موجز للاعتراض المقدم على الخارطة الهيكلية للواء القدس
قدم الاعتراضَ مركزُ "عدالة" بمشاركة ائتلاف التنظيمات لحماية حقوق الفلسطينيين في القدس، وباسم سكان من الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية وباسم تنظيمات لحقوق الإنسان وللتغيير الاجتماعي الناشطة في المنطقة. كما قُدم الاعتراض إلى مجلس التنظيم والبناء بتاريخ 24 تشرين الثاني 2008.
- ستؤدي الخارطة الهيكلية للواء القدس إلى تقطيع أوصال الأحياء الفلسطينية في القدس وإلى فصلها الواحد عن الآخر، كما ستمسّ بالحقوق الدستورية الخاصة بسكّان الأحياء الفلسطينية، حيث سيؤدي تخصيص أراضٍ واسعة للشوارع وللسّكة الحديدية إلى مصادرة جارفة لأراضٍ تابعة للسّكان الفلسطينيين، إلى جانب المسّ باحتياطي الأراضي المُتبقي في تلك الأحياء لأغراض التطوير المستقبليّ وسيقلص كثيرًا مساحات الأراضي الكامنة المُعدّة للسّكن ولأغراض التطوير الأخرى.
2. يشير تحليل وثائق الخارطة إلى أنّ هدفها سياسيّ وإلى أنها تهدف إلى ضمان السيطرة الإسرائيلية التامّة والمستديمة على أراضٍ مُحتلة لغرض خدمة السّكان الإسرائيليين إلى جانب ضمان أغلبية يهودية في المستقبل البعيد في منطقة مدينة القدس. وتصديقًا، ورد في الصفحة رقم 8 من "توصيات تعزيز وتطوير مدينة القدس"، من ضمن ما ورد، ما يلي:
"الهدف السكاني المضروب لسنة 2020 يُلزم الحفاظ على الأغلبية اليهودية {...}"
تقييدات على تطوير المناطق الفلسطينية من أجل دفع المصالح الاستيطانية:
3. تقترح الخارطة الهيكلية إنشاء منظومة مواصلات وشوارع تتجاهل المصالح الشرعية الخاصة بالفلسطينيين سكان القدس الشرقية. وستؤدي الخارطة إلى تقطيع أوصال الأحياء الفلسطينية ومنع تطويرها المستقبليّ. كما ستحوّلها إلى جزر معزولة جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ومواصلاتيًا، حتى مع بيئتها الفورية، هذا من دون الحديث عن سدّ أية إمكانية لتطوير تلك الأحياء مستقبلاً، إلى جانب مُراكَمَة الصعوبات أمام تيسُّر الخدمات العامة البعيدة عن هذه الأحياء، ولو قليلاً.
4. في المقابل، وكما يتضح من تحليل وثائق الخارطة الهيكلية، يبدو أنّ الهدف والغاية الأساسييْن اللذيْن وُضعا نصب أعين المخططين كانا المصالح السياسية المتعلقة بتوسيع وتقوية المستوطنات. بما معناه، أنّ منظومة المواصلات موضوع الحديث ستصل بين منطقة "غوش عتصيون" ومنطقة "معاليه أدوميم" وE1 ومنطقة "غفعات زئيف"، كما ستصل بين كل هذه المناطق وبين مركز مدينة القدس وسائر اللواء.
5. فمثلا، يتضح عمليًا من تحليل مسار "شارع الطوق الشرقي" والمسار المقترح لخط السكة الحديدية، أنّهما سيكونان مُعدّيْن لخدمة السكان الإسرائيليين اليهود، فقط، وسيكون من الصعب كثيرًا على السكان الفلسطينيين القاطنين في المنطقة استخدامهما. بكلمات أخرى، تؤدي البنى التحتية المخططة إلى إقصاء السكان الفلسطينيين على خلفية قومية، وهدفها الوحيد تعزيز وتطوير المستوطنات في منطقة القدس الشرقية والضفة الغربية وربطها المباشر والسّهل مع القدس.
6. سيؤدّي تخصيص مساحات أراضٍ شاسعة للشوارع وخط السكة الحديدية إلى مصادرة هذه الأراضي من السّكان الفلسطينيين، كما سيمسّ بالاحتياطي الصغير من الأراضي الذي تبقى في تلك الأحياء لأغراض التطوير المستقبليّ وسيقلص جدًا مساحات الأراضي الكامنة المُعدّة للسّكن ولأغراض التطوير الأخرى، مثل التطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
7. كما أنّ منطومة المواصلات المقترحة، والتي تنضاف إلى جدار الفصل في المنطقة، ستكون حدودًا فيزيائية ملموسة تُصعّب وتقطع أوصال الأحياء الفلسطينية، الواحد عن الآخر، وستحوّلها إلى جزر منعزلة جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ومواصلاتيًا، حتى مع بيئتها الفورية، هذا من دون الحديث عن سدّ أية إمكانية لتطوير تلك الأحياء مستقبلاً، إلى جانب مراكَمَة الصعوبات أمام تيسُّر الخدمات العامة البعيدة عن هذه الأحياء، ولو قليلاً. أضف إلى ذلك أنّ عزل وتقطيع أوصال الأحياء سيُصعّبان جدًا من استمرار تسيير علاقات اجتماعية وعائلية وعلاقات جيرة، إلى جانب العلاقات الاقتصادية القائمة اليوم بين الأحياء.
8. بكلمات أخرى، يتطرق ملحق المواصلات الخاصّ بالخارطة الهيكلية إلى منطقة القدس الشرقية على أنها حيّز خالٍ لا يسكنه أحد. كما يتجاهل مُعدُّو الخارطة وجودَ عدد كبير من البيوت بمحاذاة أو في مسار منظومة المواصلات تلك، وهكذا يرسمون البنى التحتية كما يحلو لهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار للمصالح التخطيطية الشرعية لسكان الأحياء الفلسطينية القائمة. وسيؤدّي هذا الأمر إلى هدم عدد كبير من البيوت وطرد ساكنيها، وفي أفضل الحالات سيؤدّي إلى المسّ مسًّا خطيرًا بجودة حياة السّكان نتيجة للمكاره النابعة من الضجة وتلويث الهواء.
- تفرض الخطة الهيكلية تقييدات عديدة إضافية في تعليماتها، يمكن أن تؤدّي إلى منع أيّ تطوير مستقبليّ للأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية؛ فمثلا، تشترط الخارطة الهيكلية التصديقَ على خرائط هيكلية محلية والحصول على تصاريح بناء، بوجود خرائط هيكلية للمجاري، مُصدّقة قانونيًا. ولكن، وكما هو معلوم، فإنّ غالبية الأحياء الفلسطينية في القدس تفتقر لمنظومات مَجارٍ. وبحسب معطيات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، فإنّ تسعة أحياء/ قرى لا غير من أصل 31 حيًا/ قرية في القدس الشرقية تتمتع بمنظومات مجارٍ.[1] ويُصعّب هذا البند أكثرَ وأكثرَ من الحصول على تصاريح بناء، حيث يشكّل هذا الموضوع، كما هو معلوم، أحد أكثر المواضيع إيلاما لدى السّكان الفلسطينيين.
10. زيادة على هذا، تقرر الخارطة الهيكلية مساحة البلدة القديمة وجوارها، وتقرر الحاجة للحفاظ على طابع المنطقة. وتشذّ حدود البلدة القديمة الواردة في الخارطة الهيكلية، بكثير، عن مسار أسوار البلدة القديمة وتصل أيضًا إلى الأحياء الفلسطينية المجاورة أو القريبة، بحيث يصبح اشتراط تطوير هذه المناطق بعمليات الصيانة والترميم غير علائقيّ وسيُستخدم كتقييد غير مُبرَّر على التطوير. أضِفْ إلى ذلك أنّ الخارطة الهيكلية تُخصّص مساحة كبيرة مجاورة لحيّيْ جبل المكبر والثوري لتكون "محمية طبيعية". ويعني هذا التخصيص تقييدًا على تطوير هذيْن الحيّيْن في هذه المنطقة.
الانتهاكات القانونية الإسرائيلية
- بحسب قرارات الحُكم السابقة، فإنّ نشاطات إسرائيل في المناطق التي تتبع للخارطة الهيكلية، كمناطق محتلة، تخضع لتعليمات القضاء الإداريّ الإسرائيليّ كما تخضغ للقوانين الدستورية، وعلى رأسها قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته. وقد استعانت المحكمة العليا، في السنوات الأخيرة، بقانون الأساس، بنصّه الحرفيّ وبجوهره وروحه، وبالتحليل الدستوري المشتقّ منه، عند تداولها لمسائل تتعلق بحقوق الإنسان الخاصة بسكان المناطق المحتلة.
- القضاء الإداري: جرى اتخاذ قرار إيداع الخارطة الهيكلية موضوع الحديث خلافًا –وبشكل مطلق- لتعليمات الإدارة السليمة وخلافًا للمبادئ الأساسية للقضاء الإداريّ. ورغم كون الخارطة الهيكلية تتطرق وتؤثر على مساحات شاسعة يعيش فيها سكان فلسطينيون، فإنّ لجان التخطيط والمخططين لم يروْا من المناسب فحص كيفية تأثير الخارطة على الأحياء القائمة، وعلى تنقلية السّكان الفلسطينيين في المنطقة وعلى الحاجة لتطوير هذه الأحياء مستقبلا، إلى جانب تأثير تقطيع أوصال الأحياء الواحد عن الآخر وإسقاطات المصادرات الواسعة في المنطقة على أصحاب الأراضي وما شابه.
13. القوانين الدستورية: ادّعى المعارضون، وكما أسهبنا، أنّ الخارطة الهيكلية تمسّ مسًّا كبيرًا بحق السكان الفلسطينيين في الملكية في المنطقة التي تتطرق إليها الخارطة الهيكلية، وفق البند رقم 3 من قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، وبحقهم في الكرامة وفق البند رقم 2 من ذات القانون، الذي يحوي في داخله الحقّ الدستوريّ في المساواة والذي يُلزم السلطات الأخذ بعين الإعتبار، وبالتساوي، لحق السكان الفلسطينيين في التطوير.
14. ستؤدي البنى التحتية لمنظومة المواصلات المقترحة إلى مصادرة جارفة للأراضي الفلسطينية في المناطق التابعة للخارطة الهيكلية، كما ستُصعّب على السّكان الوصول إلى أراضيهم، الأمر الذي يشكّل هو أيضًا مسًّا كبيرًا جدًا بحقّ الملكية الخاص بالسّكان وبقدرتهم على التمتع بالأراضي التي يمتلكونها. وسيؤدي هذا الأمر إلى المسّ بحق السّكان بكسب الرزق والحياة بكرامة واحترام. كما أنّ الخارطة الهيكلية موضوع الحديث تسلب من الأحياء الفلسطينية في المنطقة موارد الأراضي الضرورية للتطوير الحَضَريّ والاقتصاديّ. كلّ هذه الأمور تشكّل تمييزًا على خلفية قومية تصل إلى درجة المسّ بكرامة الإنسان.
إنتهاكات القوانين الدولية
- كما يتضح من تحليل وثائق الخارطة الهيكلية، فإنّ الخارطة ستؤدّي بالضرورة إلى مصادرة أراضٍ فلسطينية محتلة في المنطقة التي تتطرق إليها الخارطة الهيكلية، وهي تمسّ بالحقوق الأساسية للسكان الفلسطينيين في هذه المناطق، بحيث أنّ غايتها الأساسية هي غاية سياسية تتعارض والقوانين الدولية السارية على دولة إسرائيل كقوة محتلة في القدس الشرقية. وتُلزم القوانين الدولية الإنسانية إسرائيلَ بالاهتمام بالاحتياجات الضرورية للسكان المدنيين الكائنين تحت الاحتلال، وبعدم إجراء تغييرات أساسية في المنطقة المحتلة وعدم مصادرة أراضي السكان لأغراض سياسية. في مثل هذه الحالة، وبكلّ يقين وحتى بحسب أهداف الخارطة الهيكلية وغاياتها كما وردت في تعليماتها، فإنّ المسّ بحقوق السكان الفلسطينيين في المنطقة لا يجري لأغراض عسكرية حيوية وفورية تُبرّر، وفق القوانين الدولية، هذا المسّ بشكل مؤقت.
- وكما هو معلوم، قررت الحكومة الإسرائيلية، فور انتهاء حرب 1967، ضمّ حوالي 70,500 دونم من الأراضي المحتلة في شمال وشرق وجنوب القدس (المعروفة اليوم بتسمية القدس الشرقية) إلى إسرائيل. ولم تؤدِّ عملية الضمّ، التي جرت من طرف واحد، إلى تغيير مكانة القدس الشرقية القانونية وفق القوانين الدولية، وظلت، كما كانت عشية الضمّ، أراضيَ فلسطينية محتلة وسكانها مَحميّون وفق معاهدة جنيف الرابعة. وبالفعل، تتطرق محكمة العدل الدولية، في مذكرة استشارة صادرة عنها (Advisory Opinion) بتاريخ 9 تموز 2004 بشأن جدار الفصل الذي تبنيه الحكومة الإسرائيلية، إلى مكانة القدس الشرقية في القوانين الدولية. وقد عادت محكمة العدل الدولية لتؤكّد وبشكل قاطع على أنّ مكانة القدس الشرقية، مثل مكانة الضفة الغربية وقطاع غزة، هي منطقة مُحتلة، أي أنها مكان يسيطر عليه الجيش الإسرائيليّ بشكل فعليّ وفعّال. وتُشكّل القاعدة التي تنصّ على أنّ استخدام القوة يجب أن لا يؤدي إلى نقل أو تغيير ما في السّيادة، أحد المبادئ الأساسية في القوانين الدولية الإنسانية. فمثلا، يحدّد البند رقم 47 من معاهدة جنيف الرابعة الصادرة سنة 1949، سريان المعاهدة على السكان في منطقة محتلة، حتى لو ضُمّت هذه المنطقة إلى القوة المُحتلة.
- وكما أسهبنا، فإنّ الخارطة الهيكلية موضوع الحديث ستؤدي إلى دمار كبير سيلحق بمساحات أراضٍ كبيرة لغرض بناء المستوطنات ومنظومة البنى التحتية، بما في ذلك الشوارع والسّكك الحديدية التي ستُسخّر بالأساس لخدمة سكان المستوطنات والقدس الغربية، خلافًا للبند رقم 53 من معاهدة جنيف الرابعة آنفة الذكر.
- أضف على ذلك البند رقم 147 من المعاهدة آنفة الذكر، الذي ينصّ على أنّ الاستيلاء الواسع على الممتلكات في المناطق المحتلة (Extensive Appropriation) يشكل مسًّا فظًّا لمعاهدة جنيف الرابعة.
- تمنع تعليمات القوانين الدولية الإنسانية القوة المحتلة، أي دولة إسرائيل وجميع مؤسساتها، من تغيير طابع وطبيعة الممتلكات الموجودة في المناطق المحتلة، إلا إذا جرى ذلك جراء احتياجات عسكرية أو لصالح السكان المحليين، كما ورد في البند رقم 43 من نظم هاغ، وبشكل تناسبيّ. الخارطة الهيكلية المذكورة لا تقغ ضمن هذه الاستثناءات، فهدفها الأساسي مثلا تقرر ليكون "تطوير القدس كعاصمة لإسرائيل وكحيّز ذي صلة للشعب اليهودي، الذي يُمكّن من وجود أديان أخرى باحترام".
في ضوء ما تقدم، نطلب من المجلس القطري للتخطيط والبناء إلغاء هذه الخارطة الهيكلية.
[1] الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، المجلد الإحصائي السنوي الخاص بالقدس، رقم 9، الصفحة رقم 128.