ناقشت المحكمة العليا يوم 27 من شهر آذار الفائت الإلتماس الذي قدمته عدالة ضد قرار وزير الداخلية منع الصحفي والكاتب أنطوان شلحت من مغادرة البلاد لمدة إثني عشر شهرًا، إبتداءً من شهر كانون ثاني 2006. وكان وزير الداخلية قد أصدر قراره بناءً على صلاحياته وفق أنظمة الطوارئ لعام 1948 بذريعة أنّ خروج السيد شلحت من البلاد قد يمسّ بأمن الدولة.
وفي الإلتماس الذي قدمه المحامي مروان دلال يوم 21.01.06 طالبت عدالة المحكمة إبطال قرار وزير الداخلية بمنع السيد شلحت مغادرة البلاد لمدة اثني عشر شهرًا، كما طالب وزير الداخلية عدم استعمال صلاحياته في منع مواطنين من مغادرة البلاد إلاّ في حالة وجود تخوف شبه مؤكد بأنّ الخروج من البلاد سيضرّ بأمن الدولة. بذلك يكون الالتماس قد طالب بتغيير المعايير القانونية الدارجة حتى يومنا هذا، والتي مصدرها قرار المحكمة العليا منذ سنة 1948، والتي بحسبها تكفي الإشارة الى أن هنالك "تخوّف صادق وجدّي" بالمس بأمن الدولة جراء مغادرة البلاد حتى يستطيع الوزير إستعمال صلاحياته التعسفية بمنع الواطنين من مغادرة البلاد.
وجاء في إدعاءات المحامي دلال أمام هيئة القضاة برئاسة رئيس المحكمة العليا أهرون براك والقضاة اليعزر ريبلين وآشير جرونيس، أنّ وزير الداخلية لا يستطيع منع مواطن من مغادرة البلاد طالما أنّ المواطن لا ينوي المغادرة ولم يخطط لذلك. كما أدعى أيضًا أن حقّ المواطن الخروج من البلاد هو حق دستوري وفق قانون أساس حرية الفرد وكرامته، وأنّ منع شلحت من مغادرة البلاد يشكل خرقًا لتعهد الدولة إحترام البند رقم 12 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية منذ عام 1966، والتي وقعت وصادقت عليها إسرائيل.
وأشارت عدالة إلى أنّ ماهية الخطر المزعوم ضدّ السيد شلحت غريبة للغاية، خاصة أنه لم يُستدع للتحقيق أو الاستجواب على يد أي من السلطات المخولة بذلك. وفي تلخيصه لإداعاءاته أمام المحكمة أعرب المحامي دلال عن إستيائه الشديد من السهولة التي يقوم فيها وزير الداخلية والشاباك بتقييد حريات وحقوق دستورية بواسطة صلاحيات تعسفية، واستنادًا إلى مواد سرية، الأمر الذي من غير المعقول أن يحدث إذا كان الحديث عن صحافيين بمستوى السيد شلحت، مثل حانوخ مرموري، عوزي بنزيمان أو توم سيجب.
وبعد الانتهاء من عرض إدعاءات عدالة قامت المحكمة بعقد جلسة مغلقة مع ممثلي الشاباك، فيما تم إخراج الملتمسين من القاعة، فلم يتسن لهم سماع أو معرفة مضمون إدعاءات الشاباك. وبعد إستئناف الجلسة العلنية، وفي جو أختلف كليًا عن القسم الأول من الجلسة ودون الإشارة إلى أسباب عينية، أوصى القاضي براك الملتمسين بسحب إلتماسهم. تجدر الإشارة إلى أنه تم سحب الالتماس على يد الملتمسين منعًا لإمكانية أن تصدر المحكمة قرارًا يصادق على معلومات الشاباك السرية، مما قد يلحق الضرر بالسيد شلحت.
تجدر الاشارة إلى أن الملتمسين كانوا قد أرفقوا التماسهم للمحكمة بإفادتين تشيدان بالسيد شلحت، الأولى من قبل الكاتب سامي ميخائيل، والثانية من قبل البروفسور ساسون سوميخ، الحائز على جائزة الدولة للأدب، والذي درّس الأدب العربي واللغة العربية في جامعة تل بيب لمدة أربعين سنة. ومن بين الأمور التي ذكرها الكاتب ميخائيل كان ما يلي:
"كقارئ لإبداعات ولكتابات أنطوان شلحت إنفعلت من قدرته لإيجاد المشترك، ومن مواظبته في إيجاد قيم إنسانية، ومن طريقة كتابته الجوهرية. أعتقد أن انطوان قد ساهم مساهمة جديرة بالإحترام في الفهم والتقارب والتسامح والصداقة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني عبر كتاباته وترجماته من العبرية إلى العربية، ونشاطاته الجماهيرية. لذا فإنّ كلّ محاولة لتضييق الخناق عليه، عبر أية وسيلة كانت سيخدم دوافع البغيضة والكراهية، مما يحطيم حلم التقارب بين الشعبين"
أما البروفسور ساسون سوميخ فقد صرّح في إفادته:
"إن مقالات شلحت العديدة وكتبه التي صدرت في العقود الأخيرة تشهد على إخلاصه، وتمنحه مكانة ناقد أدبي متميز ومراقب ثقافي فطن ولاذع في كل ما يتعلق بالثقافة العبرية الحديثة. ترجمات السيد شلحت العديدة من الثقافة العبرية تبدو لي ذات قيمة عليا، كقيامه بترجمة كتابات نثرية وشعرية ومسرحية، واود ان أشير إلى أنّ العمل القادم لأنطوان لشلحت هو ترجمة السيرة الذاتية لعاموس عوز "قصة عن الحب والظلام" الذي ننتظر صدوره القريب. ليس لدي شك أن شلحت هو من أفضل المترجمين من اللغة العبرية للعربية في أيامنا، وهو بذلك يشغل دورًا هامًا في خلق حوار بين الثقافتين."
يُذكر أنّ السيد شلحت هو مبدع ومنتج، ويعتبر مترجمًا رائعًا من اللغة العبرية للعربية. من بين إصداراته يمكن أن نحصي مسرحيتين وكتابات أدبية نقدية، إضافة إلى العديد من المقالات النقدية. عمل السيد شلحت محررًا لجريدة الإتحاد اليومية، وكذلك في جريدة فصل المقال. من ترجماته:.
o عاموس كينان، الطريق إلى عين حيرود، 1983
o يشعياهو ليبوبيتش، شعب، أرض ودولة، 1986
o ق. تسيتنيك، المواجهة، 1991.
o باول كور، كاسبيون، السمكة الصغيرة (قصة للأطفال)، 1999
o يهوشوع سوبول، جيتو (مسرحية)، 2000
o حانوخ ليفين، ملكة الحمّام (مسرحية)، 2000.
o بيني موريس، تصحيح خطأ – العرب واليهود في دولة إسرائيل 1936-1956.
إضافة إلى الوارد أعلاه فقد قام السيد شلحت بتحرير ترجمة كتاب الكاتب سامي شالوم شيطريت لللغة العربية: النضال الشرقي في إسرائيل 1948-2003: بين القمع والتحرير، بين التماثل والبديل (2003).
وفي تعقيبه على موقف المحكمة صرّح السيد شلحت: "الإنطباع الواضح هو أنّ الشاباك يتحكّم بكل ما يتعلق بحقوق وحريات المواطنين العرب في إسرائيل. التعسف وعدم النزاهة هما من سمات الشاباك مثله مثل أي حكم ظالم."
وعقّب المحامي مروان دلال قائلا: "لا يمكننا أن نتقبل سيطرة الشاباك غير القانونية على الأقلية العربية في إسرائيل بعد الآن. لذلك فإنّ عدالة ستقوم بشن حملة عنيدة ضدّ الشاباك حتى نكشف وجه هذا الجهاز الحقيقي وإستبداده اللامتناهي بالمواطنين العرب وتصديّه للحقيقة ومبدأ سيادة القانون".
أنظر أيضا: عدالة في التماس للمحكمة العليا: الأمر الذي يمنع الكاتب انطوان شلحت من مغادرة البلاد أصدر دون صلاحية