في 27 تموز 2007، أدلى المدير العام لعدالة، المحامي حسن جبارين، بشهادته أمام لجنة الأمم المتّحدة الخاصة التي تحقّق في الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وعلى عرب آخرين في المناطق المحتلة. فخلال جلسة الاستماع هذه، والتي عقدت في عمّان، الأردنّ، قدم المحامي جبارين معلومات بخصوص التطوّرات الأخيرة المتعلقة بالمحكمة الإسرائيلية العليا، الوقع القانوني لذلك على قطاع غزة، وإلغاء حقوق الإقامة في القدس وحظر لمّ الشمل. هذه اللجنة هي هيئة فرعيّة للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، وسترفع تقريرها إلى الجمعية العامة في تشرين الأول 2007. أعضاء اللجنة الحاليون هم السيد ب. كيرياواسام (سيريلانكا) الرئيس السيد م.ب. لاي (السنغال) والسيد هـ. علي (ماليزيا). فما يلي ملخص الشهادة التي أدلى بها المحامي جبارين.
التطورات الأخيرة المتعلقة بالمحكمة العليا الإسرائيلية
في كانون الأول 2006، تقاعد رئيس القضاة أهرون باراك من المحكمة بعد أن أمضى فيها 28 عامًا (1978-2006)، وأصبحت القاضية دوريت بينيش رئيسة للمحكمة. منذ توليها ذلك المنصب، هنالك هجمة جدية من قبل الحكومة الإسرائيلية ووزير القضاء، دانيئيل فريدمان (ناقد شديد لما يراه استلابًا للصلاحيات التشريعة من قبل المحكمة العليا) على المحكمة العليا. ويمكن اعتبار المحكمة تحت الحصار.
على سبيل المثال، اقترح الوزير فريدمان إقصاء جميع القضاة الحاليين الأعضاء في لجنة تعيين القضاة عنها، وإقامة هيئة منفصلة تتولّى مهمة تحضير قائمة المرشحين، وهو ما يزيد من التأثير السياسي على التعيينات القضائية. فحتى يومنا هذا، لم يتم تعيين أي مرشح في المحكمة العليا بدون موافقة ثلاثة قضاة بالإجماع على تعيينات اللجنة. كما أن فريدمان منح رعايته لمشروع قانون يحدّ من مدة ترؤّس القاضي نفسه المحكمة العليا لمدة سبع سنوات؛ تاريخيًا، خدم القضاة حتى سن 70 عامًا، إذ يسري عليهم التقاعد الإلزامي. كذلك، يحاول فريدمان الحد من صلاحيات المحكمة بالنسبة للمراجعة القضائية فيما يتعلق بتشريعات الكنيست. وتؤثر هذه الهجمة على المحكمة العليا عمومًا، وقضاياها المتعلقة بالفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة، خصوصًا.
يمكن وصف المحكمة العليا بأنها محكمة فعّالة (activist court) عمومًا، بالنسبة للقضايا التي تتضمن ملفات/أفرادًا يهود إسرائيليين عمومًا، وهي محكمة شكلانية في الأساس بالنسبة للقضايا التي تشمل فلسطينيين. فالمحكمة العليا غير مستعدّة للتدخّل في القضايا التي تشمل فلسطينيين: لم تكن هنالك قضايا كهذه منذ كانون الثاني 2007.
أمّا بالنسبة لتطبيق قرارات المحكمة العليا التي في صالح حقوق الفلسطينيين، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة تمتنع عن تطبيق قرارات المحكمة العليا التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين. على سبيل المثال، قضت المحكمة العليا في كانون الأول 2006 بأن الحاجز الإسمنتي المقام حول مدينة الخليل في الضفة الغربية هو بمثابة محاولة لتحدّي قرار المحكمة السابق القاضي بمنع الدولة من اقامة الجدار الفاصل على امتداد الطريق، وأمرت الجيش بإزالة الحاجز خلال ستة أشهر. لم تذعن الدولة لقرار المحكمة، إلا أنّ المحكمة أصدرت في تمّوز 2007 أمرًا ثانيًا للجيش بأن يطبّق قرارها وأن يفكّك الحاجز.
من ناحيتها، ترغب الكنيست في قلب قرارات المحكمة العليا التي في صالح حقوق الفلسطينيين رأسًا على عقب. وعلى سبيل المثال، استصدر عدد من منظّمات حقوق الإنسان بما فيها عدالة، في كانون الأول 2006، قرارًا يشكل علامة فارقة من المحكمة العليا، ينصّ على أنّه يحقّ للفلسطينيين التماس تعويض في المحاكم الإسرائيلية عن أضرار تسبّب بها الجيش الإسرائيلي لفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة. إلا أنّ الكنيست تدرس حاليًا قانونًا جديدًا يهدف إلى الالتفاف حول هذا القرار. وقد اقترحت هذا القانون الجديد وزارة القضاء وهي تسعى إلى إعفاء إسرائيل من دفع تعويضات مقابل أضرار لحقت بالفلسطينيين، على الأقل في غزّة. ولم يتم توجيه أيّ انتقاد جدّي ضد مشروع القانون هذا من قبل المشرعين الإسرائيليين اليهود.
2. الوقع القانوني على غزّة
أ. معبر كارني (المنطار)
أحد أبعاد الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس واستيلاء حماس كليًا على غزة في حزيران 2007 هو أن إسرائيل تزعم أنه لا توجد سيطرة فعليّة على غزة. في حزيران وتمّوز 2007، قدم عدالة، الحق، مركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – غزة التماسًا للمحكمة العليا يطالب بإعادة فتح معبر كارني للسماح بدخول الأغراض والمواد الأساسية إلى غزة والخروج منها. وقد حاججت هذه المنظمات بأن إغلاق هذا المعبر الرئيسي منذ أواسط حزيران يخلق أزمة إنسانية.
تدّعي الدولة أن إسرائيل نسقت في السابق معبر كارني مع السلطة الفلسطينية، ولكن نظرًا لكون حماس منظمة إرهابية فلا تستطيع الدولة التعامل معها. لذلك، وفقًا لإسرائيل، ليس هنالك شركاء فلسطينيون بالنسبة للشؤون المتعلقة بغزة.
ب. قانون الإجراءات الجنائية – اعتقال "المشبوهين الأمنيين"
سنّت الكنيست في حزيران 2006 قانون الإجراءات الجنائية (المعتقلون المشتبه بهم بارتكاب جنايات أمنية) (أحكام مؤقتة) - 2006. ويفرض القانون أحكامًا أشدّ صرامة بالنسبة للإجراءات الجنائية بحقّ جميع المعتقلين المتهمين "بجنايات أمنية"، لكنه تمييزيّ في تطبيقه لأن الغالبية العظمى من "المشبوهين الأمنيين" هم من الفلسطينيين من قطاع غزة. ووفقًا للإحصاءات التي تم الحصول عليها من سلطة السجون الإسرائيلية، منذ 6 تشرين الثاني 2006، فقد كان عدد اليهود من بين 9,498 "سجينًا أمنيًا" هو 12 (رسالة تمّ إرسالها من سلطة السجون الإسرائيلية إلى عدالة، 6 تشرين الأول 2006).
يفتقر القانون إلى تدابير وقائية إجرائية للأفراد المشتبه بهم بجنايات أمنية. النواقص القانونية الرئيسية في القانون هي:
1. يتيح احتجاز المعتقل لمدّة تصل إلى 96 ساعة قبل مثوله أمام القاضي، وهي تبلغ ضعفي مدّة الـ 48 ساعة التي يسمح بها قانون الإجراءات الجنائية الإسرائيلي؛
2. يتيح احتجاز المعتقل لمدّة 35 يومًا بدون تقديم لائحة اتهام ضده، مقابل فترة 30 يومًا بموجب قانون الإجراءات الجنائية؛
3. بخصوص مشتبه به صدر أمر باحتجازه لمدة تقل عن 20 يومًا، يسمح للمحكمة بتمديد اعتقاله لمدّة تصل إلى 20 يومًا منذ يوم الاعتقال الأصلي إذا كان الاعتقال الأصليّ قد تم بحضوره؛ خلال هذه الفترة، يُحرم المشتبه به أيضًا من الاتصال بمستشار قانوني؛
4. يتيح الاعتقال لمدة تصل إلى 21 يومًا بدون إمكانية الوصول إلى محام، مثلما هي الحال في قانون الإجراءات الجنائية، وهو أمر يناقض حقوق ومعايير الإنسان الدولية.
تم سن القانون بعد "انفصال" إسرائيل عن قطاع غزة، والذي لم تعد اسرائيل في أعقابه تطبق الأوامر العسكرية على "المشتبهين الأمنيين" من غزة. وهكذا فإن الأحكام الصارمة لهذا القانون ونواقصه القانونية تؤثر في الأساس على سكان غزة.
ت. المطالبة بالتحقيق الجنائي في القتل والهدم الواسع للمنازل في غزة في العام 2004
أجرى الجيش الإسرائيلي في العام 2004 عمليات عسكرية واسعة النطاق في غزة أدت إلى مقتل مدنيين وهدم واسع للمنازل. العمليتان الرئيسيتان كانتا "عملية قوس قزح" (18-24 أيار 2004) و "عملية أيام التوبة" (30 أيلول – 15 تشرين الأول 2004). وقد قدم عدالة في نيسان 2007 التماسًا للمحكمة العليا يطالب به بأن يفتح المدعي العام تحقيقًا جنائيًا في قتل المدنيين والهدم الواسع للمنازل نتيجة لهاتين العمليتين. وحاجج عدالة بأن الأعمال التي ارتكبها القادة والضباط العسكريون الإسرائيليون في هاتين العمليّتين هي بمثابة جرائم جنائية بموجب القانون الإسرائيلي والقانون الدولي على حد سواء؛ في كلتا العمليتين، قام الجيش الإسرائيلي عمدًا بالقتل وبالتدمير الوحشي والواسع للممتلكات المدنية، وهي تُصنف بأنها انتهاكات جدية بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، وبذلك فهي تعتبر جرائم حرب.
توقع عدالة بأن يطلب المدعي العام من المحكمة رفض هذه القضية؛ ولكن، ردّ المدعي العام والمدعي العام العسكري الرئيسي بأنه ينبغي سماع القضية. وأضاف المدعي العام العسكري الرئيسي أن للجيش مصلحة بأن تسمع المحكمة العليا هذه القضايا ليتسنى له إظهار أنه اتخذ جميع الإجراءات الضرورية. هذه القضية ما زالت قيد البحث.
3. إلغاء حقوق الإقامة وحظر لمّ الشمل
أ. قضية حماس – أعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني من القدس
في أعقاب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في كانون الثاني 2006 مباشرة وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط في غزة في حزيران 2006، ألغى وزير الداخلية حقوق الإقامة في القدس لأربعة أعضاء من حماس في المجلس التشريعي. ووفقًا لوزير الداخلية، فإن الأشخاص إما موالون لإسرائيل أو لكيان أجنبي. وفي أيار 2007 قدم عدالة وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل ملخّص طرف ثالث إلى المحكمة العليا حاججا فيها أنه بالاستناد إلى القانون الدولي، لا تستطيع إسرائيل إلغاء إقامة عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني ومنعه من العيش في القدس، إذ أن ذلك هو بمثابة ترحيل غير قانوني من مناطق محتلة. كما استخدم عدالة وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل رأي محكمة العدل الدولية حول مكانة القدس.
شدّد عدالة وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل على أنّه، بموجب القانون الإسرائيلي، لا يمكن تجريد حقوق الإقامة والمواطنة لأسباب سياسية؛ فقد خاض أعضاء المجلس التشريعي انتخابات مفتوحة راقبها العالم ووافقت عليها إسرائيل. لذلك، لا يمكن أن تستخدم إسرائيل انتخابهم ذريعة لإلغاء إقامتهم. بالإضافة إلى ذلك، إذا أقدمت إسرائيل على ذلك، فستوفر هذه السابقة شرعية لترحيل العديد من الفلسطينيين الأصليين في القدس.
ب. قضية قانون المواطنة الجديد
تم سن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، في الأصل، كأمر مؤقت في العام 2003، ليمنع الزوج/ة الفلسطيني/ة من المناطق الفلسطينية المحتلة المتزوّج/ة لمواطن/ة إسرائيلي/ة – فلسطينيون مواطنون في إسرائيل بأغلبيتهم الساحقة - من العيش سوية في إسرائيل. وكانت المحكمة العليا التي انعقدت بهيئة موسعة من 11 قاضيًا قد رفضت في أيار 2006 التماسًا يطعن في القانون بأغلبية 6-5. القاضي السادس الذي انضم إلى قرار الأكثرية قضى بأن القانون غير نسبي لكن رغم ذلك يجب عدم نقضه، وأنه يجب إعطاء الدولة ستة أشهر بغية التخفيف من وطأة التقييدات على لم الشمل. في آذار 2007، وبدلاً من التخفيف من وطأة الحظر، قام الكنيست بتوسيع نطاق القانون ليستثني الزوج/ة من "دول عدوة" يحددها القانون الجديد بأنها سوريا، لبنان، العراق وإيران. توجد للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل علاقات عائلية وعلاقات أخرى مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا ولبنان. كما أنّ الكنيست صوّتت لصالح توسيع نطاق تطبيق القانون حتى تموز 2008.
قدّم عدالة في أيّار 2007 التماسًا ضد القانون الجديد، محاججًا بأنه تمييز على أساس عرقيّ وأنّه ينتهك حق المواطنين الفلسطينيين في حياة عائلية. في جلسة الاستماع الأولى للالتماس، أعلنت رئيسة المحكمة بينيش، التي كانت جزءًا من قرار الأقلية التي صوتت لصالح نقض القانون في أيار 2006، أن تفسيرها للوضع القانوني المحيط بالقانون هو أن هنالك قرار محكمة نهائيًا يدعمه. تختلف هذه القراءة للقرار بشكل أساسي مع ما حاججه عدالة وملتمسون آخرون طعنوا في القانون. حُدّدت جلسة الاستماع التالية لهذه القضية لتشرين الأول 2007. لا يزال هنالك مجال ضيّق للتفاؤل في ما يتعلق بنتائج هذه القضية إذا أخذنا بعين الاعتبار تعرُّض المحكمة العليا للهجوم، ولذلك فهي قد تحجم عن التدخّل في قضايا تضمّ فلسطينيين.
أصدرت لجنة الأمم المتّحدة للقضاء على التمييز العنصري، وبشكل بارز، ملاحظاتها الختامية في آذار 2007 بشأن إسرائيل وأعلنت فيها:
توصي اللجنة بأن تقوم الدولة الطرف بإلغاء قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر مؤقت)، وإعادة النظر في سياستها بقصد تسهيل لمّ الشمل على أساس غير تمييزي. ويجب على الدولة الطرف أن تضمن أن تكون التقييدات على لم الشمل ضرورية تمامًا ومحدودة في نطاقها، وألا يتم تطبيقها على أساس القومية، الإقامة أو العضوية في مجتمع معيّنٍ.