النقب في ذكرى النكبة: تهجير رغم التجميد

ناديا بن يوسف |مجلة عدالة الإلكترونيّة، أيّار 2014
أحدًا لم يتوهم للحظة بأن تجميد المخطط سيؤدّي لوقف عقليّة وسياسات التهجير
ناديا بن يوسف| مجلة عدالة الإلكترونيّة، 15 أيّار 2014

لم نستطع، نحن الفلسطينيّون في إسرائيل وأصدقاء فلسطين في العالم، إخفاء الارتياح والفرحة والفخر لإعلان الوزير السابق بيني بيغين إسقاط مشروع قانون برافر وموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على ذلك. إلا أن أحدًا لم يتوهم للحظة بأن تجميد المخطط سيؤدّي لوقف عقليّة وسياسات التهجير الإسرائيليّة في النقب، ووقف المخططات التفصيليّة التي وضعتها الحكومات الإسرائيليّة المتتالية لتهجير عرب النقب، وهي المخططات التي أتى مشروع برافر ليلخّصها في إطار قانوني شامل يسهّل تطبيقها. وقف مخطط برافر إنجاز هام، لكنّ العقليّة من وراءه لا تزال تحيك مخططاتها لتهجير عرب النقب. 

بعد أيام قليلة من الإعلان عن تجميد برافر، عدلت الحكومة عن موقفها وصوتت لصالح الاستمرار بمشروع القانون في إطار وزارة الزراعة وتحت إشراف الوزير يائير شامير. في كانون ثاني 2014، صرّح الوزير شامير أنه يحتاج شهرًا واحدًا من الزمن لمراجعة مخطط برافر ومشروع القانون. منذ ذلك الوقت، لا تزال عملية التشريع مجمدة ولم يُعلن عن الخطوات القادمة بهذا الشأن. التشريع مُجمّد، لكنّ هدم البيوت مستمرٍ وبوتيرةٍ يوميّة. مشروع القانون مُجمّد، لكن عقليّة برافر لا زالت تضرب النقب وتحرقه. أحد سكّان قرية أم الحيران غير المعترف بها أجابنا مبتسمًا حين سألناه عن حال النقب بعد برافر: "لم يوقفوا المخطط، كل ما في الأمر أنهم أعطوه أسماء أخرى."
 
لقد كان من المفترض أن يشكّل مشروع قانون برافر نقطة تحوّل في عمليّات التهجير، من حيث الأدوات المستخدمة والظروف القانونيّة المحيطة بعمليّات الهدم، بما في ذلك ملكيّة الأرض. وقد هدف مخطط برافر بالأساس إزالة جميع العواقب أمام مخططات التهجير القائمة، وتسهيل الانتهاء من تطبيق المخططات الإسرائيلية في النقب، وهي مخططات مستمرة ولم تتغير تقريبًا منذ العام 1948 حتى اليوم، للتخلص من القرى غير المعترف بها. جاء المخطط بأدوات جديدة لتسهيل وتسريع تهجير البدو، كمصادرة حق البدو الدستوري بالتوجه للقضاء لوقف عمليات الهدم والإخلاء بحقّهم، ووضع آليات معقدة تهدف إلى تجريد البدو رسميًا وبشكل نهائي من أراضي آبائهم وأجدادهم عبر حسم دعاوى الملكيّة لصالح الدولة. إن خطورة مخطط برافر كمنت في كونه يضع غطاءً قانونيًا جديدًا يضفي شرعيّة قانونيّة ويقمع كل تحدٍ ممكن للمخططات. ولكن رغم فشل الدولة في فرض هذا الإطار الجديد، لا تزال عمليات الهدم والتهجير، إخلاء وتركيز السكان البدو مستمرة: رغم أن النجاح بإزالة هذا الغطاء هو أمر بالغ الأهمية، إلا أنه لا يكفي لوقف المنهجيّة الإسرائيليّة الجائرة. 

اليوم، أبرز المخططات المستقبلية الهدّامة المعدة للنقب هو المخطط الهيكلي اللوائي "متروبولين بئر السبع"، الذي صادقت عليه الحكومة في كانون أول 2012، رغم أن الاعتراضات التي قدمها السكان العرب البدو ضد هذه المخططات لا تزال عالقة ولم يبت بها بعد. ويضع هذا المخطط الهيكلي مخططات "التطوير" الحكومية للواء بئر السبع، وتفصل خطة مصادرة الأراضي البدوية في النقب وإخلاء وهدم غالبية القرى غير المعترف بها البالغ عددها 35 قرية. فعلى سبيل المثال، يُعد المخطط لإجراء تغييرات طبوغرافية جذرية على التلال المحيطة بقرية العراقيب غير المعترف بها لإتاحة المجال لزراعة مئات آلاف الأشجار في "غابة السفراء" التي يخطط الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) لإقامتها في المكان. كما تعطي الخارطة الهيكليّة الضوءَ الأخضر لمشروع بناء "مجمّع الاستخبارات" على أراضي قريتيّ عويجان والمكيمن، كما ورسّمت حدود توسيع شارع عابر إسرائيل جنوبًا، والذي سيقضي على قرى المسعديّة، القرين، خربة الوطن، بير الحمام، خشم زنّة، وادي النعم، ووادي المشاش. في قرية أم الحيران، صادقت السلطات على هدم القرية عن بكرة أبيها لتُقيم مكانها بلدة حيران اليهوديّة، بينما ستقيم "غابة يتير" على أنقاض قرية عتير التي ستُهدم أيضًا.
 
تضع الخارطة الهيكليّة إطارًا تنفيذيًا للانتهاء من تحقيق ما بدأ قبل أكثر من ستّة عقود، من مخططات اشتركت في دفعها كل الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، متربّصةً بأرض النقب وأهله: السيطرة على أوسع مساحة من الأراضي لصالح اليهود، وحصر العرب في أضيق مساحة ممكنة. هذه المنهجيّة الإسرائيليّة تسعى لمسح الوجه العربيّ البدويّ للنقب، وتبديله بآخر يهوديّ عبر ممارسات جائرة، ويقضي جزء من هذه الممارسات تقييد المساعي القضائيّة وقمع حركة الاحتجاج. 

في يوم النكبة نجدد مطلبنا بإلغاء المخططات الإسرائيليّة الجائرة، وقبول المخطط البديل الذي وضعه المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها بالتعاون مع مختصين في مجالات عديدة وأهالي المنطقة؛ نطالب بالاعتراف الكامل بالقرى غير المعترف بها وبدعاوى الملكيّة على أراضي النقب، والاعتراف بالحق التاريخي للبدو في أرضهم. نطالب بالوقف الفوري لهدم البيوت والحرمان الممنهج لهذه القرى من كل الخدمات الإنسانيّة الممكنة. رغم أننا نرحّب بكل خطوة صغيرة تبعدنا عن لهيب القمع والتمييز، إن كانت خطوة رمزيّة أو فعلية، إلا أن هدفنا الأساسيّ وقف السياسات والنظم التي تسلب الفلسطينيين في النقب حقّهم بالمساواة، الكرامة والحريّة منذ 66 عامًا.