نظرت المحكمة العليا الإسرائيلية، يوم الأربعاء 6 أيّار 2009، في الالتماس الذي قدمه مركز "عدالة" في نيسان 2007 بالاشتراك مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة ومؤسسة "الحق" في الضفة الغربية. طالب الالتماس بفتح تحقيق جنائي في مسألة قتل المدنيين وتدمير البيوت المكثف خلال عمليتين عسكريتين في قطاع غزة: العملية العسكرية "قوس قزح"، التي شنها الجيش الإسرائيلي بين 18-24 نيسان 2005، والعملية العسكرية "أيام التوبة" التي شنها الجيش في نهاية شهر أيلول واستمرت حتى أواسط تشرين أول 2004. أعد هذا الالتماس المحامي السابق في مركز "عدالة" مروان دلال.
وتضمن الالتماس عرضًا للنتائج المأساوية للعمليتين العسكريتين. ففي عملية "قوس قزح" قُتل العشرات من المدنيين، منهم 17 طفلاً تحت سن الثامنة عشرة. كما هدم الجيش الإسرائيلي خلال هذه العملية 167 بيتًا سكنها 379 عائلة (2066 فرد). هذا في وقت ادعت الحكومة الإسرائيلية وجيشها أن الهدف الأساسي من هذه العملية كان العثور على أنفاق تهريب الأسلحة على امتداد محور "فيلادلفي" الذي يفصل بين رفح والأراضي المصرية.
أما العملية الثانية، والتي أطلق عليها اسم "أيام التوبة"، والتي تركزت في شمال قطاع غزة وبالأخص في بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا، فقد أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، من بينهم 27 طفلاً. كما تم هدم 91 بيتًا أوى 675 مواطنًا من 143 عائلة، وذلك إضافة إلى التسبب بأضرار بالغة لـ 101 بيتًا إضافيا يسكنها 833 مواطنا. وهدفت هذه العملية، بحسب ادعاءات الجيش، إلى وقف إطلاق صواريخ القسام من شمالي القطاع إلى الأراضي الإسرائيلية.
وادعى المحامي عنير هيلمان من نيابة الدولة خلال الجلسة أنه يجب رفض الالتماس جملةً وتفصيلاً كونه التماسًا عامًا وليس محددًا ويتطرق إلى حملتين عسكريتين واسعتين؛ كذلك، ادعى محامي الدولة أن الالتماس قُدم متأخرًا.
في المقابل ادعى المحاميان حسن جبارين وأورنا كوهين من مركز "عدالة"، خلال الجلسة، أن الالتماس يوثق بشكل واسع الخروقات الفظة لوثيقة جنيف الرابعة، ويشير إلى وجود شبهات مثبته لارتكاب جرائم حرب. وبناءً عليه، وفقا للقانون الدولي والقانون الإسرائيلي، يجب فتح تحقيق جنائي، كما يُطالب الالتماس.
كما ادعى محامو "عدالة" أنه لا يجوز رفض التماس يتطرق إلى موضوع في صلب سلطة القانون، بادعاء أنه جاء متأخرًا، خصوصًا وأن الشبهات هي شبهات لتنفيذ جرائم حرب، وهي من نوع الجرائم التي لا تسري عليها قوانين التقادم، ويمكن محاكمة مرتكبيها حتى بعد سنوات طويلة. وأضاف المحاميان أنّ الدولة هي التي تتأخر وتتقاعس عن فتح تحقيق جنائي خلافًا لتعليمات القانون الدولي.
وبدرت ملاحظات سياسية عن قسم من القضاة ليس لها علاقة بالالتماس. فعلى سبيل المثال، طلب أحد القضاة استفسارات عن هوية أحد الملتمسين (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة)، وعن موقف المركز من قضية الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. كما انتقد القضاة التطرق القانوني الذي ورد في الالتماس إلى سلطة الحكم الكونية، أي إمكانية التوجه إلى محاكم دولية.
ويحتوي الالتماس على وثائق كثيرة تم تجميعها من الأمم المتحدة، مؤسسات حقوق إنسان محلية ودولية، بالإضافة إلى تصريحات علنية لضباط وجنود من الذين شاركوا في العمليات والتي تظهر بوضوح أن الأعمال التي قامت بها قيادة الجيش والسياسيين الإسرائيليين تعتبر مخالفات جنائية وفقا للقانون الإسرائيلي المحلي، وكذلك وفقًا للقانون الدولي.
من التصريحات التي وردت في الالتماس، هي تصريحات ضابط الجيش شموئل زاكاي، الذي أشرف بشكل مباشر على قيادة الحملتين، والتي أدلى بها للصحفي الإسرائيلي شلومي إلدار، حيث نشر إلدار هذه التصريحات في كتابه "غزة كالموت". في هذا الكتاب الذي تم نشره في آب 2005، اقتبس إلدار من أقوال زكاي عن الهدف من عملية "قوس قزح": هدف الحملة لم يكن أبدًا العثور على الأنفاق. هل تعرف كيف جاءت هذه الفكرة؟ يوم جمعة جمعت ضباط الوحدات لاجتماع قصير لحتلنتهم، وفي الطريق سمعت الناطقة بلسان الجيش في الإذاعة، قالت أن الهدف من وراء الحملة هو العثور على أنفاق. كيف أنفاق؟ هكذا يديرون حملة للبحث عن أنفاق؟".
وادعى عدالة أن الأعمال التي قام بها جنود وقادة الجيش الإسرائيلي في العمليتين تعتبر مخالفات جنائية بحسب القانون الإسرائيلي والقانون الدولي وأن المسؤولين عن هذه الأعمال يجب أن يحاكموا ويتحملوا المسؤولية. في العمليتين قام الجيش بعمليات قتل متعمدة وعمليات تدمير واسعة وعشوائية. هذه الأعمال تعتبر خرقا جسيما للبند رقم 147 من وثيقة جنيف الرابعة ولذا هي بمثابة جرائم حرب. وشدد الملتمسون أن ضباط الجيش والقادة السياسيين يتحملون المسؤولية المباشرة عن الأوامر لشن الحملتين وعن تصرف الجيش فيهما.