حاور عدالة هذا الشهر المحامي جميل دكور، الذي بدأ حياته المهنيّة القانونيّة في عدالة وعمل في المركز منذ العام 1998 حتى 2002. خلال فترة عملة في المركز ترافع المحامي دكور في قضايا مهمّة أمام المحاكم الإسرائيليّة أحدها كانت حول مكانة اللغة العربيّة في إسرائيل، التي تُعتبر سابقة قانونيّة مهمّة. كذلك مثّل المحامي دكور عدالة في العديد من المحافل الدوليّة. بعد أن أنهى عمله في عدالة سافر المحامي دكور للولايات المتحدّة الأمريكيّة وعمل كباحث في مؤسسة "هيومان رايتس ووتش"، وهو يعمل اليوم مديرًا للمرافعة ورئيسًا لبرنامج حقوق الإنسان في اتّحاد الحرّيات المدنية الأمريكي في نيويورك (ACLU). طاقم وإدارة عدالة فخورون جدًا بما حققه المحامي دكور وبنجاحاته وإنجازاته في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في العالم.
ما الذي حثّك على دخول مجال قانون حقوق الإنسان؟
ما حثّني في الأساس هو الواقع السياسي الذي عايشته وعرفته جيدًا، وبصورة خاصّة من خلال نشاطي السياسي كطالبٍ في كلٍّ من المدرسة الثانوية وجامعة تل أبيب، حيث درست في كليّة الحقوق. لقد كنت قلقًا ومستاءً من انتشار مظاهر العنصرية، في المؤسّسة والمجتمع الإسرائيليّ، ضدّ المواطنين العرب بصورة عامّة وضد الطلاب العرب بصورة خاصّة.
كجزءٍ من نشاطاتي الطلابية، انتُخبت لقيادة لجنة الطلاب العرب في جامعة تل أبيب، كما كنت أيضًا شريكًا في تأسيس الحركة الطلابية العربيّة (جفرا) التي نادت بالحقوق الجماعية، والعدالة الاجتماعية وضرورة احترام حقوق الإنسان وصيانتها. إضافة إلى ذلك، كنت من بين الأعضاء المؤسّسين لأول حزب عربي نادى بتحويل إسرائيل إلى "دولة جميع مواطنيها". في نهاية المطاف، كان عليّ أن أبحث عن طريق ما لتحقيق هذه الأفكار على أرض الواقع أو على أقل تقدير تحويلها إلى أفكار عملية يمكن تطبيقها، واعتقد أن مجال حقوق الإنسان والمرافعة لصالح المنفعة العامة والمقاضاة كانت أحد السبل المتوافرة أمامي للدفاع عن حقوق المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل وتعزيزها.
ما هي أكثر القضايا إثارة للتحدّيات من بين تلك التي عملت عليها في عدالة؟
بودّي الإشارة إلى ثلاث قضايا أو مسائل كنت شريكًا فيها. الأولى، المبادرة إلى قضيّتين بشأن الحقوق في اللغة، بدءًا من رفع التماس ضد سلطة الأشغال العامة في إسرائيل، وهي الهيئة المسئولة عن وضع يافطات الطرق الرسمية، وضد وزارة البنى التحتية. لقد تحدّى هذا الالتماس سياسة سلطة الأشغال العامة الإسرائيلية التي تتلخّص في وضع اليافطات على الطرق الرسمية بالعبرية والإنجليزية فقط، من دون العربية، على الرّغم من أن اللغة العربية هي بمثابة لغة رسمية في الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية هي اللغة التي يتكلّم بها أبناء وبنات المجتمع الفلسطيني المحلّي، والذي يشكّل نحو 20% من سكّان دولة إسرائيل. في معرض هذه القضية، تطرّقنا إلى العديد من الادعاءات المتّصلة بمسألة الحقوق الجماعية للفسطينيّين في إسرائيل والحق في اللغة كجزء من الحق في التمتّع بالكرامة الإنسانية. لقد كانت هذه القضية بمثابة نقطة الانطلاق والقضية المُؤسِّسة التي فتحت الباب أمام مركز عدالة ومراكز أخرى لإثارة قضايا عديدة مرتبطة بالحق في اللغة. في معرض هذه القضية دخلنا في سجال مع الدولة، وأفضى إلى التزام الدولة استبدال جميع يافطات الطرق الرسمية خلال خمسة أعوام بأخرى تظهر عليها الإشارات باللغة العربية أيضًا. حاليًا، فإن 20% فقط من يافطات الطرق الرسمية تتضمّن إشارات باللغة العربية، بينما جميعها تتضمّن اللغتين العبرية والإنجليزية.
ظهرت في أعقاب هذه القضية مسألة هامّة أخرى مرتبطة بجملة الحقوق في اللغة، رفعها عدالة وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل على صورة التماس ضد المدن المختلطة الخمس: الرملة والّلد ويافا ونتسيرت عيليت وعكّا. لقد طالبنا بأن تقوم السلطات المحلّية في هذه المدن، التي تعيش نسبة كبيرة من السكّان العرب بين ظهرانيها، بإضافة اللغة العربية إلى جميع يافطات السير والتحذير وسائر يافطات الإرشاد، القائمة ضمن مناطق نفوذها. في العام 2002 حكمت المحكمة (2 ضد 1) لصالحنا. وتعتبر هذه سابقة قضائية يتم الاستناد إليها لتعزيز مكانة اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في الدولة. على الرغم من ذلك، رفض ادعاء الأكثرية في هذه السابقة القضائية ادّعائنا القائل إن الحقوق في اللغة تنبثق عن حقوق جماعة قومية.
أما القضية المركزية الثانية التي ساهمت بها فتتعلّق بالاعتراف بقرية الكمانة الجليلية غير المعترف بها. كانت هذه القضية مثار تحدّ كبير لأنها كانت القضية التي طالب فيها عدالة، أو أيّة منظمة أخرى تعمل لمصلحة الجمهور، بتدخّل دور القضاء العليا في عمليات التخطيط على صعيد الاعتراف بمجموعة سكّانية معينة. وكالعديد من المجتمعات المحلّية الكثيرة الأخرى التي لا تزال محرومة من الاعتراف الرسمي، فإنها قائمة قبل إقامة دولة إسرائيل. ولكن، حين قرّرت إسرائيل أخيرًا الاعتراف بالقرية رسميًا في العام 1995 عبر وضع مخطّط شامل لها، جرى اقتطاع أجزاء هامّة منها، بما في ذلك حي الجلسة. وقد استند ذلك غالبًا إلى قواعد تميّز ضد فئات معينة، حيث شعرت السلطات بأن الاعتراف بهذه الأحياء أو إضافتها إلى القرية سوف يهدّد مستقبل تطوّر بلدات يهودية محاذية، أُقيمت بالطبع على أراضٍ صودرت من مالكيها العرب.
حصلنا في العام 2001 على قرار إيجابي، حيث أمرت المحكمة العليا فيه لجنة التخطيط والبناء بوضع صيغة موسّعة لمخطّط الاعتراف بالكمانة بحيث يشمل الحي الغربي الذي تم اقتطاعه سابقًا وحي الجلسة، خلال فترة لا تتعدّى ثمانية عشر شهرًا. شعرنا حينها بأن هذا القرار كان انتصارًا هامًا لأننا جعلنا المحكمة العليا تتناول هذه القضية للمرة الأولى. لقد كنّا قلقين على الدوام من إثارة ورفع قضايا تتعلّق بمسألة الأرض والإسكان والحقوق في التخطيط لأن للمحاكم الإسرائيلية تاريخ طويل من التمييز ضد الفلسطينيّين ومن إصدار قرارات تصدّق على عمليات مصادرة الأراضي من الفلسطينيّين. ولكن لم تكن هذه هي خاتمة المطاف، لسوء الحظ، فقد واصل أهالي حي الجلسة نضالهم حتّى بعد أن تركت مركز عدالة، واضطرّوا إلى العودة إلى المحكمة العليا. في العام 2005، قدّم عدالة دعوى بتحقير المحكمة، إذ أن سلطات التخطيط لم تلتزم بتعهّداتها، بعد عدّة أعوام من صدور قرار الحكم، ولم تقدّم مخططًا لقرية الكمانة يضم حي الجلسة. وأخيرًا، تقدّمت سلطات التخطيط بمخططّها الشامل لقرية الكمانة، يضم حي الجلسة، في أواخر العام 2005، لتمنحه بذلك اعترافها النهائي.
بخصوص القضية الثالثة الهامة المثيرة للتحدّي، فقد جاءت في سياق نشوب الانتفاضة الثانية. كنت واحدًا من مجموعة محامين بذلت جهودًا كبيرة لتمثيل نحو ألف معتقل تقريبًا – من المواطنين العرب في إسرائيل – ممن لاحقتهم قوّات الأمن الإسرائيلية خلال الأيام والأسابيع الأولى من أكتوبر 2000. رفضت المحكمة العليا طلب إطلاق سراح جميع المعتقلين بالتقريب بكفالة مالية وحتّى أولئك المعتقلين القاصرين. لقد كان هذا الرفض بمثابة عقابًا جماعيًّا وقرارًا يسعى إلى إخضاع السكّان الفلسطينيّين ولإخراس صوتهم وثنيهم عن التعبير عن تضامنهم مع السكّان الفلسطنيّين في الضفّة والقطاع. كذلك، فقد كانت هنالك العديد من القضايا بخصوص وحشية سلوك رجال الشرطة ومعالجة بائسة من طرف دور القضاء أو النيابة العامّة التي لم تحقّق بشأنها بصورة نزيهة. هنا، لعب عدالة، وللمرة الأولى، دورًا شعبيًا هامًا. في غضون أيام عقدنا اجتماعًا بحضور نحو 150 محاميًا عربيًا، بهدف التنسيق وبذل الجهود للدفاع عن مئات المعتقلين وتمثيلهم، خصوصًا وأن مكتب المرافعة الجماهيرية لم يكن بمقدوره القيام بهذا الدور. أعتقد أن هذا الأمر كان حاسمًا في سياق عداء الجمهور الاسرائيلي للفلسطينيّين عمومًا، وتجاه المظاهرات والصدامات التي قادت إلى مصرع ثلاثة عشر مواطنًا فلسطينيًا أعزل في إسرائيل وجرح مئات آخرين. كذلك، قاد هذا الجهد إلى الدور الهام الثاني الذي لعبه عدالة في هذه الأحداث، والمتمثّل في المطالبة عبر لجنة أور الرسمية للتحقيق ووزارة القضاء، لاحقًا، بتحديد المسئولية وتحقيق العدالة لعائلات الضحايا الثلاث عشرة. وقد تمّ تصوير الفلسطينيّين في إسرائيل علانية، مرة أخرى، كأعداء للدولة، وكان مركز عدالة هناك ليدافع عن حقوقهم ويدفعها قدمًا، وللتأكّد من أنّ شرعيتهم لم تتقوّض.
ما الذي أخذته من فترة عملك كمحامٍ في عدالة إلى عملك في "هيومان رايتس ووتش" واتّحاد الحريات المدنية الأمريكي؟
أعتقد أن أهم الأشياء التي أخذتها من فترة عملي في مركز عدالة كان معرفة كيفية تحقيق المبادئ والمعايير والآليات القضائية بصورة ناجعة لغرض محاربة الغبن والتمييز، واستراتيجيًّا، كيفية استعمال الضغط على نقاط معينة لبلوغ التغيير والحلول الناجعة. القانون ودور القضاء يعرضان للمجموعات المهمّشة والمضّطهدة شرعية وشعورًا بالانتماء. لقد تعلّمت من مركز عدالة كيفية استغلال الآليات القانونية لخدمة الدعاوى القضائية من دون الانزلاق إلى خطر الاستقطاب وتقديم المزيد من الخضوع. كذلك، أخذت معي مصداقية ومهنية تقوم على مفهوم إيجاد السبل لحماية حقوق الناس والدفاع عنها، إضافة إلى القدرة على القيام بالمرافعة خارج حقل المقاضاة. فأنت لا تذهب إلى المحكمة فقط، لكنك تقوم بخطوات إضافية، أيضًا. هذا واحد من أهم إنجازات مركز عدالة، وهو المرافعة خارج جدران دور القضاء، بما في ذلك المرافعة الدولية، وجميع أصناف التثقيف الجماهيري العام، عبر إصدار مجلة "دفاتر عدالة" أو "نشرة عدالة الإلكترونية".