تنظر محكمة العدل العليا، غدًا، (يوم الأربعاء 30.8.06) عند الساعة 09:00، بتركيبة مؤلفة من تسعة قضاة (برئاسة رئيس المحكمة أهارون براك)، في الالتماس المقدّم من تسعة تنظيمات حقوق إنسان في إسرائيل والمناطق المحتلة، مطالَبةً بإلغاء تعديل القانون الذي يمنع المواطنين الفلسطينيين من المطالبة بتعويضات من دولة إسرائيل على أضرار تسببت لهم بها قوات الأمن، وذلك حتى حين يدور الحديث حول أضرار جرى التسبّب بها خارج إطار العمليات القتالية. وكان تمّ التقدم بهذا الالتماس في شهر أيلول الماضي باسم عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل و مركز الدفاع عن الفرد، وأيضًا باسم الحقّ – القانون في خدمة الإنسان في الضفّة الغربية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزّة، جمعية حقوق المواطن، بتسيلم، أطباء من أجل حقوق الانسان، اللجنة الشّعبية ضدّ التعذيب، وحماة القانون – حاخامون لأجل حقوق الإنسان، بواسطة المحاميين حسن جبارين وأورنا كوهين من "عدالة"، المحامي جيل غان-مور من مركز الدفاع عن الفرد والمحامي دان يكير من جمعية حقوق المواطن.
جرى بحث الالتماس للمرة الأولى في الشهر المنصرم، أمام تركيبة مؤلفة من ثلاثة قضاة، وتقرر إصدار أمر احترازي، وتحويل الالتماس الى البحث أمام تركيبة موسّعة. في أعقاب البحث السابق توصّلت التنظيمات الملتمسة والدولة الى اتفاق بخصوص صيغة الأمر الاحترازي، والذي تمّت المصادقة عليه بعد ذلك من قبل المحكمة. هذا الأمر يجمّد البحث في دعاوى عالقة أمام المحاكم. وكذلك، فهو يحظر على الدولة رفع ادّعاء التقادم بخصوص حوادث ضرر لم تُقدّم فيها دعاوى بعد (أو تمّ تقديم دعاوى فيها وشُطبت)، وذلك لغرض منع المساس بحقّ المتضرّرين في مطالبة الدولة مستقبلاً، إذا ما قرّرت محكمة العدل العليا قبول الالتماس.
استعدادًا للبحث الذي سيجري غدًا، قدّمت التنظيمات الملتمسة وثيقة إلى محكمة العدل العليا، تضم ادّعاءاتها المركزية وردّها على موقف الدولة. ويعرض الملتمسون فيها بالتفصيل، أيضًا، سلسلة من الحالات التي طلبت الدولة فيها رفض مطلب تعويض عائلة قام جنود الجيش الاسرائيلي بتخريب بيتها ونهب أغراض ثمينة منها، حين سيطروا على بيتها لمدة أسبوعين. ويدور الحديث في حالات أخرى حول دعاوى على التسبّب بأضرار فادحة لبيوت، يقتصر جُرم ساكنيها فقط على أن بيوتهم مجاورة لبيوت أخرى هدمها الجيش، وكذلك – حالات تم فيها اطلاق النار على أشخاص، بينهم طفل رضيع عمره سنة ونصف السنة ووالده، خارج إطار العمليات القتالية.
إنّ جوهر تعديل قانون الأضرار المدنية، الذي تمّ إقراره في الكنيست قبل حوالي السنة، هو سلب سكان المناطق المحتلة، رعايا "الدول المعادية" وناشطي "منظمات المخربين"، حق نيل تعويضات مقابل أضرار تسببت بها قوى الأمن، أيضًا في إطار نشاط لم يتمّ تعريفه كقتاليّ (عدا استثناءات ضئيلة جدًا). فالقانون المعدّل يخوّل وزير الأمن بالإعلان عن كلّ منطقة خارج حدود الدولة كـ"منطقة مواجهة"، حتى لو لم يجرِ فيها أيّ قتال، وهو إعلان من شأنه سلب كلّ من تضرّر في تلك المنطقة من الحقّ في مطالبة المحكمة بالتعويض عن ضرر لحق به. وعدا ذلك، فإنّ القانون يسري بأثر رجعي على أضرار وقعت ابتداءً من تاريخ 29.9.2006، وعلى شكاوى لا تزال عالقة أمام المحاكم.
ادّعت التنظيمات أنّ الحديث يدور عن قانون ينتهك، بفظاظة، مبادئ القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي، التي تسري على المناطق المحتلّة، ويمسّ بحقوقٍ أساس، بما يتناقض مع قانون أساس: كرامة الإنسان وحرّيته. وبناءً عليه، كما ادّعت التنظيمات، فهو غير دستوري. فهذا القانون، كما ورد أيضًا، يطلق رسالة قيميًّة خطيرة ومتطرفة، مفادها أنه لا قيمة لحياة وحقوق المتضررين سكان مناطق المواجهة، لأنّ المحكمة لا توفّر لهم أيّ علاج، ولأنّ من يتسبّب لهم بالضرر معفيّ من كلّ شيء. فالحديث، بناء على ما تقدّم، يدور حول قانون غير أخلاقيّ وعنصريّ. وأوامر هذا القانون، كما ادّعى الملتمسون، تلغي، قولاً وفعلاً، الرّقابة على ممارسات الجيش في المناطق المحتلة. وهي تحضّ على عدم إجراء تحقيقات وعدم محاكمة المسؤولين عن حالات الموت والإصابة، التي تسبّب بها إطلاق النار المستهتر أو المتعمّد، التنكيل والتعذيب، النهب وتدمير الممتلكات المدنية. وعليه، فإنّ القانون يمسّ بالحقوق الأساس في الحياة، سلامة الجسد، المساواة والكرامة، الملكيّة، وفي الحقّ في الوصول الى المحاكم. وأكّد الالتماس أنّ المسّ يزداد خطورةً لأنّه يلغي بشكل جارف توفير علاج مقابل المسّ بالحقوق الأساس، وهو إلغاء يماثل إلغاء الحقوق نفسها.
لقد طولبت محكمة العدل العليا في هذا الالتماس بإصدار قرار مفاده أنّ قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته يسري على كافة سكان المنطقة الواقعة تحت سيطرة إسرائيل. فقد قرّرت محكمة العدل العليا، السنة الماضية، في قرار الحكم بخصوص قانون خطّة الانفصال، أنّ قانون الأساس يسري، أيضًا، على مستوطنين يعيشون في المناطق الفلسطينيّة. وهكذا فأيّ قرار بأن قانون الأساس لا يسري على فلسطينيين في نفس المناطق، يخلق نظام أبرتهايد دستوري.
تتطرّق التنظيمات المُلتمسة، أيضًا، إلى أحد الادّعاءات المركزية لدى المبادرين للقانون. وبحسبه، على كلّ طرف أن يتحمّل عبء أضراره: فدولة إسرائيل تتحمّل عبء أضرار مواطنيها، والطّرف الفلسطينيّ يتحمّل عبء أضراره. ليس فقط أنّه لا يوجد مثيل أو نظير في القانون الدولي لهذا المبدأ الجارف، بل إنّه يقوم على فرضية أن علاقات القوّة والسيطرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، متساوية، وأن الحديث يجري عن دولتين مستقلتين، أو عن كيانين متساويين على الأقل، لا توجد بينهما علاقات سيطرة وتبعيّة. هذا المنطق يتجاهل حقيقة أن العلاقات بين المجموعتين هي علاقات دولة محتلة وسكان تحت الاحتلال، وأنّ الدولة المحتلة مُلزمة بقواعد القانون الدولي الإنساني وبحماية سكّان المنطقة المحتلّة.
التماس 8276/05 عدالة وآخرون ضدّ وزير الأمن