أصدرت المحكمة العليا يوم الخميس، 9.9.2004، قرارها في الإلتماس الذي قدمه مركز عدالة بخصوص حق ثلاثة مئة طفل بين الأجيال 3-4 بأطر تعليم مجانية. ويسكن هؤلاء الأطفال في قريتي الزعرورة وبير المشاش غير المعترف بهما في النقب.
وردت الهيئة القضائية برئاسة رئيس المحكمة العليا، القاضي أهارون براك الإلتماس. حيث كتب القاضي براك أن الإلتماس يطرح مسألتين مركزيتين. وتتمحور المسألة الأولى فيما إذا كان هناك حاجة لتدخل المحكمة العليا في موقف وزارة التعليم والذي ينص على عدم إقامة حضانات للأطفال طالما لا يوجد خارطة هيكلية للقريتين. وتتمحور المسألة الثانية فيما إذا كانت وزارة التعليم تعمل فعلاً وفق التزاماتها وتوفر الإحتياجات التعليمية للأطفال. وبالنسبة للقضية الأولى قرر القاضي براك أنه لم يجد حاجة لتدخل المحكمة في موقف وزارة التعليم، خاصةَ وأن سلطات التخطيط لم يضموا للإلتماس.
أما بالنسبة للسألة الثانية، قرر القاضي براك أن المعلومات التي جلبتها وزارة التعليم للمحكمة العليا تثبت أن وزارة التعليم لا تتجاهل احتياجات الأطفال وأن الإدعاء الذي جلبه الملتمسون حول التمييز ضد الأطفال العرب غير مدعوم. كما أضاف براك أنه اقتنع بأن وزارة التعليم تقوم بواجباتها وفقاً للقانون الذي يطبق تدريجياً على البلدات المختلفة.
مع ذلك شدد القاضي براك في القرار أن إدعاء وجود أطر تعليمية غير كافٍ وأن على وزارة التعليم الإهتمام بقضية توفير المواصلات للأطفال من قراهم للأطر التعليمية التي توفرها لهم. وأضاف القاضي براك أن وزارة التعليم جلبت للمحكمة مواقف متناقضة حول تمويل تكاليف المواصلات للأطفال، وأن حق الأطفال في التعليم يتوجب أحياناً تمويل مصاريف المواصلات لمؤسسات التعليم البعيدة عن مكان سكنى الطلاب. وأضاف القاضي براك أن للعرب البدو في النقب إحتياجات خاصة، حيث لا يوجد في مكان سكناهم خدمات تعليمية والوصول إلى مؤسسات التعليم في ظروف الطقس السائدة في النقب من الممكن أن يكون صعب جداً. وفي هذه الحالة، أضاف القاضي براك، هنالك إحتمال أن لا يستطيع الأطفال الوصول إلى مؤسسات التعليم وبهذا لا يتحقق موقف وزارة التعليم الذي يؤكد على إلتزامها بحق الأطفال بالتعليم. من ناحية أخرى، جاء في القرار أن تمويل مواصلات الطلاب من القرى غير المعترف بها قد يؤثر سلباً على مصلحة الدولة بزيادة مساحة البلدات التي هي في إطار قوانين التخطيط للحكم المركزي. وأضاف القاضي براك أن الملتمسين لم يسهبوا بإدعاءاتهم في هذا الصدد.
وأكد القاضي براك على حق الملتمسن اللجوء إلى المحكمة العليا في حالة عدم توفير المواصلات للأطفال من مكان سكناهم للحضانات.
يذكر أن مركز عدالة كان قد قدم إلتماساً للمحكمة العليا بنفس الموضوع في شهر نيسان من العام المنصرم (2003). وفي جلسة المحكمة التي بتت بالقضية، في أيلول 2003، أعلمت النيابة العامة المحكمة بأنه قد تقرر تمديد فترة التطبيق المرحلي للتعديل رقم (16) حتى عام 2008، وأن الكنيست قررت في أيار 2003، تجميد أوامر التطبيق المرحلية التي تصدرها وزارة التعليم، والتي بموجبها تحدد القرى والمدن التي ستقام بها حضانات الأطفال. وعليه فمن غير الممكن إقامة حضانات في قريتي الزعرورة وبير المشاش. وأشارت المحكمة في الجلسة إلى ان مبدأ المساواة يلزم الوزارة في حال أقامت حضانات في أماكن أخرى رغم قرار الكنيست، بأن تقيم حضانات في القريتين. كما ووافقت المحكمة على طلب عدالة بأن للقريتين الأولوية، عندما يلغى قرار التجميد. ولذا إذا تبين في المستقبل أن الحكومة ما زالت تقيم حضانات رغم قرار التجميد فبالإمكان تقديم إلتماس بهذا الخصوص.
ومنذ ذلك الوقت، يتابع مركز عدالة الأمر؛ وقد اتضح أن وزارة التعليم قامت ببناء ست حضانات للأطفال في أماكن أخرى، بالرغم من ملاحظات المحكمة العليا في هذا الخصوص. وسوغت وزارة التعليم، في ردها على رسائل مركز عدالة، عدم إقامة حضانات أطفال في القرى غير المعترف بها، برفض وزارة الداخلية منح تصريحات بناء في القرى غير المعترف بها. ويذكر أنه مؤخراً، في كانون الثاني 2004، قرر المجلس القطري للتخطيط والبناء منح تصريحات لبناء مبان متنقلة في الست عشرة مدرسة في القرى غير المعترف بها في النقب. "الأمر الذي يضحد تسويغات وزارة التعليم فتح رياض الأطفال في القريتين الزعرورة وبير المشاش"، ادعى مركز عدالة في الإلتماس.
وادعى المحامي مراد الصانع من عدالة في الإلتماس الجديد أن الهدف من وراء سن القانون المذكور أعلاه هو توفير التعليم للشرائح الضعيفة بهدف تقليص الفجوات ومساعدة من ليس بمقدوره إرسال أطفاله للحضانات الأهلية. وعليه، جاء في الإلتماس، أن الوضع الراهن يمس بحق الأطفال بتساوي الفرص التعليمية وبتخصيص موارد التعليم لهم بشكل متساوٍ مع باقي الأطفال في الدولة. كما جاء في الإلتماس أن حجة وزارة التعليم بعدم توفر الميزانيات لا يمكن أن تفوق حق الأطفال في التعليم وحقهم في المساواة مع باقي الأطفال في الدولة.
وفي رد وزارة التعليم على الإلتماس، ادعت الأخيرة أن على المحكمة العليا رد الإلتماس، لأن القضية حسمت في السابق في المحكمة العليا وأنه لم يطرأ تغيير منذ ذالك الحين. وأضافت وزارة التعليم أنها لم تميز ضد الأطفال العرب البدو إذ أن قانون التعليم الألزامي لم يطبق في مناطق عدة، وأن الدولة أقامت 40 حضانة للأطفال البدو في النقب، وخلافاً عن أطفال اَخرين، فإن الأطفال البدو معفيين من دفع رسوم التعليم. وأضافت وزارة التعليم أنها سوف تضيف في السنة المقبلة 15 حضانة للأطفال البدو. وشددت وزارة التعليم على أن القرى غير المعترف بها غير موجودة ضمن الخارطة الهيكلية ومن هنا فمن غير الممكن إقامة الحضانات هناك وأن أهالي الأطفال خالفوا القانون عندما أقاموا هناك منازلاً.
* في هذا العدد لمجلة عدالة الإلكترونية: ملاحظات نقدية حول هذا القرار في مقالتي المحامي دوري سبيفاك والمحامية غدير نقولا