تتجاهل الخارطة الهيكلية اللوائية لمنطقة بئر السبع (تمام 14/4، تعديل رقم 23) وجود نحو نصف السكّان العرب البدو في لواء الجنوب، ولا تقوم بتسوية المكانة التخطيطية الخاصة بالبلدات العربية غير المعترف بها في النقب. هذا ما جاء في الاعتراض على الخارطة الذي قدّمه مركَز عدالة يوم 31.10.07 للجنة القطرية للتخطيط والبناء. وقد جاء في الاعتراض، أيضًا، أن الخارطة تواصل سياسة تركيز السكان العرب البدو في البلدات القائمة المعترف بها، والمسّ البالغ بحقّ السكان العرب البدو، مواطني الدولة، في المساواة والسكن اللائق والكرامة.
وأشارت مخططة المدن والمناطق، هناء حمدان، والمحامية سهاد بشارة من مركَز عدالة، اللتان قامتا بصياغة الاعتراض، إلى أنّ من بين أهداف الخارطة تمّ تحديد نموّ وتطوير المحيط المدينيّ بُغية استيعاب الطلبات المتوقّعة على السكن، "لأغراض زيادة وتطوير المجموعات السكانية المختلفة في المحيط، وضمن ذلك سكان الوسط البدوي وتوطينهم، التشغيل، المساحات المفتوحة والاستجمام والموارد والمناظر الطبيعة". بل إنّ وثائق الخارطة تطرّقت إلى الحاجة في "تحديد موقع وقواعد لتخطيط بلدات بمختلف الأنماط لغرض تسوية التوطين البدويّ". ولكن لم يجرِ في الخارطة تجسيد هذه الاحتياجات، بل جرت صياغتها من خلال التجاهل التامّ للوضع القائم، احتياجات السكّان العرب الفورية، الفجوات القائمة بين البلدات العربية واليهودية في المنطقة واحتياجات التطوير المستقبليّة للسكان العرب فيها.
يصل تعداد السكّان العرب في النقب إلى 156.4 ألف نسمة، وهم يشكّلون 27,7% من سكّان المنطقة. ويقطن نحو نصف هؤلاء السكّان في عشرات القرى والمواقع غير المعترف بها، والتي تعاني من غياب الخدمات الأساسيّة كالماء والكهرباء وغياب خدمات الصحّة والتعليم. تقَدَّر مساحة السكن في القرى والمواقع غير المعترف بها في منطقة لواء بئر السبع بنحو 306,000 دونم. وأحد الاقتراحات لتسوية مسألة السكن البدوي على مستوى المحيط في البلدات غير المعترف بها في خارطة المنطقة هو تحديد "منطقة منظر ريفي زراعيّ مُدمجة" أو منطقة بحث. إنّ حدود هذه المنطقة ضيّقة جدًا وهي تُخرج من نطاقها الغالبية الساحقة للبلدات والمواقع غير المعترف بها، وتشمل نحو 28% فقط من المساحات التي يقطنها السكّان اليوم في القرى والمواقع غير المعترف بها، كما يتبيّن من التقييم الذي وضعه د. يوسف جبارين وجرى إرفاقه بالاعتراض.
كذلك، وكما يتبيّن من التقييم المذكور، جاء في الاعتراض أنّ منطقة البحث المُشار إليها، وبسبب محدوديات وضرورات التطوير (مثلاً: منشآت بنى تحتية قطرية؛ مساحات خضراء؛ منطقة صناعية وضرورات بيئية مختلفة) هي، عمليًا، مُحيط وهميّ لا يستجيب بشكل حقيقيّ لحاجة تسوية السكن العربيّ البدويّ في النقب. إنّ المحدوديات القائمة في محيط البحث لا تمكّن من إقامة، أو بالأحرى، حتى من الاعتراف بمعظم البلدات غير المعترف بها والواقعة في نطاقه.
معنى ذلك أنّه على الرّغم من التصريحات عن الرّغبة في دفع البلدات غير المعترف بها في النقب، فإنّ الخارطة اللوائية تكرّس المشكلة. فالخارطة تتجاهل وجود هذه القرى، التي لا تظهر حتى في تخطيطاتها، وتتجاهل حقوق السكان العرب الأصليين في المنطقة واحتياجاتهم الحيزية والثقافية. في الوقت نفسه، فالدولة ومؤسّساتها يقيمون بلدات جديدة للسكّان اليهود، بعضها قرب البلدات غير المعترف بها أو مكانها. وهكذا، تعمّق الخارطة من الفجوات الحيّزية والاجتماعيّة بين السكّان العرب والسكّان اليهود في النقب.
إنّ الخارطة تصدّق، أيضًا، على استخدامات مختلفة للأراضي التي تقوم عليها البلدات غير المعترف بها، ومنها استخدامها لغرض السكن، ولكن ليس للسكّان العرب. بكلمات أخرى، إنّها تتعاطى مع الحيّز على أنّه حيّز فارغ، وكأنّه لا وجود فيه لعشرات آلاف السكان العرب الذين يقطنون فيه منذ عشرات السنين.
أما بالنسبة للتطوير الاقتصادي الذي تقترحه الخارطة، فقد جاء في الاعتراض، أنّه ليس في مقدور الخارطة أن تفضي إلى تطوير اقتصاديّ عادل ومتساوٍ، الأمر الذي سيؤدّي إلى استمرار لا بل إلى تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصّعب القائم، وإلى اتساع الفجوات الراهنة. وجاء، أيضًا، أنه في ضوء الوضع الاجتماعي الاقتصادي الصعب لدى السكان العرب في النقب، وفي ضوء الفجوات الاقتصادية السحيقة بين العرب وبين اليهود في المنطقة "فقد كان من الجدير بأن تبذل الخارطة جهدًا أكبر وتبلور خطة اقتصادية خاصة للسكان العرب البدو في الجنوب، بحيث تأخذ في الاعتبار المميّزات الاجتماعية والاقتصادية القائمة والمميزات الثقافية للسكّان، وتبلور خطّة خاصة، خلاّقة ومختلفة لكن عادلة، يكون بمقدورها استغلال تلك المميّزات وتوفير تطوير اقتصادي لائق وحقيقيّ".
في ضوء كلّ ما ورد أعلاه، طالب المعترضون بإلغاء إيداع الخارطة وإعادتها للتخطيط من جديد، وهذه المرّة من خلال الحفاظ على مبادئ التخطيط، ومن ضمنها، مبدأ مشاركة الجمهور والمساواة والمعقوليّة والنسبيّة والشفافيّة والتمثيل اللائق وتعليمات القانون. كذلك أن يجتهد التخطيط المستقبليّ سعيًا إلى إيجاد حلّ لائق ومقبول لمشكلة القرى غير المعترف بها في النقب، وتجسيد رغبات السكّان العرب وطموحاتهم في هذا الصدد، بشكل كامل.