تعرّفتُ برياض عام 1974، حين ساعدنا كطالبٍ جامعيٍّ حينذاك في جهودِنا لتأسيس لجنة الطلاب الثانويين العرب، وكان عزمي بشارة هو الذي زار رياض في بيته قبيل المؤتمر التأسيسي الذي انبثقت عنه اللجنة في مطلع نيسان من ذلك العام. كانت تلك البداية، فقط، لمسيرة طويلة تقاطعت وتباعدت حتى التقينا مُجدّدًا قبل ثماني سنوات في هيئات التجمع الوطني الديمقراطي، أعضاءً في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسيّ.
عملنا سوية ً عن قُرب طيلة السنوات الثماني الماضية، وكانت سنواتٍ حافلةً بالأحداث السياسية العاصفة والمواقف الصّعبة، تحقّقتْ فيها الكثير من الإنجازات إلى جانب الإخفاقات، وعشنا معًا لحظاتِ الفرح وتذوّقنا معًا مرارةَ الفشل. حقًا، كانت فترة كافية كمًّا وكيفًا كي أتعرّفَ على رياض وكي أقدّمَ بعضَ الإضاءات عن صفاته وقدراته- أولاً كقائد حزبيّ وسياسيّ.
رياض أنيس، حنين زعبي، باسل غطاس - 2007 |
بدءًا، لا بدّ لي أن أسجّل للحقيقة وللتاريخ أننا وجدْنا نفسيْنا، رياض وأنا، مُنسجميْن تمامًا في كافة المواقف والقضايا الخلافية التي بُحثتْ داخل الحزب، حتى ظنّ البعض أننا نُنسّق فيما بيننا قبل الاجتماعات الرسمية،والحقيقة أنّ تطابق مواقفنا نبعَ من رؤية سياسية وفكرية وقيم مشتركة، مُضاف إليها خُلوّ جعبتنا من أية أجندة شخصية.
تميّز رياض، كقائدٍ سياسيٍّ، برأي ثاقب وقدرة واضحة على تحليل منهجيّ للأمور، وفصل الغثّ عن السّمين، |
ومن ثمّ استخلاص الاستنتاجات الصحيحة في القضايا الرئيسة. وكان يقوم بذلك مُستندًا إلى فكرِهِ القوميّ الديمقراطيّ وإيمانه العميق بقيم الحرية والمساواة، وخاصة مساواة المرأة وقيم العدل الاجتماعيّ. تميّز ببُغضه الشّديد للتعصّب على مختلف أشكاله ولكلِّ ما يُسهم في التخلف الاجتماعيّ. ولهذا، كانت مواقفه دائمًا مُنحازة من دون تردّد لقضايا التحرّر الاجتماعيّ، إضافة إلى موقف واضح في كلّ ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتمسّك بصلابةٍ بالحقوق الوطنية، وخاصة بعد اشتداد الانقسام على السّاحة الفلسطينية. كان رياض من أوائل المُعارضين لاتفاقية أوسلو والمُدركين لمخاطرها ولكونها لن تجلب السّلام ولن تحقّق شروط الحدِّ الأدنى لضمان بعض العدل النسبيّ في حلّ الصّراع العربيّ الإسرائيليّ.
كل هذا جعل رياض قائدًا سياسيًا وحزبيًا من الطراز الأول، يتمتع بموقع خاص في صفوف الحزب وبين الكوادر، وكان مَثلا يُحتذى، أيضًا، لجرأته وشجاعته ولتواضعه ودماثة أخلاقه مع كلّ الوطنيين، وخاصة مع أعضاء الحزب الشباب. هذه الصفات الشخصية النبيلة جعلته يقيم، أيضًا، علاقاتٍ من نوع خاص مع المنافسين السياسيين، حيث تمكّن من الجّمع بين موقف سياسيّ مُتميّز وحازم بالنسبة لهم، وفي ذات الوقت الحفاظ على علاقات شخصية جيدة وعلى قنوات مفتوحة مع الجميع.
ولعلّ من أبرز مواقفه في السنوات الأخيرة دعمه لترشيح امرأة للكنيست في مكان مضمون في قائمة التجمع، وقد قاتل بصلابة في مؤتمر التجمع الأخير حتى قرّر المؤتمر تحصين مكان لامرأة في الأماكن الثلاثة الأولى. وبفضل هذا القرار الثوريّ وصلت لأول مرة امرأة عربية في الانتخابات الأخيرة إلى عضوية البرلمان، هي الأخت حنين زعبي، التي دعمها رياض شخصيًا منذ ترشّحت في الانتخابات التمهيدية عام 2006 . لقد حظي رياض برؤية هذا الانجاز يتحقّق في حياته وقد شعر برضًى كبير عن دوره الشخصيّ في حدوث ذلك.
إنّ دور رياض وإرثه السياسي لن يذويا بمماته، بل سيبقيان مشعلا مضيئا من مشاعل الحركة الوطنية لأجيال قادمة.