قدم مركز عدالة يوم الخميس 30.12.2004 إلتماساً للمحكمة العليا، بواسطة المحامي مروان دلال، ضد المستشار القضائي للحكومة، مطالباً فيه المحكمة بإصدار أمر مشروط تأمر من خلاله المستشار القضائي تقديم لائحتي اتهام ضد الشرطي يوجاف كوجون، الذي تسبب بقتل المرحوم محمود السعدي في 8.12.2003 اثر اطلاق النار عليه من الخلف واصابته بالرأس، وضد الشرطي اَفي تشوفا الذي اطلق النار على الفقيد واصابه بصدره، وذلك وفقا للمادتين 298 و 329 من القانون الجنائي (1977). وقدم مركز عدالة الإلتماس بعد أن قررت نيابة الدولة في شهر أيلول المنصرم رد الإستئناف الذي قدمه عدالة ضد قرار قسم التحقيق مع الشرطة ("ماحاش") إغلاق ملف التحقيق بحجة أن الأدلة لا تشير إلى أن الشرطة ارتكبت أي ذنب. وادعت نيابة الدولة أنه بعد الإطلاع على مواد التحقيق توصلت هي الأخرى إلى نفس النتيجة، أي أن الأدلة تشير إلى أن الشرطة لم ترتكب أي ذنب.
في مساء يوم الثامن من كانون الأول 2003، تابعت سيارتا شرطة، إحداهما خاصة مستأجرة والأخرى تويوتا تتبع للشرطة، مسار سيارة المازدا الفضية التي كان يقودها المرحوم السعدي مع صديقيه. وذلك بعد أن تلقى أفراد الشرطة تقريراً من شرطي اَخر، يدعى تومر فرج، بأن هناك سيارة من نوع مازدا يعتقد أن عيارات نارية أطلقت منها. إلا أن السيارة التي تحدث عنها الشرطي فرج، كما جاء في إفادته، كانت مازدا لونها أبيض استقلها إثنان ذوو ملامح عربية وبحسب تعبيره "بني ميعوطيم". وعندما سئل الشرطي تومر فرج فيما اذا السيارة التي اخبر عنها هي ذاتها التي راها بعد قتل السعدي، اجاب "كلا". وأطلق أفراد الشرطة ما لا يقل عن 15 عيار ناري حي باتجاه محمود السعدي وسيارته. ووفقا لتقرير التشريح الطبي لجثة محمود السعدي يتضح ان الرصاصة القاتلة كانت قد اطلقت من الخلف واصابت راس الفقيد من الجهة اليمنى. وكان الشرطي يوغف كوجن قد اطلق النار من الخلف "باتجاه السائق" على حد تعبيره في افادته، حين شعر بأن حياته مهددة، وذلك عندما راَى ان أضواء السيارة الخلفية كانت بيضاء مما يعني انها كانت متوجهة خلفا نحوه. واطلق الشرطي افي تشوفا رصاصة اخرى اصابت السعدي في صدره من جهة اليسار. وادعى تشوفا بان الشاب السعدي شكل خطرا عليه اذ وجه نحوه مسدسا.
وادعت نيابة الدولة في قرارها أن الفقيد السعدي شكل خطراً على حياة أفراد الشرطة وأن الحادثة حصلت في فصل الشتاء في الظلمة وأن الأدلة تشير إلى أن نوافذ السيارة التي كان يقودها الفقيد كانت داكنة ومن هنا فإن ادعاء الشرطي تشوفا، دون غيره من زملائه أنه راَى الفقيد يوجه مسدساً نحوه هو ادعاء معقول. وأضاف المحامي شاي نيتسان من نيابة الدولة أنه يمكن تبرير قرار الشرطي تشوفا إطلاق النار على الفقيد لغرض الدفاع عن نفسه، إذ أن الفقيد شكل خطراً على حياته.
وبالنسبة للشرطي كوجون، ادعى المحامي نيتسان أن حياته تعرضت للخطر، وذلك بسبب أسلوب قيادة الفقيد للسيارته ونيته الرجوع إلى الوراء ودهس الشرطي. وأضاف نيتسان أن خوف الشرطي كوجون من أن يقوم الفقيد بدهسه هو خوف حقيقي.
وادعى المحامي دلال أن الشرطي كوجون، عند شعوره بالخطر على حياته وفقاً لإدعائه، قام باستعمال أخطر وسيلة للدفاع عن نفسه وهي إطلاق النار مباشرةً على الفقيد، وبذلك أخل الشرطي بواجبه وفق القانون. كما أضاف المحامي دلال أن من واجب الشرطي التحذير بواسطة صرخة ومن ثم عن طريق اطلاق عيار ناري في الهواء. وادعى عدالة بانه لم يكن اي مبرر لاطلاق النار، اذ كان بوسع الشرطي كوجن ان يخطو خطوة واحدة فقط لكي لا يضع نفسه في مسار السيارة، التي لم ترجع الى الوراء وانما حسب تقدير كوجن نوت ان ترجع الى الوراء. كما ان كوجن استعمل اخطر وافتك وسيلة كخطوة اولى وليست اخيرة خارقا واجباته وفقا لتعليمات القانون.
واضاف مركز عدالة في الإلتماس أن الشرطي تشوفا ذاته ينفي ادعاءات النيابة حول صعوبة تشخيص الامور، اذ صرح في افاداته أن الرؤية كانت واضحة وأن مفترق الطرق المركزي الذي تم فيه قتل الفقيد كان مضاء. بالإضافة، ادعى المحامي دلال أن شرطياً اَخراً اكد في إفادته أنه استطاع أن يرى ما يجري داخل السيارة عند النظر الى هناك من خارجها، نافيا بدوره ادعاء النيابة حول "نوافذ السيارة الداكنة".
وجاء أيضاً في الإلتماس أن النيابة لم تستطع أن تفسر تشخيص أفراد الشرطة الخاطئ للسيارة، بالإضافة إلى أنها لم تستطع أن تبرر استعمال الشرطي كوجون لأخطر وسيلة، كخطوة أولى عند شعوره بأن خطراً يهدد حياته. فلم تفسر النيابة مثلاً عدم إطلاق النار على دواليب السيارة أولاً، أو عدم محاولة الشرطي التحرك من مكانه ليتجنب السيارة التي نوت الرجوع إلى الوراء حسب ادعائه. واكد مركز عدالة أن اعتبارات المستشار القضائي للحكومة عدم تقديم لوائح اتهام، رغم الادلة الكثيرة التي تفرض ذلك قانونيا، لا تاخذ حق المزاطن العربي في الحياة على محمل الجدية.
واشار عدالة في الالتماس ان احدا من افراد الشرطة الذين كانوا مع تشوفا حول السيارة لم يدعي ان الفقيد السعدي وجه اي مسدس. وبعضهم نفى ذلك عندما سئلوا مباشرة حول هذا الموضوع. وادعى تشوفا ايضا انه صرخ "مسدس" قبل اطلاقه النار باتجاه السعدي، الا ان هذه الصرخة ايضا لم تسمع من قبل معظم زملاءه افراد الشرطة الذين كانوا معه.
كما وضح مركز عدالة أن تقرير البصمات للمسدس الذي ادعى تشوفا بان محمود حمله يثبت بان محمود لم يحمل اي مسدس. اذ وفقا لهذا التقرير لا بصمات للسعدي على المسدس المذكور. وتجدر الاشارة الى ان تقرير التشريح الطبي لجثة الشاب لا يذكر اي اثار اطلاق نار على اصابعه او على اي كف من يديه. كما ان اول شرطي اقترب من الفقيد السعدي بعد اطلاق النار علية لم يدع بانه راى اي مسدس لدى او بجانب السعدي.
وتدعم افادة المواطن اريك بارؤون الذي تواجد في مكان الحادثة كل الادلة والبينات الموضوعية بان الشاب السعدي لم يشكل اي تهديد لافراد الشرطة وانما اندفاعهم وممارساتهم غير القانونية كانت السبب في ارتكاب جريمة قتل الفقيد. واكد بارؤون في افادته بان سيارة الشاب السعدي وقفت وراء سيارة اجرة عند اشارة ضوئية حمراء، عندما داهمتها سيارة تويوتا بيضاء من الخلف، وسيارة مستاجرة مدنية من اليسار. وخرج اشخاص بزي مدني من السيارة المستاجرة ، واحاطوا سيارة محمود وباشر بعضهم باطلاق النار المكثف نحو سيارة الفقيد. واضاف بارؤون في افادته بانه لم يكن بالامكان التعرف عليهم كافراد شرطة، وفقط بعد ان أطلقوا النار ووجدوا ان شخصا قد قتل (محمود السعدي) وضعوا قبعات الشرطة على رؤوسهم. كما افاد بانه لم ير الفقيد محمود السعدي يوجه اي مسدس نحو احد من افراد الشرطة.
وشدد المحامي دلال أن الإلتماس يثير مسألة مبدأية حول تعامل الشرطة مع المواطنين العرب الذين تشتبه بهم. فاللقاء بين الشرطة والمواطنين العرب تتخلله عادة عدائية من جهة الشرطة، خاصةً إذا كان المواطن شابا. وأضاف المحامي دلال أن قرار المستشار القضائي للحكومة عدم تقديم أية لائحة إتهام ضد المسؤولين عن القتل هو قرار غير معقول، وأن الحقائق حول مقتل الشاب السعدي متفق عليها من قبل الطرفين إلا أن النتيحة القانونية التي توصل إليها المستشار القضائي هي نتيجة خاطئة. وشدد مركز عدالة على واجب المستشار القضائي للحكومة بتطبيق القانون أيضاً على السلطة التنفيذية، خاصةَ عندما تكون الأخيرة قد أخلت بالقانون وسببت إلى موت إنسان، بواسطة ذراعها المسلح: الشرطة.
م.ع. 04/ 12000، لبيبة سعدي واَخرون ضد المستشار القضائي للحكومة