في محاولة جديدة لتشويش عمل المحكمة العليا الإسرائيليّة، صادق الكنسيت الإسرائيلي في 18.7.2007 بالقراءة الأوليّة على اقتراح القانون العنصري الذي قدّمه عضو الكنيست أوري أريئيل (التحالف القومي – المفدال) والذي ينص على أنّه سيتم تخصيص أراضي الصندوق القومي اليهودي/ صندوق أراضي إسرائيل (فيما يلي: "الكيرين كييمت") لليهود فقط. وصوت أغلبيّة أعضاء الكنيست على القانون (64 عضو) بينما صوّت 16 عضو كنيست ضد القانون وامتنع عضو واحد عن التصويت. وكما سنبيّن لاحقًا، يناقض اقتراح القانون آنف الذكر ما جاء في تصريحات المستشار القانوني للحكومة أمام المحكمة العليا، التي وردت في ردّ نيابة الدولة على الالتماس الذي قدّمه مركز عدالة لإبطال سياسة التمييز التي تتبعها "دائرة اراضي إسرائيل" عند تسويق أراضي "الكيرين كييمت".
عدالة: سنلتمس العليا لإبطال القانون إن صادق عليه الكنيست
تسيطر "الكيرين كييمت" على مئات آلاف الدونمات التي كانت بملكيّة العرب، وقامت إسرائيل بعد عام 1948 (في العامين 1949 و 1953) بنقل ملكيّة ما يقارب مليوني دونم للكيرين كييمت. سيلتمس عدالة العليا لإبطال القانون إن صادق عليه الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، بعد التمعن في بنود القانون. كذلك سيقوم عدالة بالعمل على المستوى الدولي ضد الكيرين كييمت وسياستها المميزة والعنصريّة اتجاه العرب وضد هذا التشريع العنصري إن صادق عليه الكنيست الإسرائيلي.
في العام 2004 التمست ثلاث مؤسسات للعليا الإسرائيليّة (عدالة وجمعيّة حقوق المواطن عيادة حقوق الإنسان في جامعة تل-أبيب) لإبطال سياسة دائرة أراضي إسرائيل التي تمنع العرب من الاشتراك بالمناقصات التي تُنشر لتسويق أراضي الكيرين كييمت التي تٌديرها دائرة أراضي إسرائيل:
م.ع. 04/9205، عدالة ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين؛
م.ع. 04/9010، مركز التخطيط البديل وآخرون ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين؛
م.ع. 04/7452، فؤاد أبو ريّا وآخرون ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين.
الكيرين كييمت تسيطر على 13% من أراضي البلاد
تملك "الكيرين كييمت" ما يقارب الـ 2.555 مليون دونم، أي 13% من أراضي الدولة، الموجودة في مختلفة المناطق والألوية في الدولة. فيما يلي قائمة بانتشار أراضي "الكيرين كييمت" وفقًا للألوية المختلفة:
اللواء | المساحة |
القدس | 508 دونم |
الشمال | 1031 دونم |
حيفا | 207 دونم |
تل أبيب | 24 دونم |
المركز | 403 دونم |
الجنوب | 382 دونم |
المجموع: 2.555 دونم |
حولت الدولة ما يقارب ألـ 2 مليون دونم من الأراضي التي سيطرت عليها إلى "الكيرين كييمت" في العامين 1949 و1953 من القرن الماضي، وهذا منح "الكيرين كييمت" مكانةً خاصّة في القانون الإسرائيلي. وأصبحت "الكيرين كييمت" جسمًا حاسمًا وفعالاً في الجدل الجماهيري حول ما يتعلّق بسياسة الأراضي في إسرائيل.
وخلال السنوات الماضية، كبرت مساحة الأراضي التي أصبحت بملكيّة الكيرين كييمت. فيما يلي رسم بياني يوضح زيادة مساحة الأراضي التي تملكها "الكيرين كييمت".
منذ العام 1948 استولت إسرائيل على مساحات كبيرة من الأراضي، إما بواسطة مصادرة الأراضي من العرب ونقلها إلى ملكيّة الدولة، وإما بسبل أخرى. واستولت مؤسسات صهيونيّة أخرى، تُجاهر بأنّها أقيمت لخدمة اليهود فقط، كالوكالة اليهوديّة أو "الكيرين كييمت" مثلاً، على مساحات كبيرة من الأراضي. تسيطر إسرائيل اليوم على ما يقارب ألـ 93% من أراضي البلاد، علمًا بأنّ الأرض هي من أهمّ الموارد وأكثرها تأثيرًا على التطوّر الاجتماعي والاقتصادي.
عدالة ضد دائرة أراضي إسرائيل والكيرين كييمت
التمس عدالة العليا في تشرين الأول 2004 مطالبًا بإبطال السياسة التي تتبعها دائرة أراضي إسرائيل (التي تُدير أراضي "الكيرين كييمت") وإبطال البند 27 من تعليمات "واجب نشر المناقصات"، الذي ينّص على أنّ أراضي "الكيرين كييمت" تُسوّق لليهود فقط، ولا يستطيع العرب الاشتراك في المناقصات التي تُنشر لتسويق هذه الأراضي.
وطلب عدالة من المحكمة في حينه إصدار أمر احترازي يمنع من دائرة أراضي إسرائيل بنشر المناقصات حول أراضي "الكيرين كييمت" إلى أن تصدر المحكمة قرارًا في الالتماس. وادعى عدالة في الالتماس أنّ سياسة دائرة أراضي إسرائيل.
بعد أن قدّم عدالة الطلب لإصدار الأمر الاحترازي، الآنف ذكره، تعهدّت "الكيرين كييمت" أمام العليا، في ردها على الالتماس بتجميد جميع المناقصات لتوزيع أراضيها، كما يلي:
"تعي الكيرن كييمت أن مركز عدالة طلب في التماسه 04/9205، عدالة ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين، إصدار أمر منع لتجميد جميع المناقصات لتوزيع أراضي الكيرن كييمت [...] توافق الكيرن كييمت، بشكل استثنائي، ومن أجل تأجيل موعد الجلسة حتى يتسنى للكيرن كييمت تجهيز ردها، على إصدار أمر منع بشكل جزئي، بحيث يتم تجميد مناقصات جديدة ومناقصات قائمة وقيد البحث في منطقة الشمال والجليل، وهذا حتى موعد الجلسة أو حتى إصدار قرار آخر".
وكانت دائرة أراضي إسرائيل قد اعترفت في المكاتبات التي كانت بينها وبين عدالة في هذا الصدد آب 2004، أنّ هذه المناقصات معدّة لليهود فقط، وأنّ هذه السياسة تعود إلى وثيقة التفاهم التي وُقعت بين دولة إسرائيل و"الكيرن كييمت" في العام 1961 والتي وفقها، تدّعي دائرة أراضي إسرائيل، أنّ عليها احترام أهداف "الكيرن كييمت". وكما هو معروف، فإنّ أهداف "الكيرن كييمت" هي توطين اليهود في إسرائيل.
وادعى عدالة في الالتماس أن دائرة أراضي إسرائيل غير مخوله بتبني مواقف أو أهداف تتناقض مع المبادئ الأساسية، وأنّ مسألة التعاون مع طرف ثالث لا يلغي سريان القانون الدستوري. بالإضافة، إنّ هذه السياسة المميزة تسيء للمواطنين العرب الذين يشكلون أقليّة قوميّة في البلاد. كذلك فإنّ هذه السياسة التي تتبعها دائرة أراضي إسرائيل لا تستند إلى تشريع برلماني، بل تستند فقط على البند 27 لأنظمة المناقصات (1993). وأضاف عدالة إنّ هذا البند يناقض القانون (قانون المناقصات) الذي يمنع بوضوح التمييز على أساس قومي. لذلك فإن سياسة دائرة أراضي إسرائيل والبند 27، الاَنف ذكره، لا يتماشيان والتقييدات التي أدرجت في قوانين الأساس، كونهما يميزان على أساس قومي ولا يعتمدان على تشريعات للبرلمان الإسرائيلي.
إنّ استمرار إتباع هذا النهج سيؤدي إلى خلق مناطق سكنيّة منفصلة لليهود وللعرب: بلدات وحارات يسكنها اليهود فقط، يُمنع العرب من شراء الأراضي فيها أو بناء البيوت عليها. وادعى عدالة أن هذه السياسة تؤدي إلى تكوين مناطق فصل عنصري, مشابهة لما كان في زمن حكم الأبرتهايد في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة في بداية القرن العشرين.
الكيرين كييمت: المسائل التي يطرحها الالتماس تتطرق إلى قضايا أيديولوجية يتوجب مناقشتها واتخاذ قرار في مسألة طبيعة وتعريف دولة إسرائيل كدولة يهودية
في كانون الأول 2004 قدمّت "الكيرين كييمت" ردها على الالتماس الذي قدمه عدالة وعلى التماسات أخرى قدمتها مؤسسات أخرى لإبطال السياسة المُمَيّزة. وفي ردها، ادعّت "الكيرين كييمت" أنّها اشترت الأراضي من أصحابها السابقين بفضل التبرعات التي حصلت عليها من اليهود في جميع أنحاء العالم، بهدف شراء الأرض في إسرائيل، والحفاظ عليها من أجل الشعب اليهودي. "الكيرين كييمت غير مخلصة لجميع الإسرائيليين، وإنما لليهود فقط".
وطالبت "الكيرن كييمت" المحكمة بعدم النظر في الالتماس كونه يتطرق إلى قضايا أيديولوجية تتعلق بطبيعة وتعريف دولة إسرائيل كدولة يهودية, كما وتتعلق بالعلاقة ما بين اليهود في إسرائيل واليهود في الشتات. وجاء أيضًا في الرّد أنّ "المساواة لا تعني حق فلان في السكن تحديدًا في أرض علان. كما لا يحق لليهودي السكن تحديدًا في أراضي الوقف الإسلامي أو على أرض تابعة لإحدى الكنائس, هكذا لا يحق لمن ليس يهودي اختيار ارض مخصصة لليهود, من اجل تحقيق حقه في المساواة".
أما بالنسبة للمطالبة بإبطال البند 27، ادعّت "الكيرين كييمت" في ردّها أنّه حتى إن ألغي هذا البند فإنّ هذا لا يعني بأنّ أراضي الكيرين كييمت ستوزع على غير اليهود، لأنّ دائرة أراضي إسرائيل متعهدّة أمام "الكيرين كييمت" بعدم تسويق أراضيها لغير اليهود، وذلك في اتفاقيّة التفاهم بينهما.
في شهر حزيران 2006، توجّه عدالة لرئيس الحكومة وللمستشار القانوني للحكومة مطالبًا الحكومة بعدم المصادقة على توصيات لجنة "جاديش"، التي قدّمت توصيات لإجراء إصلاحات في عمل دائرة أراضي إسرائيل، إحداها تضمنت تبادل أراضي بين "الكيرن كييمت" والدولة، حيث سيتم نقل الأراضي التابعة للكيرن كييمت والواقعة في مركز البلاد إلى ملكيّة الدولة، على أن تستلم "الكيرن كييمت" مقابلها أراضي أخرى تعادلها قيمتها في الجليل وفي النقب.
وادعى عدالة في الرسالة أنّ نقل موارد عامة لهيئة تعلن عن نفسها أنها تعمل لصالح مجموعة سكانية واحدة، السكان اليهود، وأنها غير ملزمة بالعمل لصالح الجمهور ككل، يشكل مساسًا بمبدأ المساواة وفي الحق الدستوري في الكرامة. وجاء أيضًا أنّ نقل أراضي في النقب والشمال لملكيّة "الكيرن كييمت"، معناه، عمليًّا، أنّ العرب لن يستطيعوا امتلاك أيّ حقوق على هذه الأراضي.
تجدر الإشارة إلى أنّ نصف أبناء وبنات الأقليّة العربيّة (حوالي 55%) يسكنون في لواء الشمال، وحوالي 12.8% يسكنون في لواء الجنوب. تُعتبر مناطق الشمال والجنوب ذات تركيز عال للعرب، فالسكان العرب يشكلون في لواء الشمال أكثر من نصف سكان اللواء (حوالي 51.8%)، بينما تصل نسبتهم في الجنوب إلى حوالي 14% . بالإضافة لذلك، إنّ أغلبية البلدات العربية في البلاد (65%) (ما عدا المدن المختلطة والقرى غير المعترف بها) تقع في منطقة الشمال. وتقع في الجنوب 7 قرى عربية معترف بها، و7 قرى أخرى تم الاعتراف بها مؤخرًا. وهنالك 40 قرية عربية غير معترف بها في النقب، يسكنها حوالي 70،000 نسمة.
بالإضافة، هنالك تمييز في توزيع وتقسيم مناطق النفوذ بين السلطات المحلية العربية واليهودية في هذه الألوية، مما يولد أزمة في السكن ويمنع العرب من إمكانية التطور المستقبلي في أي شكل من الأشكال، مما يؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي/الاجتماعي السيئ أصلاً.
إنّ كل حظر و/أو تقييد لامتلاك الأراضي يُفرض على العرب، إن كان ذلك بواسطة نقل ملكيّة أراضي للكيرين كييمت أو بأية وسيلة أخرى، إلى جانب سياسات مصادرة الأراضي التي انتهجتها الدولة، سيؤدي بالتأكيد إلى تفاقم المشاكل التي يعاني منها المواطنين العرب في مجال الأرض والمسكن. في نفس الشهر صادقت الحكومة على توصيات تقرير لجنة "جاديش".
المستشار القانوني للحكومة: دائرة أراضي إسرائيل مُجبرة بإتباع مبدأ المساواة، حتى عندما تقوم بتسويق أراضي "الكيرين كييمت"
عقد المستشار القانوني للحكومة جلستين في مكتبه بعد تقديم الالتماسات آنفة الذكر، حضر الأولى ممثلون عن دائرة أراضي إسرائيلي وممثلون من مكتب رئيس الحكومة ووزارة الماليّة ووزارة القضاء. وحضر الجلسة الثانية ممثلون من الكيرين كييمت. وجاء في الرد الذي قدّمته نيابة الدولة للمحكمة العليا في أيّار 2007 أنّ "موقف المستشار القانوني للحكومة هو أنّ على دائرة أراضي إسرائيل إتباع مبدأ المساواة، وعدم التمييز على خلفيّة قوميّة، حتى عند تسويق أراضي الكيرين كييمت". وجاء أنّ المبدأ الدستوري الذي يُلزم دائرة أراضي إسرائيل بإتباع مبدأ المساواة في تخصيص الأراضي، يسري أيضًا على أراضي "الكيرين كييمت" حتى وإن كان يتناقض مع الاتفاقيّة الموقعّة بينهما. إلا أنّ المستشار القانوني للحكومة ميّز بين حالات تخصص فيها الكيرين كييمت مثلا مساحة كبيرة من الأرض لبناء بلدة عربيّة. في هذه الحالة، جاء في الرّد، يمكن حل الإشكاليّة بواسطة استبدال أراضي داخليُّا بين الكيرين كييمت ودائرة أراضي إسرائيل.
مستندات متعلقة
اقتراح القانون باللغة العبريّة
مقتطفات من اقتراح القانون بالعربيّة
مقتطفات من التماس عدالة للمحكمة العليا: م.ع. 04/9205، عدالة ضد دائرة أراضي إسرائيل ووزير الماليّة وصندوق أراضي إسرائيل – كانون الأول 2004
مقتطفات من رد صندوق أراضي إسرائيل ("الكيرين كييمت") على التماس عدالة
رد نيابة الدولة على التماس عدالة – أيّار 2007 (باللغة العبريّة)
بيانات للصحافة
أيّار 2007: الأمم المتحدة ترفض طلب الصندوق اليهودي القومي للحصول على مكانة استشارية
أنظروا أيضًا: "دولة يهوديّة وعنصريّة"، هآريتس، 20 تموز 2007.