رفض القائد العسكري الإسرائيلي لاعتراض المنظمات الفلسطينية غير الحكومية هو تصرّف مغلوط قانونياً، ولا يجوز تصنيفها على أنها "جمعيات غير قانونية"
في 17 آب/ أغسطس 2022 ، رفض القائد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية اعتراضًا قدمته خمس منظمات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني ضد الإعلان عنها، بموجب أنظمة الطوارئ (الدفاع) لعام 1945 على أنها "جمعيات غير قانونية". هذه المنظمات هي؛ هي مؤسسة الضمير، ومؤسسة الحق، ومركز بيسان للبحوث والتنمية، والحركة الدولية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية.
اقرأ/ي رد القائد العسكري (بالعبرية) (بالإنجليزية)
تم تقديم الاعتراض في شباط/فبراير 2022؛ وتضمّن التسويغات المتعمّقة بعدم قانونية الأوامر الصادرة، كما وأكد الانتقاد الدولي لاجراءات إسرائيل ضد المنظمات، وحيوية العمل الإنساني والحقوقي لهذه المنظمات. في حين سبق هذه الأوامر، الاعلان عن اتحاد لجان العمل الزراعي "جمعية غير قانونية"، ولم يكن جزءًا من هذا الاجراء بالذات بل سبقه.
اقرأ الاعتراض (بالعبرية) (مقدمة في الترجمة الإنجليزية)
ويأتي الاعتراض بعد رفض السلطات الإسرائيلية المتكرر الكشف عن "الأدلة" المزعومة ضد هذه المنظمات، وبناء عليه، فإنها تطالب بإلغاء كامل للقرار. في حين يفتقر رد القائد العسكري الى أي أساس، ولا يقدم أية معلومة جديدة تبرّر إعلانه بشأن المنظمات ولا رفض الاعتراض.
بدايةً، حاججت المنظمات بأن الإعلانات غير قانونية، لأنها تستند فقط إلى "أدلة سرية"، وبالتالي، هناك إنكار كامل للإجراءات القانونية الواجبة. كما رفض القائد العسكري هذه المحاججة، مدّعيا أن: "هناك ممارسة مقبولة ومعمول بها منذ أمد طويل، سواء في القانون المطبَّق في المنطقة، أو في القانون الإسرائيلي، وضمن قواعد القانون الدولي ذات الصلة، وفي المسارات القانونية الأخرى التي تسمح لاتخاذ القرارات الإدارية (...) على أساس الأدلة الإدارية غير المكشوف عنها".
كما أكدت المنظمات في الاعتراض، بأنّ القانون الدولي يرفض الاستخدام المنفلت للأدلة السرية، وذلك لضمان الإجراءات القانونية الواجبة. الحق في محاكمة عادلة هو قيمة متأصّلة في مختلف المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صادقت عليه إسرائيل. ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه كحد أدنى من الضمان، يحق لكل فرد أن يتم إبلاغه بالتفصيل "بطبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه". انظر/ي أيضاً المادة 3 (1) (د) المشتركة بين اتفاقيات جنيف.
بالاضافة الى ما ذكر، فمن العناصر الملازمة للإجراءات القانونية الواجبة، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي، مبدأ "تكافؤ وسائل الدفاع"، والذي يتطلب عدم وضع أي من الطرفين في وضع غير مؤات في عرض قضيته من خلال حرمانه من الوصول إلى جوهر الأدلة التي تستند إليها القضية. صرح القائد العسكري بوضوح، وفي عدة حالات، بأن جوهر الإعلانات يستند إلى معلومات استخبارية سريّة لا يمكن البوح بها، وبالتالي فإن القائد العسكري ينتهك قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
تم التأكيد على هذا الانتهاك القانوني الأساسي من خلال الانتقادات الدولية واسعة النطاق، ومطالبة اسرائيل علنياً بالكشف عن الأدلة التي تزعم أنها تمتلكها، بما في ذلك من قبل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في ملاحظاتها الختامية بشأن إسرائيل والصادرة في ايار/مايو 2022، ونقابة المحامين الأمريكيين، التي ذكرت في رسالتها إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي: "إن الحقوق الإجرائية المكفولة بموجب القانون الدولي تشير إلى أن السلطات يجب أن تكشف لتلك المنظمات أو لمحاميها عن الأدلة التي تستند إليها الادعاءات وذلك لاتاحة المجال لهم بإعداد دفاع قانوني مناسب ".
يبرر القائد العسكري اعتماده على الأدلة السرية بالادعاء بأن "المحكمة العليا [الإسرائيلية] اعترفت مرارًا وتكرارًا بإمكانية قيام السلطات الإدارية، بما في ذلك القائد العسكري، بتأسيس قراراتها على معلومات جرى تصنيفها بأنها سرية، بما في ذلك ما يتعلق بتدابير ليست أقلّ حدةً من الإعلان المذكور أعلاه، بناءً على أدلة سرية. مثل الاعتقال الإداري، وهدم منازل الإرهابيين، وأوامر فرض التقييدات والتعقُّب وغيرها" حسب أقواله.
من خلال هذا التأكيد، يدعي القائد العسكري بشكل أساسي أنه يستطيع الاعتماد فقط على الأدلة السرية، وذلك لمجرد أنه سلطة إدارية (بينما هو في الواقع "سلطة احتلال"). هذا الموقف أكثر تشددًا من الموقف الذي اتخذته المحكمة العليا المذكورة. في حين تسمح المحكمة العليا للدولة والجيش بالاعتماد على الأدلة السرية، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، فقد حددت بعض الضمانات الإجرائية لموازنة الحرمان التام من الوصول إلى الأدلة السرية. لم يكشف القائد العسكري عن أيٍّ من الأدلة في هذه القضايا ولم يقدم أية ضمانات، وبالتالي لم يلتزم حتى بأقل متطلبات الإجراءات القانونية الواجبة.
كما فشل القائد العسكري في مواجهة محاججة المعترضين، بأنّ تضارب المصالح يشوب عملية الاعتراض بأكملها، بحيث أنّ القائد العسكري هو صاحب القرار الذي أصدر التصريحات وهو الذي قرّر رفْض الاعتراض. لقد ادّعى القائد أنه ضمن عملية الاعتراض، لا يعمل هو كمحكمة شبه قضائية لفحص القرار، ولكن الغرض من عملية الاعتراض هو "الاستماع إلى حجج الطرف المعترض [و] لتمكين تقديم جميع المعلومات ذات الصلة من أجل اتخاذ قرار مستنير". وبالتالي، بحسب القائد العسكري، لا يوجد تضارب في المصالح. يؤكد هذا الرد أنه ليس فقط لم يتمّ منح المنظمات أية فرصة للدفاع عن نفسها، بل لم تُمنح فرصة للاعتراض على الأوامر أمام هيئة مستقلة في المقام الأول.
وأخيراً، ادعى القائد العسكري مرة أخرى أن التنظيمات "تعمل بالنيابة عن" "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وتشكّل "ذراعاً" لـها. لكن إلى جانب تكرار هذا الاتهام العام الذي لا أساس له من الصحة، لم يقدم القائد أي تفاصيل تتعلق بالأنشطة غير القانونية المزعومة والتي ينسبها الى التنظيمات. لقد فشل القائد العسكري في الإشارة إلى أي أنشطة عينيّة غير قانونية، أو ارتباطات غير مشروعة، أو سوء استخدام للأموال أو متى تم تنفيذ الأنشطة المزعومة ومن قام بها.
على الرغم من عدم تقديم القائد العسكري لأّيّ مبرّر لقراره بحظر التنظيمات، إلا أنه بعد ساعات من رفضه للاعتراض، داهم جيش الاحتلال الإسرائيلي مكاتب المنظمات الفلسطينية الستة ولجان العمل الصحي وقام بتخريب محتوياتها ومن ثمّ بإغلاقها.
المجتمع الدولي مُطالَب بإدانة هذه الخطوات واتخاذ إجراءات فورية وملموسة ضدها من أجل حماية المجتمع المدني الفلسطيني.
تم تقديم الاعتراض من قبل الطاقم القانوني في مركز عدالة بواسطة محامي عدالة د. حسن جبارين وعدي منصور وربيع إغبارية ، ومكتب المحامي ميخائيل سفارد ومكتب المحامي جواد بولس.