"المتهمون 2": تقرير لمركز "عدالة" يكشف موظفون كبار في النيابة العامة وماحش الذين كانوا مسؤولين عن التحقيق في عمليات القتل في أكتوبر 2000 عملوا بتضارب مصالح شخصي ومؤسساتي
بعد مرور 11 عامًا على أحداث أكتوبر 2000 التي قتل خلالها ثلاثة عشر شابًا عربيًا برصاص قوات الشرطة الإسرائيلية، يصدر مركز "عدالة" تقرير جديد بعنوان "المتهمون 2". ويدرس التقرير قرار المستشار القضائي للحكومة السابق ميني مزوز إغلاق ملفات التحقيق في مقتل الشبان في أكتوبر 2000. ويأتي هذا التقرير استمرارًا لتقرير "المتهمون" الذي أصدره "عدالة" عام 2007 والذي تناول قرار وحدة التحقيق مع رجال الشرطة (ماحش) إغلاق ملفات التحقيق بهذا الشأن. وتشير استنتاجات التقرير إلى أخطاء وتجاوزات كبرى في قرار المستشار القضائي للحكومة إغلاق ملفات التحقيق. أعد التقرير كل من المحامية سمادار بن نتان والمحامية أورنا كوهين من "عدالة".
ويظهر "المتهمون 2" أنه عند إغلاق ملفات التحقيق عمل المستشار القضائي للحكومة بخلاف مطلق للمعايير القضائية السائدة. فبالرغم من أن المقياس القضائي لتقديم لوائح اتهام هو وجود أدلة توحي بأن هنالك "إمكانية معقولة للإدانة"، عندما فحص مزوز ملفات التحقيق في أحداث أكتوبر طلب وجود أدلة قطعية دامغة لا تترك مجالا للشك، كشرط لتقديم لوائح الاتهام. البحث عن هذا المستوى من الأدلة كان أحد المسببات الرئيسية لإغلاق الملفات. وبالمقابل، تعامل مزوز مع مواد مخابراتية، ليس لها أي قيمة قضائية كدليل أو إثبات، على أنها أدلة تبرء رجال الشرطة، وبهذا يكون مزوز قد اكتفى بأدلة ذات مستوى أقل بكثير من المستوى المتبع لتبرءة رجال الشرطة من تهمهم.
وجاء في التقرير أنه حتى لو افترض المستشار القضائي أنه ليس هنالك أدلة كافية لإثبات أن رجال الشرطة قد تعمدوا القتل، كان عليه أن يفحص فيما اذا كان هنالك أدلة كافية لادانة رجال الشرطة بالقتل غير المتعمد أو حتى التسبب بالموت نتيجة إهمال. ويشير التقرير إلى إشكال كبير جدا في الطريقة التي فحص بها المستشار القضائي الأدلة حول استخدام الشرطة للقناصة ضد المتظاهرين وخصوصًا في الحالة التي قام بها ثلاثة قناصة بإطلاق النار في نفس الوقت تجاه نفس الشخص، دون أي تحذير مسبق. خلل مركزي إضافي بتقييم الأدلة هو تجاهل المستشار القضائي لمكان الإصابة في جسد الضحايا، كدليل يشير إلى أن اطلاق النار كان بخلاف التعليمات القانونية لإطلاق النار التي تلزم بإطلاق النار إلى الجزء السفلي من الجسد.
ويستدل من "المتهمون 2" أن قرار المستشار القضائي للحكومة يعتمد بالأساس على شهادات رجال الشرطة، ويتجاهل التضارب والتناقض بين الشهادات المختلفة ويولي أهمية اقل بكثير لشهادات المواطنين العرب. إن ميل النيابة العامة والمحاكم اعطاء مصداقية اكبر لشهادات رجال الشرطة هي أمر غير مقبول عندما يكون رجال الشرطة هم هم المتهمون. في هذه الحالات، يبين التقرير، يجب التعامل مع شهادات رجال الشرطة كشهادات مشتبهين، الذين يرغبون بإبعاد أنفسهم عن الجناية أو على الأقل تقليص حصتهم فيها.
ويظهر التقرير النمط المتكرر في قرار المستشار القضائي للحكومة الذي نسب للضحايا طموحهم بالموت كشهداء وبالتالي إلقاء المسؤولية عن مقتلهم على الشهداء أنفسهم وعلى عائلاتهم. في هذا الشأن، يستند المستشار القضائي للحكومة على أدلة شائعات (أدلة نقلت بالسمع)، والتي لا يؤخذ بها وتعتبر غير صالحة لغرض استخلاصات قضائية بشأن إطلاق النار.
ويسرد التقرير تجاهل المستشار القضائي للحكومة لغالبية تقاعس وإخفاقات ماحش خلال التحقيق ودعم المستشار لجزء من هذه الاخفاقات، ومن ضمنها عدم اجراء عمليات تحقيق أولية وأساسية مباشرة بعد عمليات القتل، وهو أمر الزامي بحالات القتل وجزء منها عمليات للتعرف على الشرطيين والوحدات الشرطية التي تواجدت في مراكز الأحداث وقامت بإطلاق النار، احتجاز الأسلحة بهدف اجراء فحوصات بالستية (تحديد هوية الأسلحة)، تشرح جثث الضحايا، أو على الأقل اجراء فحوصات أولية على الجثث والمصابين، فحص مراكز الأحداث وجمع الشهادات من شهود العيان.
ويحلل التقرير أخطاء ماحش ما بعد إقامة لجنة أور وحتى نشر قرار ماحش. وهكذا، حتى في الحالات القليلة التي أجرى فيها ماحش تحقيقًا مع رجال شرطة أثناء عمل لجنة أور أو بعد نشر تقريرها، كان التحقيق معطوبًا للغاية لذا لم يكن ذا أي فاعلية، وبالرغم من ذلك لم يحظى الأمر بأي اهتمام من قبل المستشار القضائي للحكومة. ويفصل التقرير كيف لم تقم ماحش بتطبيق تعليمات لجنة أور وامتنعت بالكثير من الحالات من التحقيق مع قسم من رجال الشرطة وشهود عيان اخرين ذوي صلة بالأحداث والذين كان يفترض التحقيق معهم مجددا، والدعم ا لذي منحه المستشار القضائي للحكومة لهذا التصرف في قراره.
تشير استنتاجات تقرير "المتهمون 2" إلى وجود شبهات كبيرة أن المستشار القضائي للحكومة وطاقم محامي النيابة الذين كانوا جزء من طاقم الفحص قاموا بخيانة الأمانة الملقاة على عاتقهم عندما فحصوا تقرير ماحش، وأنهم عملوا خلال تضارب مصالح كبير لدرجة قد تبدو كافية لتقديمهم للمحاكمة، وأيضًا أن موظفون كبار في ماحش مسؤولين بشكل شخصي عن الاخفاق في إجراء التحقيقات والتشويش عليها بما يتلاءم مع أسس المخالفة الجنائية المدعوة "خيانة الأمانة" و تشويش مجريات التحقيق.
التوصيات المفصلة في نهاية التقرير تنادي بفتح ملفات التحقيق في عمليات القتل والجرح من جديد وتمريرها لجة مستقلة ومهنية يعمل بموجب معايير التحقيق القانونية في إسرائيل وبما يتلاءم مع معايير القانون الدولي بكل ما يتعلق بطريقة اجراء تحقيق، وتخويلها بتقديم لوائح اتهام في الحالات التي تتوفر بها الأدلة الكافية وبإجراء تحقيقات إضافية في الحالات التي تكون الأدلة المتوفرة بها لا تكفي لتقديم لوائح اتهام. هذه الجهة المستقلة والمهنية يجب أن تفحص ايضًا عمل المستشار القضائي للحكومة (السابق) المدعي العام للدولة (السابق) وطاقم التحقيق في النيابة الذي حقق في عمليات القتل والجرح في أكتوبر 2000 وأن تقرر على الخطوات الملائمة القادمة في اعقاب أعمالهم وإخفاقاتهم، على الصعيد الإداري والجنائي.