرت في 15 أكتوبر/تشرين الأول. وثق مركز عدالة ما لا يقل عن 80 اعتقالًا على خلفية منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، و17 اعتقالًا خلال المظاهرات، وهذا لا يشمل الاعتقالات التي تمت في القدس المحتلة وضواحيها. جرى تنفيذ العديد من هذه الاعتقالات باستخدام القوة المفرطة في منتصف الليل وبشكل غير قانوني. في معظم الحالات، استندت هذه الاعتقالات فقط إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يحتوِ بعضها إلا على عبارات تضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، أو حتى مشاركة آيات قرآنية.
وفقاً للناطق باسم الشرطة الإسرائيلية، فإن فريق عمل بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي تمّ تشكيله في شباط/فبراير 2023 بهدف مكافحة التحريض على الإرهاب على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بحث في 180 حالة تتعلق بما يزعم أنه تحريض. وفي 93 من هذه الحالات، صادق مكتب المدعي العام للدولة على بدء تحقيقات جنائية، وتم اعتقال 63 شخصًا. وذكر المتحدث باسم الشرطة هذه الإحصائيات في مقابلة إذاعية أدلى خلالها بتصريحات تحريضية ضد المواطنين الفلسطينيين، على سبيل المثال، “كل من يتجرأ وتسوّل له نفسه تقديم طلب تصريح لتنظيم مظاهرة دعمًا لغزة… سنصل إلى المكان ولن نسمح له بالقيام بذلك، ومن يجرؤ على الاحتجاج دون تصريح – سنصل إلى المظاهرة وسنتعامل معها بكل الوسائل… وكل من يجرؤ على التصريح والنطق ولو بكلمة واحدة تشيد بغزة سيجد نفسه وراء القضبان".
من ضمن التصريحات الأخرى الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين والتي تطالب باعتقال المواطنين الفلسطينيين وملاحقتهم قضائيًّا، برز تصريح عضو الكنيست رافيطال جوتليف بأن "العرب الإسرائيليين الذين يعبّرون علنًا عن دعمهم لمنظمة إرهابية وحشية وقاتلة مثلهم، ويساعدون العدو في أوقات الحرب، فإن عقوبتهم هي: "السجن المؤبد مدى الحياة - هذا هو القانون. ولن أنسى بعد الحرب".
تشير هذه الاعتقالات، إلى جانب التصريحات التحريضية التي أدلى بها أعضاء الكنيست والمتحدث باسم الشرطة، إلى أن هناك جهودًا متظافرة للملاحقة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل. تُظهر هذه الأعمال النوايا الواضحة لتنفيذ السياسات القمعية لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي سبق وصرح عن مواقفه العنصرية.
في ذات الوقت الذي يواجه فيه المواطنون الفلسطينيون حملة قمع شديدة لحرية التعبير، تدعو العديد من الجماعات اليمينية المتطرفة عبر الإنترنت صراحةً إلى القيام بأعمال عنفٍ ضد هؤلاء الفلسطينيين، وتحظى دعواتهم بدعم واسع عبر العديد من المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي. من بين هذه المجموعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة مجموعة "صيادو النازيين" على منصة التلغرام، والتي تنشر أسماء عشرات الفلسطينيين وتدعو إلى قتلهم.
4. حظر الشرطة للاحتجاجات التضامنية
في تاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشرت الشرطة الإسرائيلية في حسابها الرسمي بالعربية على TikTok مقطع فيديو يظهر فيه المفتّش العام للشرطة يعقوب شبتاي، يُدلي فيه بعدد من التصريحات العنصرية والتحريضية، ويصدر توجيهًا غير قانونيٍّ برفض جميع الطلبات لتنظيم مظاهرات مناصرة للشعب الفلسطيني في غزة. ومن الجدير بالذكر أن شبتاي شدّد على أن "أي شخص يريد التماهي مع غزة فمرحّب به، وسوف أضعه الآن على متن الحافلات المتجهة إلى هناك وسأساعده في الوصول إلى هناك [إلى غزة]". إن الحظر الذي فرضه المفوض العام للشرطة على الاحتجاج هو إجراء غير قانوني وينتهك بشكل سافر الحقوق الدستورية للمواطنين الفلسطينيين في حرية التعبير والحق في التجمهر، كما أن قائد الشرطة يفتقر إلى السلطة القانونية لإصدار مثل هذا الأمر الشامل والتعسفي لحظر المظاهرات.
تسعى هذه المواقف إلى نزع الشرعيّة عن أي احتجاج تضامنيّة مع أهل غزة، ويمكن استخدامها لتبرير استخدام وسائل غير قانونية وخطيرة لتفريق الاحتجاجات. بل إنها تزيد من مخاطر تعامل الشرطة الوحشي مع المتظاهرين، مما قد يؤدي إلى إصابات خطيرة وحتى خسائر في الأرواح. ويسعى "عدالة" حاليًّا إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد هذه السياسة.
في اليوم التالي (18 أكتوبر 2023)، نُفّذَت توجيهات المفتّش العامّ للشرطة خلال مظاهرة في حيفا ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة؛ قبل ساعات من التظاهرة الاحتجاجية المخطط لها، أصدرت الشرطة بيانًا لوسائل الإعلام مفاده أن المظاهرة لم تحصل على تصريح، وأن الشرطة "لن تسمح بأية مظاهرة للدعم أو التماهي مع منظمة حماس الإرهابية، أو في مسائل تتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية، وأنها سوف تعتمد سياسة القبضة الحديدية لتفريق المظاهرة، بما في ذلك استخدام إجراءات التفريق المتظاهرين حسب الحاجة". وفق ذلك، وقبل الموعد المقرر لبدء الاحتجاج، وصل العشرات من رجال الشرطة إلى المكان المحدد، وأعلنوا أن الاحتجاج غير قانوني واستخدموا القوة المفرطة لاعتقال خمسة متظاهرين ممّن رفضوا مغادرة الموقع. وفي مركز الشرطة، تمّ إبلاغ المحامين والمحاميات من مركز عدالة أنه سيتم احتجاز المعتقلين طوال الليل بناءً على أوامر مباشرة من المفتّش العام. وفّر "عدالة" التمثيل القانوني لثلاثة من هؤلاء المتظاهرين، وأمرت محكمة الصلح في حيفا بإطلاق سراحهم في اليوم التالي.
في تاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرض سكان من مدينة أم الفحم لاقتحام من قبل الشرطة خلال احتجاج ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، وفرقت الشرطة الاحتجاج بوحشية، باستخدام الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، حسبما ورد، واعتقلت 12 متظاهرًا. وطلبت الشرطة من المحكمة تمديد اعتقال 11 متظاهرًا، من بينهم أربعة قاصرين، وهو الطلب الذي وافقت عليه محكمة الصلح في حيفا ومن دون عقد جلسة استماع. وقد قدم مركز عدالة استئنافًا إلى المحكمة المركزية في حيفا، رفضته المحكمة؛ كما تم رفض طلب الاستئناف أمام المحكمة العليا. وسَعَت الدولة إلى وضع القاصرين تحت الإقامة الجبرية وتمديد فترة التوقيف لجميع الآخرين. وفي اليوم التالي، عقدت محكمة الصلح في حيفا جلسة استماع، وتم إطلاق سراح تسعة متظاهرين بشروط مقيّدة، بينما بقيَ اثنان رهن الاعتقال. وأشاد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بالشرطة على هذه الاعتقالات، قائلاً: “تمّت مجابهة عدد من المتظاهرين في أم الفحم الذين حاولوا التظاهر الليلة بالاعتقالات وبالحزم وبالصرامة من جانب رجال الشرطة."
5. قمع حرية التعبير للمحامين الفلسطينيين
في 12 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت نقابة المحامين الإسرائيلية رسالة بالبريد الإلكتروني إلى جميع المحامين المسجلين في النقابة، ذكرت فيها أن "اللجنة التأديبية القطرية" لن تتسامح مطلقًا، وستتخذ إجراءات قانونية ضد أي محام ينشر محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي يُمكن اعتباره "تحريضًا على العنف". ومن الواضح أن رسالة التهديد هذه تهدف إلى زرع الخوف وردع المحامين الفلسطينيين وغيرهم من التعبير عن معارضتهم للعدوان الإسرائيلي على غزة. وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول، أدلى نائب رئيس النقابة ببيان علني على حسابه الرسمي على موقع فيسبوك يفيد بأن اللجنة التأديبية قدمت إلى وزير القضاء نَصَّ أنظمة طوارئ جديدة، وتمنح هذه الأنظمة اللجنة التأديبية صلاحية الإيقاف الفوري عن مزاولة المهنة وذلك للمحامين المشتبهين بـ"دعم للإرهاب".
6. التحريض على أعضاء الكنيست وممثلي الأحزاب السياسية العربية
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تصاعدت وتيرة التحريض ضد أعضاء الكنيست الذين يمثلون أحزاب سياسية فلسطينية، بما في ذلك تصريحات مسؤولين حكوميين. أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير علنًا عن خطته لتقديم اقتراح قانون، بموجب تعديل عام 2016 لقانون أساس: الكنيست، الذي يهدف إلى طرد أعضاء الكنيست "الذين يدعمون الإرهاب ويتعاطفون مع إرهابيي حماس الذين ذبحوا إخوتنا وأخواتنا"، ودعا جميع أعضاء الكنيست الإسرائيلي إلى “الانضمام إلينا ودعم طرد هؤلاء الداعمين للإرهاب من البرلمان الإسرائيلي". بالإضافة إلى ذلك، ساهمت شخصيات إعلامية رئيسية في هذا الخطاب التحريضي، بما في ذلك الصحفي الإسرائيلي البارز بن كاسبيت، الذي قال: “بعد أن ننتهي من التعامل مع حماس، يجب علينا التأكد من أن أفرادًا مثل هؤلاء [في إشارة إلى عضو الكنيست الفلسطينية عايدة توما سليمان] ونظرائها (على سبيل المثال، عوفر كاسيف البغيض) لن يعودوا إلى الكنيست الإسرائيلي".
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول، صوتت اللجنة التأديبية في الكنيست على تعليق مزاولة النائب عن الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة عوفر كسيف عمله كعضو في الكنيست لمدة 45 يومًا وتغريمه براتب نصف شهر. وجاء قرار اللجنة في أعقاب ما يقارب 400 شكوى قدمها مواطنون من اليمين المتطرف والنائب عن حزب اليمين المتطرف "القوة اليهودية" ألموغ كوهين، وعضو الكنيست من الليكود نسيم فاتوري، الذي دعا إلى "محو غزة" و"عدم ترك طفل واحد هناك."
وبحسب القرار، فإن تعليق عمل النائب كسيف جاء نتيجة لعدة تصريحات أدلى بها، وعلى وجه التحديد، تصريحه خلال مقابلة أجريت معه في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث "ربط كسيف بين سياسات الحكومة التي توجه الحرب والخطة التي نشرها الوزير سموتريتش في عام 2017، وأشار إليها على أنها "الحل النهائي" للمشكلة الفلسطينية". وأشارت اللجنة إلى أن استخدام عبارة 'الحل النهائي'، "المستوحاة من المحرقة النازية ضد دولة إسرائيل، في مقابلة علَنيّة مع وسائل الإعلام الأجنبية، لا يليق بمكانة عضو كنيست”.
7. استنتاجات
إن الاعتداءات الحالية على حرية المواطنين الفلسطينيين في التعبير ليست ظاهرة جديدة؛ منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، تعرض المواطنين الفلسطينيّين للاضطهاد السياسي ولحملات نزع الشرعية المتجذرة في رؤية الدولة لجميع الفلسطينيين كأعداء. إن حملة القمع الحالية ضد الخطاب السياسي، والتي بدأت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، هي استمرار مباشر لهبّة الكرامة والأحداث الدموية التي وقعت في مايو/أيار 2021، والتي قامت الشرطة أثناءها وبعدها بتفريق الاحتجاجات السلمية بعنف دون مبرر قانوني، ونفذت اعتقالات جماعية، وقمعت حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي. في ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما وصلت الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية إلى السلطة، حيث التزمت، من خلال اتفاقاتها الائتلافية، بإدخال تدابير تهدف إلى نزع الشرعية عن الهوية الفلسطينية وحظر الفعاليات السياسية المشروعة، مما يزيد من تقييد حرية الفلسطينيين مواطني الدولة في التعبير عن الرأي.
إن الحملة الصارمة على المواطنين الفلسطينيين هي أيضًا نتيجة مباشرة لحملة واسعة النطاق من التحريض وخطاب الكراهية ونزع الشرعية عنهم داخل المجتمع الإسرائيلي، التي تشمل المؤسسات الحكومية والمسؤولين ووسائل الإعلام والمنظمات اليمينية والشركات الخاصة. يتصدر الحملة وزير الأمن القومي بن غفير، الذي أصدر تعليماته للشرطة بالتحضير لـ"حارس الأسوار" الثاني، وهي التسمية التي أطلقتها إسرائيل على هبّة الكرامة والاعتداءات الدموية التي وقعت في أيار/مايو 2021. إن الخطاب العنصري الصريح ضد الفلسطينيين، لا يدع مجالًا للشك في أن الاستعدادات التي يشير إليها ستشمل قمعًا سافرًا لحرية التعبير والاستعداد مرة أخرى لاستخدام إجراءات متطرفة وعنيفة لقمع المواطنين الفلسطينيين. ويتم بالفعل اتباع هذه التعليمات من قبل مسؤولي الشرطة، بما في ذلك المفتش العام، الذي حظر جميع الاحتجاجات التضامنية، كما ذُكر أعلاه. تشكل مجموعة التدابير والأدوات المذكورة أعلاه قمعًا سياسيًا وملاحقة سياسية للفلسطينيين في إسرائيل على أساس انتمائهم القومي.