خطاب القاضية آيالا بروكاتشا في حفل توزيع جائزة هيرمان شفارتس لحقوق لحقوق الانسان
آيالا بروكاتشا
كانون أول 2011
حفل منح الجوائز للمحاميين حسن جبارين ودان يكير
-
إن حفل منح جوائز صندوق إسرائيل الجديد للمحامي حسن جبارين والمحامي دان يكير هو أولاً يوم عيد للفائزين بالجوائز، اللذين يمثلان في رؤيتهما والتزامهما وعطائهما الشخصي والمهني النشاط من أجل حقوق الإنسان في معناه الأوضح والأكثر جذرية. وهذا هو بالطبع يوم عيد لمنظمات حقوق الإنسان التي تكرّس نشاطها ومواردها من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وتطوير هذه الحقوق. وهو يوم عيد صندوق إسرائيل الجديد الذي رأى أنه من المناسب منح آيات التكريم والعرفان للفائزين، معربًا بذلك ليس عن مشاعره فحسب، بل عن الإحساس بالتقدير لدى جميع أنصار حقوق الإنسان جميعًا، لمساهمة هاتين الشخصيتين الفريدة ضمن منظمتيهما، وترسيخ وتطوير حقوق الإنسان في إسرائيل. هذا يوم هام للديمقراطية الإسرائيلية ولمنظومة حقوق الإنسان الراسخة في المبادئ الأساسية التي تقوم عليها.
-
حقوق الإنسان مركب أساسي موطّد في الديمقراطية الدستورية في إسرائيل، وبدون هذه الحقوق لن تقوم ديمقراطية حقيقية. ومن خلال تخصيص مكانة قانونية عليا لحقوق الإنسان تدافع الديمقراطية عن الفرد وعن الأقلية، وعن الضعيف والمميز ضدّه والغريب أمام جبروت الأغلبية المؤذي. المكانة الدستورية العليا لحقوق الإنسان في النظام الدستوري في إسرائيل تلزم باحترام هذه الحقوق وتطبيقها، حتى لو كانت حماية هذه الحقوق نسبية وليست مطلقة، آخذين في الحسبان حقوق الإنسان والمصالح العامة المتعارضة الجديرة هي الأخرى بالاعتبار.
-
منظمات حقوق الإنسان – وبضمنها مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن – هي الخادم الأمين لمنظومة حقوق الإنسان في إسرائيل. فهي تعمل في مجال مختلف الحقوق بهدف معالجة الاعتداء على حقوق الإنسان الشخصية والجماعية، والإصرار على احترام الحقوق السياسية والمدنية، وتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والدفاع عن حقوق المشبوهين والمتهمين والموقوفين والسجناء في جميع مراحل الإجراء الجنائي وإجراء العقوبات.
-
يعمل مركز عدالة منذ نحو 15 عامًا في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين العرب في إسرائيل وحقوق الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967. ويعمل المركز بقيادة المحامي جبارين وبإيحاء منه، في الدفاع عن الأقلية العربية في مجال المجموعة الكاملة لحقوق الإنسان، وفي مسارات نشاطات متنوعة ومن ضمنها المبادرة إلى اتخاذ إجراءات أمام السلطات الحكومية ولدى المحاكم، وذلك إلى جانب النشاط الجماهيري المتشعب. وتعنى التماسات عدالة المقدمة إلى المحكمة العليا بتشكيلة واسعة من حقوق الإنسان ذات الصلة بالجمهور العربي، ومن ضمنها المساواة في تخصيص الموارد العامة وحرية التعبير والحريات السياسية والحق في تكوين أسرة والمكانة الرسمية للغة العربية وحرية الديانة والعبادة والحقوق الاجتماعية العديدة. وفي أعقاب الالتماسات التي قدمتها عدالة أصدرت المحكمة العليا عددًا هامًا من القرارات القضائية الأساسية ذات الصلة بمواضيع حقوق الإنسان. ويمتاز عمل مركز عدالة بقيادة المحامي جبارين بالالتزام والإصرار والمستوى المهني والحضاري العالي. هذا المركز يعمل من أجل تطوير حقوق الإنسان من خلال القضاء والقانون وليس من خارجهما، بقوة فكرية بارزة والتزام أخلاقي كبير، ومن خلال نظرة واسعة للمجتمع الإسرائيلي كله ولجميع أطيافه. هذه المميزات الخاصة أكسبت مركز عدالة مكانة بارزة على خارطة منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل.
-
تعمل جمعية حقوق المواطن منذ سنوات طويلة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل في المفهوم الأوسع. وهي تواظب وتثابر في الدفاع عن وتطوير الحقوق الأساسية في أوساط المجتمع الإسرائيلي كلها، وفي مجال الحقوق كافة. وهي تدافع بدون تمييز على أساس الدين، الطائفة، الجنس، القومية أو الانتماء السياسي. ويتوزع نشاطها على مسارات عمل مختلفة ومن ضمنها نشاطات مرتبطة بالتشريع في الكنيست، المبادرة إلى إجراءات قضائية في المحاكم، توفير المساعدة القضائية للمحتاجين ونشاطات تعليمية وتربوية وإرشاد في المواضيع المرتبطة بحقوق الإنسان.
-
مجالات عمل مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن متطابقة في قسم منها وتكمل بعضها في القسم الآخر، وأهمية مساهمتهما في الدفاع عن وتطوير حقوق الإنسان تتجاوز كثيرًا المسائل المحددة التي يطرحانها على جدول الأعمال الجماهيري والقضائي. عملهما يساهم في تجذير المضامين الداخلية والمعاني العامة للديمقراطية في إسرائيل، وفي رفع المستوى الأخلاقي للمجتمع الإسرائيلي كلّه. القواعد القانونية والقضائية التي تقرّ في أعقاب الإجراءات التي تبادر إليها المنظمتان لها إسقاطات واسعة على المجتمع كله؛ ولعملهما قيمة تربوية اجتماعية وأخلاقية عامّة تتجاوز القضية التي تمّ طرحها من أجل الحسم والبت.
-
حقوق الإنسان هي "فقاعات" الديمقراطية الإسرائيلية، ولا تكفي كتابة هذه الحقوق في كتب القوانين وعلى صفحات قرارات المحاكم؛ فالمطلوب من أجل بث الحياة فيها وجود قوة محرّكة تترجم المبادئ المجرّدة إلى كيان قائم في الواقع وعلى الأرض. ومنظمات حقوق الإنسان هي حلقة الوصل تربط ما بين مبادئ حقوق الإنسان وتطبيقها على أرض الواقع. هذه المنظمات هي العين التي ترى والأذن التي تسمع والقلب المصغي للأحداث في الساحة، وهي التي توصل محن وشدائد الفرد والجمهور إلى الوعي العام واختبار السلطات الحاكمة؛ وبدونها، إلى أين سيأتي الأفراد والجماعات التي لا حول ولا طاقة لها لخوض نضالها بقواها الذاتية؟
-
المكانة المركزية لمنظمات حقوق الإنسان في الديمقراطية الإسرائيلية تحظى بصلاحية مضاعفة في هذه الفترة التي نطالب فيها بأخذ الحيطة وحراسة القيم الأساسية الدستورية لنظام الحكم والقضاء في إسرائيل. ففي هذه الفترة التي تبذل فيها المحاولات لتضييق وعرقلة قدرة المنظمات على العمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، لا يسعنا إلاّ أن نأمل بأن تنجح أجهزة الضبط الداخلي للديمقراطية الإسرائيلية في الاختبار هذه المرّة أيضًا، بحيث لا تسمح بتحقيق هذه المحاولات. ولكن التصدي لهذه المحاولات ليس كافيًا؛ بل يجب العمل لتوفير الدعم والتشجيع لمنظمات حقوق الإنسان لتمكينها من توسيع نطاق عملها كي تحقق أهدافها. فكلما تعززت وتطورت نشاطات هذه المنظمات، تعززت معها الديمقراطية الأساسية في إسرائيل. وبدون العمل المتشعب من قبل المنظمات الحقوقية من الممكن أن تتحول حقوق الإنسان في إسرائيل - لا سمح الله - إلى شعار ميت، ولن يكون لها معنى أو مستند في الواقع الحقيقي.
-
يقف دائمًا من وراء هذه الهيئات والمنظمات التي تؤدّي عملاً مقدسًا أشخاص يرسمون الرؤية ويعملون لترجمة هذه الرؤية إلى لغة الواقع. وكما هو معلوم فإن كل شيء يعتمد في نهاية الأمر على العامل البشري، وبدرجة أكبر على جودة ومستوى القيادة، التي تحدد الفكرة وترسم الأهداف وتعمل من أجل تطبيقها وترجمتها إلى لغة العمل. وهذه الأمور تنطبق على الفائزين بالجائزتين الماثلين أمامنا.
-
المحامي حسن جبارين من مؤسسي مركز عدالة ومديره، والمحامي دان يكير من قادة جمعية حقوق المواطن، وكلاهما جُبلا من نفس المادة المميزة التي تلتف حول قيادتها جماعات لتحقيق أفكارها. هذه القيادة تتميز قبل كل شيء بالرؤية الواضحة والإخلاص الكامل للفكرة، والاستعداد المطلق لتكريس الحياة المهنية لتحقيقها، واستثمار كل الموارد الشخصية لهذا الغرض، حتى لو كان الأمر مرهوناً بتنازلات شخصية بالغة الأهمية وبالالتزام الكامل لقيادة الدفة نحو تحقيق الأهداف، علمًا بأن الطريق ليست دائمًا مكللة بالنجاح، بل وحتى حينما تكون الطريق حافلة بالإخفاقات وخيبات الأمل؛ مثل هذه القيادة لا تستسلم حتى لو كانت الطريق وعرة وملتوية، ولا تنتظرهما على الأبواب تعابير الامتنان والتقدير.
-
وبما أنني تابعت طيلة سنوات كثيرة نشاط المحامي جبارين والمحامي يكير ضمن إطار الإجراءات القضائية التي بادرا إليها ممثلين لمنظمتيهما في المحكمة العليا، فبإمكاني أن أشهد بأن منظمات حقوق الإنسان والجمهور الإسرائيلي والديمقراطية الدستورية في الدولة قد حظوا بقائدي حقوق إنسان بمستوى وجودة عاليين جدًا؛ تجتمع فيهما الرؤية والالتزام الكامل بتحقيق الفكرة والحساسية الإنسانية الكبيرة والمستوى الفكري والمهني القضائي العالي جدًا. وبهذا المستوى المتميز أنار الرجلان طريق منظمات حقوق الإنسان وقادا هذه المنظمات إلى الإنجازات الهامة في مجال تطوير حقوق الإنسان في المجتمع الإسرائيلي، ولكن الطريق إلى تحقيق الرؤية ما زالت طويلة وهي مليئة بالعقبات. وجوائز التقدير الممنوحة اليوم للفائزَين من قبل صندوق إسرائيل ليست تعبيرًا عن التقدير لنشاط الماضي فقط، بل هي أيضًا تشجيع ومحفز على الاستمرار بدون كلل والتقدم في الدفاع عن حقوق الإنسان في جميع المجالات التي لم تجد الحلول، ومن أجل إنارة النواحي المظلمة في المجتمع الإسرائيلي التي لم تر النور بعد.
-
واسمحوا لي أن أنهي بنبرة شخصية: لم أتعرّف شخصيًا عن قرب على حسن جبارين ودان يكير، وللأسف لم تتوفر لديّ فرصة لإجراء محادثة شخصية مع أي منهما. كانت لقاءاتنا المتكررة تجري دائمًا في القاعة الكبيرة في المحكمة العليا، حيث تفصل مسافة كبيرة بين منصّة القضاة وطاولة المحامين. وبالرغم من ذلك، أشعر وبصورة غريبة، بأننا معارف وأصدقاء قدامى، وذلك من خلال المواجهة المشتركة – كل واحد من زاويته – للقضايا الدستورية، القومية والشخصية المعقدة والحادّة، وعن طريق الخيط غير المنظور الذي يربط بين بني البشر، والذي يمرّ من الدماغ إلى القلب ويربطهما حول قيم مشتركة وآمال متشابهة.
تهانيّ القلبية للفائزين بالجائزة، مع تمنياتي باستمرار مثمر للمشروع الهام في المستقبل.