أقرّت المحكمة العليا في يوم 27.02.2006، بتركيبة موسّعة ضمّت سبعة قضاة، أنّ قرار الحكومة بشأن تقسيم الدولة إلى مناطق أفضليّة قوميّة هو قرار غير قانونيّ، يميّز ضدّ المواطنين العرب على خلفيّة العرق والقوميّة، ويجب إلغاؤه. إتّخذ القرار بالإجماع بعد نقاش متواصل للالتماس الذي قدّمه مركز عدالة ضدّ سياسة الحكومة، والتي تُمنح بموجبها امتيازات كثيرة لبلدات في الدولة بدعوى أنّها واقعة ضمن مناطق الأفضليّة القوميّة. قدّم الالتماس المحامي حسن جبارين من عدالة، باسم المركز وباسم لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي في إسرائيل.
وكان مركز عدالة قد طالب في الالتماس الذي تم تقديمه في شهر أيّار من العام 1998 بإلغاء القرار الذي اتّخذته الحكومة في شهر شباط من السنة نفسها (القرار رقم 3292)، معللاً ذلك بأنّه قرار غير قانونيّ. فالقرار 3292 منح بلدات يهودية مختلفة امتيازات اقتصادية وأخرى في مجال التعليم، من خلال تصنيفها ضمن مناطق أفضليّة قوميّة. ولم يتضمّن القرار نفسه أية بلدة عربية ضمن مناطق الأفضليّة القوميّة. وادّعى مركز عدالة في الالتماس أنّ قرار الحكومة يشكل تمييزا ولا يرتكز على أيّة معايير واضحة وموضوعيّة، لأنّه لم يتضمّن ضمن مناطق الأفضلية القوميّة بلدات عربيّة ذات وضع اجتماعي- اقتصادي متدن، والتي تقع إلى جوار بلدات يهودية أدرجت ضمن هذه المناطق. وكان الادّعاء الآخر الذي طرحه الالتماس هو أنّ الحكومة غير مخوّلة باتخاذَ قرارٍ واسع النّطاق، ساري النفاذ وذي تأثير كبير إلى هذا الحدّ، وأنّ موضوعًا من هذا النّوع يجب ترتيبه من قبل الكنيست عن طريق تشريع أوّلي. وأصدرت المحكمة أمرا مشروطا ضدّ تطبيق القرار، بموجب طلب الملتمسين.
إتّخذت الحكومة في العام 2002 قرارًا جديدًا بشأن مناطق الأفضليّة القوميّة، أعقب قرار العام 1998. حدّد في القرار الجديد أن تصنيف البلدات لمناطق أفضلية قومية يهدف، ضمن أشياء أخرى، إلى منح امتيازات ومحفزات لغرض المساعدة في تطوير بعض البلدات وفي تقليص الفجوات على مستوى التطوير وعلى مستوى المعيشة.
إنّ تصنيف البلدات لمناطق أفضليّة يوفّر لها مساعدة في عدّة مجالات – الصناعة، التعليم، السكن، السياحة، والزراعة. أحد المجالات الهامة الذي تناوله تقسيم الدولة لمناطق أفضلية قوميّة هو مجال التعليم. وكانت هناك 4 بلدات عربية فقط، من أصل البلدات الـ500 التي حصلت، وفقًا لقرار الحكومة من العام 2002، على مكانة مناطق أفضلية قومية لغرض الحصول على امتيازات في التعليم. إن تصنيف بلدة كمنطقة أفضليّة قوميّة لاحتياجات التعليم يمنحها امتيازات اجتماعيّة واقتصاديّة جديّة. مثلاً: يحصل المعلمون الذين يدرّسون في بلدة كهذه على استحقاق مشاركة في قسط التعليم بنسبة 75%؛ يحصل المعلّمون، أيضًا، على مشاركة كاملة في مصاريف السفر للدراسة، وعلى مشاركة بنسبة 80% في أجرة السكن؛ تدفع الدولة حصّة المعلّم في صندوق الاستكمال للمعلّمين؛ منح مشاركة كاملة في مصاريف السّفر للمعلّمين في سنة التفرّغ؛ الأولاد الذين يتعلّمون في روضات ما قبل الإلزامية يحصلون على إعفاء من قسط التعليم؛ السلطات المحلّية تحصل على هبة موازنة مضخّمة؛ تخصيص ساعات إضافية تعليمية وفقًا للاحتياجات التعليمية؛ منح تمويل كامل لتركيب شبكات حوسبة في المدارس (بموجب التصديق على البرامج)؛ منح زيادة في الميزانية، مع أخذ الاحتياجات الخاصّة بالمدارس الشّاملة في الحسبان؛ منح أفضليّة في المنح المخصّصة للطلاب الجامعيين؛ يحقّ لكلّ مركز جماهيريّ الحصول على هبة قدرها 100,000 لتشجيع مجموعات سكّانيّة جديدة.
في العام 2003، وبعد عدد كبير من جلسات النقاش في التماس العام 1998، وبعد قرار الحكومة الجديدة من العام 2002، قدّم مركز عدالة، بتوصية من المحكمة، التماسًا معدّلاً. طلب المركز في الالتماس الجديد إلغاء قرار الحكومة في كلّ ما يتعلّق بتحديد مناطق الأفضليّة القوميّة لغرض منح امتيازات في التّعليم و/أو تصنيف كل البلدات العربية كمناطق أفضلية قومية أ، تحظى بامتيازات في مجال التعليم.
وادّعت الدولة ردًّا على ادّعاءات عدالة أنّ مكانة البلدات في مجال التعليم تتحدد على أساس الاختبار الجغرافي والبُعد عن منطقة المركز، وأنه ليس هناك أيّ أساس لادّعاء التمييز ضدّ البلدات العربيّة. ادّعت الدولة، أيضًا، أنّ الحكومة تتمتّع بصلاحيّة اتّخاذ قرارات في ما يتعلّق بتحديد مناطق الأفضليّة وأنّه ليست هناك حاجة إلى سنّ قانون من قبل الكنيست لهذا الغرض.
وكما ذُكر، قبلت المحكمة التماس عدالة ولم تكتف بالإقرار بأن قرار الحكومة مميز، بل وبأن هذا القرار اتخذ بدون صلاحية. في تسويغاته للقرار أشار رئيس المحكمة العليا، أهارون براك، إلى أن الدولة لم تنجح في الإشارة إلى صيغة واضحة ولم تقدّم تفسيرًا مُرضِيًا بشأن تحديد مناطق الأفضلية في مجال التعليم وفق الاختبار الجغرافيّ. النسبة العدديّة بين البلدات اليهوديّة التي حظيت بمكانة منطقة أفضليّة في مجال التعليم وبين البلدات العربية التي حظيت بهذه المكانة، لا تتلاءم مع نسبة المواطنين العرب في الدولة أو مع توزّعهم الجغرافيّ. لهذا السبب أقرّ القاضي براك أن هناك صعوبة جدية في الاقتناع بادعاء الدولة بأن البعد الجغرافيّ هو الاعتبار الوحيد الذي تم أخذه بالحسبان في تحديد مناطق الأفضليّة. وهو بتبنّيه اختبار النتيجة، الذي يتحدّد بناءً على الأثر الذي تُحدثه الممارسة السلطوية، وليس بناءً على النية القائمة في صُلب هذه الممارسة، أقرّ القاضي براك أن قرار الحكومة والاختبار الجغرافي الذي حدّدته يؤديّان إلى نتيجة تميّز ضدّ المواطنين العرب تمييزًا لا يُمكن تقبّله. وقد جاء في أقواله:
"القرار أنه في هذه الحالة، هناك أثر مميِّز باطل ومرفوض، لا يرتكز على أرقام وإنما هو قضية جوهرية. إن قرار الحكومة يتعاطى مع أحد الحقوق الأساس الأوّلية جدًّا، وهو الحق في التعلّم. وإن نتيجته ملوّثة بأحد أشكال التمييز الأكثر "شُبهة"، وهو التمييز على أساس القومية والعِرق. إن المتوقّع هو أن تقوم سياسة الحكومة في هذا المجال بتطبيق المساواة بين اليهود والعرب".
ولغرض تأسيس ادّعاء التمييز تطرّقت المحكمة إلى الحالة الاجتماعية – الاقتصادية المتدنية التي يعيشها السكان العرب، وذلك استنادًا إلى المعطيات التي قدّمها الملتمسون. لقد ذكرت المحكمة، مثلاً، أن نحو نصف البلدات العربية سنة 2002 كانت موجودة في المجموعتين السُّفلَيَيْن من الناحية الاجتماعية - الاقتصادية، وذلك حسَب تقارير دائرة الإحصاء المركزية. وإن نحو 94% من البلدات العربية واقعة في المجموعات الأربع الدّنيا (من بين عشر مجموعات). وقد تطرّقت المحكمة كذلك إلى الفروق الملحوظة بين السكّان العرب والسكّان اليهود في كلّ ما يتعلّق بنسبة الطلاب الذين يتعلّمون في الصفّ الثّاني عشر؛ نسبة تسرّب الطلاب في صفوف التاسع – الحادي عشر ونسبة مستحقّي شهادة البجروت الذين يلبّون متطلّبات القَبول للجامعات.
نائب رئيس المحكمة العُليا، القاضي ميشيل حيشين، انضمّ لموقف الرئيس براك وقد تناول بتوسّع انعدام صلاحية الحكومة في تحديد مناطق الأفضليّة القوميّة، حيث أن الحديث يدور حول قضية تستوجب تشريعًا أوّليًّا تقوم به الكنيست. وقد أقرّ القاضي حيشين أنه أينما قام المشرّع بتسوية أمر ما مباشرة أو لم يقم بتسويته، تُمنع الحكومة من ممارسة صلاحيتها والقيام بتسوية ذلك الأمر. وقد أقرّ حيشين، كذلك، أنّ الحكومة غير مخوّلة مطلقا بالمسّ بحقوق الفرد عن طريق ممارسة صلاحيّتها. إنّ تحويل مبالغ ماليّة كبيرة من ميزانيّة الدولة هو عمليّة تستوجب تشريعًا أوّليًّا، وبناء عليه فالحكومة غير مخوّلة بالقيام بذلك بدلا من المشرّع.
وقد ذكرت القاضية دوريت بينش في قرارها أنّ الحكومة غير مخوّلة مطلقا بالمسّ بحقوق الإنسان وأن تقسيم الدولة إلى مناطق أفضلية قومية قد تمّ من خلال التّجاهل التام للسكّان العرب. ووفقًا لما ذكرته فقد أدّى ذلك إلى مسّ غير متلائم بمبدأ المساواة. وقد تطرّقت القاضية أيلاه بروكتشا إلى أهميّة الحقّ في المساواة في التعليم وإلى الحاجة إلى تقديم الدعم الزائد للمحتاج ودعم القويّ بصورة أقلّ. وقد تبنّى هذه الأقوال، أيضًا، القضاة، إدموند ليفي، إليعيزر ريفلين وسليم جبران.
إن إلغاء صلاحية الحكومة في هذه القضية، وتحويلها إلى صلاحية الكنيست، هو بمثابة وضع عراقيل أمام السلطة التنفيذية في توزيع الامتيازات الاجتماعية - الاقتصادية بصورة مميِّزة. إن قرار المحكمة سيلزم الحكومة بالتصرّف بشفافية أمام الكنيست وأعضائها من المعارضة، وسائل الإعلام ونشطاء المجتمع المدني. إن هذا الإجراء الجديد، الذي لم يكُن قائمًا عندما اتخذت الحكومة القرارات موضوع البحث على عاتقها، سيفسح المجال أمام تحدّ أكثر نجاعة لسياستها المميِّزة.
قبلت المحكمة ادّعاءات عدالة، ردّت ادّعاءات الدولة وألغت قرار الحكومة بكل ما يتعلّق بتقسيم مناطق أفضلية في مجال التعليم. وقد أقرّت، مع ذلك، أن القرار سيكون لاغيًا بعد مضيّ 12 شهرًا من يوم إصدار قرار الحكم. من المهمّ التشديد على أن المحكمة قد ذكرت بوضوح أن قراراتها المعيارية في كلّ ما يتعلق بالتمييز وانعدام صلاحية الحكومة سارية المفعول لتحديد مناطق أفضليّة قوميّة في جميع المجالات التي تمّ تحديدها في قرار الحكومة، وليس في مجال التعليم فقط.
ويرى عدالة في حكم المحكمة قرارًا مهمًّا، يعترف بالتمييز الجماعي الذي يعاني منه المواطنون العرب، التمييز على خلفية القومية والعِرق. إن لقرار المحكمة تأثيرًا ليس على هذه الحالة العينيّة فحسب، والتي نوقشت في الالتماس، وإنما أيضًا على أيّ قرار مستقبليّ لأيّة سلطة حكم، وخصوصًا الحكومة، التي تريد أن تمنح نفسها صلاحية لم تُعطَ لها حسَب القانون، وأن تقوم من خلال ذلك، وبشكل عشوائي، بالمسّ بحقّ المواطنين العرب في المساواة في جميع نواحي الحياة، وخصوصًا الناحية الاجتماعية – الاقتصادية. لقد قبلت المحكمة ادّعاء الملتمسين بأنّ الحكومة، مثلها مثل سائر السلطات الحكومية، تخضع لمبدأ المساواة وحظر التّمييز.