لربما النضال ضد الجدار عبر اللجوء للنظام القانوني الإسرائيلي قد أثار جدالاً واسعًا، ساد على مدار السنوات الأخيرة، ومؤداه إذا كان الالتماس إلى محاكم المحتل من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية قد شكل أداة فاعلة لمقاومة الاحتلال، أم أنه مجرد إضفاء الشرعية لهذا الاحتلال. وما دامت المحكمة العليا الإسرائيلية قد تقاعست عن الالتزام بما جاء في فتوى محكمة العدل الدولية في عدد لا يُحصى من الالتماسات التي قُدمت لها بشأن الجدار، فأنه بات من الواضح أن النتيجة هي إضفاء المشروعية بدلاً من إحقاق العدالة. أما أنصاف الانتصارات البيروسية في قضايا "مفصلية"، مثل "بيت سوريك"2 مراعبة3 وبلعين4 فقد قامت على الفصل في النزاع على أساس تناسبية مسار الجدار، وذلك بدلاً من التعرض لمشروعيته. وبالطبع، ومن منظور الحد من الضرر لما كان من الممكن أن يضيع –مقارنة بما تم تحقيقه- فإنّ الجماعات المتضررة "استفادت" لدرجة القول إنّ خسارة نصف الأرض أفضل من خسارة الأرض برمتها. ومع ذلك، ومن خلال المنظار الأوسع للأمور، فإنّ الفلسطينيين بعيدين عن التمتع بحقوقهم التي نصت عليها فتوى محكمة العدل الدولية. وعلى سبيل المثال، فقد رفضت محكمة العدل العليا عند النظر في قضية مراعبة الفصل في عدد من المسائل المصيرية (رغم أنّ محكمة العدل الدولية قامت بذلك) والمتمثلة بتطبيق معاهدة جنيف الرابعة، مشروعية المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة والعلاقة بين القوانين الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبواسطة هذه القيود التي فرضت على نطاق القضية، لجأت المحكمة العليا إلى التعاطي مع منطق فتوى محكمة العدل الدولية على أساس انتقائي، لحد الاستنتاج العبثي (الأبسوردي) بأنّ "قضية بيت سوريك" والفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية استعانا بـ "إطار عمل معياري مشترك" وبأنّ صلب الموضوع الخاص بالاختلاف بين قرارها الخاص وبين قرار محكمة العدل الدولية ينبع من الخلافات المتعلقة بالحقائق أكثر من كونه نابعًا من التفسيرات القانونية المتضاربة. ومن خلال تصديقها على سياسة الدولة العامة بخصوص بناء الجدار في قلب الأرض المحتلة، وقيامها في ذات الوقت، وبين الفينة والفينة، وببراعة، باسترضاء ملتمسين عن طريق منحهم انتصارات ضئيلة، فإنّ المحكمة العليا كرّست الواجهة الكاذبة التي أوحت بأنها حَكَم نزيه ومتوازي، رغم التفاوت الكبير بين قراراتها وبين قواعد القانون الدولي. ولعل أكثر التأثيرات إيجابية ووضوحًا للفلسطينيين والتي نتجت عن فيض الدعاوى التي قُدمت ضد الجدار، هو الحمل المتزايد النابع من التغييرات على المسار التي أمرت بها المحكمة، على الموارد المالية الإسرائيلية الآخذة في التناقص والمخصصة لاستكمال بناء الجدار. ومع ذلك، ومع وضع المسائل المالية جانبًا، فإنه من الواضح أنّ المحكمة العليا الإسرائيلية ليست المنبر الذي سيجري من خلاله البدء بتطبيق الفتوى. ووفقًا لمحكمة العدل الدولية، فإنه تقع على عاتق جميع الدول التزامات قانونية تقضي بعدم الاعتراف أو المساعدة أو تقديم العون في تشييد إسرائيل للجدار بصفته غير مشروع. وإلى جانب حملات الضغط التي تهدف إلى إحراج الدول سياسيًا في تجاهلها للفتوى، يمكن القيام بخطوات قانونية ضد هذه الدول عبر اللجوء لأنظمتها القضائية، وذلك بهدف إرغامها على تطبيق التزاماتها الناشئة عن الفتوى. وتقوم مؤسسة "الحق" حاليًا بالضلوع في مثل هذه القضية في المملكة المتحدة.5 كما يُحتمل أن يتم استخدام الفتوى لرفع دعاوى مدنية ضد شركات مسؤولة عن توفير العون أو التحريض أو الإنتفاع من بناء الجدار. وعلى مستوى الأمم المتحدة، وفي حال استمر مجلس الأمن في تجاهل الفتوى، فأنه يتعين على الجمعية العمومية أن النظر في إمكانية اللجوء لتدابير جماعية استناداً إلى القرار رقم 377، التوحد من أجل السلام، وذلك لضمان إذعان إسرائيل لنتائج فتوى محكمة العدل الدولية. ويمكن التدابير الجماعية أن تتضمن عقوبات كالتي كانت مفروضة على جنوب أفريقيا بعد احتلالها ناميبيا ونتيجة لنظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي كان سائدًا على أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الأمم المتحدة أن تنسحب من "الرباعية" المتعثرة في حال واصلت الأخيرة التصميم على رفض الاعتراف بالفتوى. وفي حين أفضت الالتماسات إلى المحاكم الإسرائيلية من أجل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين إلى تلطيف التجاوزات في عدد من الحالات الفردية، إلا أنّه تبيّن أنّ المداولات القضائيّة فيما يخص الجدار قد مهدت الأرضية لإضفاء "مشروعية" على الوجه القبيح للاحتلال. المحامون الخاصون ملزمون أخلاقيًا ومهنيًا بالدفاع عن حقوق موكليهم الأفراد. ولكنّ تنظيمات حقوق الإنسان ومجموعات حقوق الإنسان بوسعها أن تبتعد عن الأشجار كي ترى الغابة. على هذه التنظيمات أن تركز على ممارسة الضغوطات الدولية باتجاه تطبيق الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية، كي لا يتعزز الجدار ليكون آخر ثعبان مُتلوٍّ في عملية مدروسة ومحسوبة في الضمّ الزاحف. _____________________ 1. مستشار قانوني، الحق- فرع الضفة الغربية للجنة الحقوقيين الدولية. 2.محكمة العدل العليا 04/2056، مجلس قرية بيت سوريك ضدّ حكومة إسرائيل وآخرين، صدر القرار في 30 حزيران 2004. 3.محكمة العدل العليا 04/7957، زهران يونس محمد مراعبة ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية وآخرين، صدر في15 أيلول 2005. 4. محكمة العدل العليا 05/8414، ياسين ضد حكومة إسرائيل وآخرين، صدر القرار في 4 أيلول 2007. 5.Al-Haq v. Secretary of State for Foreign and Commonwealth Affairs et al. Case pending. Claim filed 24 February 2009, available at: http://www.alhaq.org/pdfs/claim%2024%20feb%202009%20-%20al-haq%20v%20uk%20grounds%20for%20judicial%20review.pdf.
جون رينولدس1