فور إعلان المدّعي العام، عران شندار، عن قراره اعتزال وظيفته في شهر آب القادم، باشر محلّلون وشخصيّات جماهيريّة بإغداق المديح عليه. فقد أشادوا بالجرأة والاستقامة اللتين أدار بهما جهاز تطبيق القانون إلى جانب المستشار القضائيّ للحكومة، ميني مزوز، وبحربهما ضدّ الفساد ومن أجل جودة المعايير.
لقد فضّل مريدو مصلحته تجاهل أحداث وقضايا من الماضي غير البعيد، لم يمتنع فيها شندار ومزوز عن النضال لأجل سيادة القانون فحسب، بل إنّهما مسّا به أيضًا. السبب في هذا المساس هو أنّ مصلحة المواطنين العرب في إسرائيل كانت مرتبطة بتلك الأحداث. فلم يأمر شندار، الذي كان رئيسًا لقسم التحقيقات مع عناصر الشرطة (ماحش) في أكتوبر 2000، بفتح أيّ تحقيق ضدّ الشرطيين الذين كانوا متورّطين بقتل 13 شابًا عربيًا وبجرح مئات آخرين. وحتى بعد صدور تقرير لجنة أور، الذي أقرّ بأن إطلاق النار لم يكن مبرّرًا بل كان مناقضًا لتعليمات إطلاق النار، لم يقم "ماحش" بفتح أيّ تحقيق جدّيّ وقدّم تقريرًا لم يلقِ أيّة مسؤوليّة جنائية على أيّ من الشرطيين.
على أثر تقرير "ماحش" ظهر شندار، الذي كان قد أصبح مدّعيًا عامًا، إلى جانب مزوز في مؤتمر صحفيّ عبّر فيه عن دعمه لذلك التقرير. صحيحٌ أنّ مزوز عيّن طاقم فحص لمعاينة خلاصات التقرير، لكنّ هذا الطاقم يقع تحت إمرة شندار مباشرة. وهكذا، وفقًا لأيّ توجّه، فإنّ هذا السلوك يدلّ على مساس بمبدأ الشفافية، ومساس باعتماد إجراء نزيه فيما يتعلّق بعائلات قتلى أكتوبر 2000 وهو ينطوي على تضارب واضح في المصالح.
لا يشكّل السلوك المتقاعس بخصوص أحداث أكتوبر الحالة الوحيدة التي أبدى فيها جهاز تطبيق القانون تعاطيًا متقاعسًا مع قضايا المواطنين العرب في إسرائيل. أحد الأمثلة على ذلك هو التعاطي مع العرب البدو في النقب. فقد عُقدت في المحكمة العليا، الشهر الماضي، جلسة للنظر في التماس ضد خطّة "طريق النبيذ"، التي ترمي إلى إقامة عشرات المزارع الفردية في النقب، وترخيص تلك القائمة بأثر رجعيّ. إنّ إقامة المزارع، التي تمتدّ على ما يزيد عن ثمانين ألف دونم، تأتي من منطلقات عنصرية وقد نال مستوطنوها الأراضي من دون أية مناقصات وخلافًا لقوانين التنظيم والبناء. بمحاذاة هذه المزارع وبلدات يهودية أخرى، يقطن عشرات آلاف المواطنين العرب البدو في قرى "غير معترف بها". وضمن سياسة موجّهة، ترفض وزارات الحكومة منحها مكانة بلدية أو خدمات حيوية لاحتياجات العيش الأساسيّة، كالماء، الكهرباء وخدمات الصحة وغيرها. وبدلاً من أن تنتفض سلطات تطبيق القانون ضدّ المساس بمبادئ الإدارة السليمة في توزيع الأراضي السخيّ للمزارع، فهي تتعنّت في إصدار أوامر هدم ضد المواطنين العرب البدو باسم سلطة القانون وتطبيق قوانين التنظيم والبناء.
إنّ تجاهل الإعلام والمحلّلين لسياسة شندار ومزوز بشأن تطبيق القانون والنضال لأجل جودة المعايير حين يتعلّق الأمر بالمواطنين العرب، ليس محض صدفة. فتنظيمات المجتمع المدني الناشطة لدفع جودة الحكم ونقاوة المعايير لطالما قدّمت التماسات إلى المحكمة العليا على كلّ انتهاك طفيف لشروط المناقصات. لكنها تفضّل عدم التوجّه إلى المحكمة العليا ضد ترقية شخص كان متورطًا في أحداث أكتوبر 2000 أو بممارسة عنصريّة ضد العرب.
لقد وصلت هذه النزعة ذروتها حين قام رئيس الحركة من أجل جودة الحكم بتمثيل منتدى"طريق النبيذ" في الالتماس ضد مزارع الأفراد، وهو منتدى يضمّ مستوطني المزارع. لقد مثّل الرئيس، المحامي إليعاد شراغا، أصحاب المزارع كمحامٍ خاصّ. مع ذلك، فإنّ قيام مَن يمثّل بنظر اليهود الإسرائيليين النضال ضد الفساد، بالموافقة على أخذ ذلك الدور على عاتقه، يطلق بلاغًا جماهيريًا واضحًا: إن حدود جودة المعايير والديمقراطية هما مسألة إثنية يهودية. من الممكن مسامحة من ينتهكهما حين يتعلق الأمر بحقوق الأقليّة العربية.
إنّ سلطات تطبيق القانون، التي تعتقد أنّ قضايا المواطنين العرب تسمح بالمسّ بجودة المعايير، تُسري بلا شكّ سياسة تمييزية في محاولتها إدانة مواطنين عرب في المحاكم، أيضًا. من هنا ينبع الغياب الكبير، بل المفهوم ضمنًا، لثقة المواطنين العرب وقيادتهم بنزاهة الادّعاء العام، بمؤسّسة المستشار القضائي للحكومة وبالإجراءات الجنائية في جهاز القضاء الإسرائيلي.
* الكاتبة هي طالبة في كلية الحقوق في جامعة حيفا وتعمل في عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقليّة العربية في إسرائيل.