ظُلم مستمرّ: التمييز الصّارخ ضد السجناء السياسيين الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل

ورقة موقف | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 104، نيسان 2013
هذه السياسة تعلن أن أمن الدولة هو أمن السكان اليهود فقط.


ورقة موقف أعدتها المحاميّة فاطمة العجو | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 104، نيسان 2013

قضايا تحديد العقوبات والإفراج المبكر هي من القضايا المعقدة الخاصة بموضوع السجناء السياسيين الفلسطينيين. التمييز ضد المشبوهين والمعتقلين والسجناء السياسيين الفلسطينيين مقارنة مع المشبوهين والمعتقلين والسجناء اليهود الذين ارتكبوا جرائم ضدّ العرب لمجرّد كونهم عربًا – هي حقيقة ليست جديدة.([1]) أحد المجالات التي تشهد تمييزًا بالغ التطرف هو قضية العقوبات القاسية المفروضة على السجناء السياسيين الفلسطينيين، والتمييز في العقوبة بالمقارنة مع السجناء اليهود، والتمييز في سياسة تخفيف العقوبات والإفراج المبكر.

 

أولاً يجب أن نذكر أن دولة إسرائيل لا تعترف بالسجناء الفلسطينيين كأسرى حرب، بالرغم من القواعد السائدة في القانون الدولي، وذلك خلافاً لتعليمات معاهدة لاهاي الرابعة لعام 1907، ولاتفاقية جنيف (الثالثة) بخصوص معاملة أسرى الحرب منذ عام 1949، ([2]) والبروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف من عام 1977.([3]) السجناء الفلسطينيون يقدمون للمحاكمة في المحاكم الإسرائيلية المدنية والعسكرية كمجرمين جنائيين ومخرّبين. ولا تميّز دولة إسرائيل بين السجناء الفلسطينيين الذين هاجموا أو أرادوا مهاجمة جنود وأهداف عسكرية أخرى وبين أولئك الذين هاجموا أو أرادوا مهاجمة مدنيين وأهداف مدنية. وإذا كان الحال كذلك بالنسبة لسكان المناطق المحتلة عام 1967 فكم بالحريّ بالنسبة إلى الفلسطينيين المواطنين والقاطنين في إسرائيل: ففي الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل في حياتهم اليومية من تمييز ضدهم بشكل منهجي وممأسس في كافة مناحي الحياة ولا يحظون بالمساواة مع المواطنين اليهود، فإن مواطنة السجناء الفلسطينيين السياسيين مواطني الدولة تُستخدَم كذريعة للتشديد نحوهم. الجهازان القضائي والسياسي يتعاملان مع السجناء بصرامة بالغة وتُفرض عليهم عقوبات شديدة جدًا ويُحرمون من التسهيلات التي يحظى بها سجناء يهود كثيرون.

 

ومنذ اتفاقيات أوسلو ارتبطت قضية الإفراج عن السجناء الفلسطينيين بالمفاوضات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. أحد إسقاطات اتفاقيات أوسلو القاسية على قضية السجناء هو منح إسرائيل حق اختيار السجناء الذين سيتم الإفراج عنهم كجزء من العملية السياسية – ورغم أن الاتفاقيات السياسية أدّت إلى الإفراج عن آلاف السجناء الفلسطينيين، إلاّ أن هذه الاتفاقيات قفزت عن السجناء الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل بسبب رفض إسرائيل الاعتراف بهم كجزء من النزاع الفلسطيني – العربي – الإسرائيلي، وذلك بحجّة أن الحديث يدور عن مواطني إسرائيل وأن الطرف العربي-الفلسطيني لا شأن له فيهم. ولذلك لم يبق لهؤلاء السجناء سوى المسار القضائي الداخلي. هنا، المقارنة بين السجناء الفلسطينيين السياسيين المواطنين في إسرائيل والسجناء اليهود الذين نفذو جرائم ضد فلسطينيين على خلفية قومية تظهر تمييزًا خطيرًا وبارزًا ومستفزًّا. فالسجناء السياسيون الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل يعانون التمييز ضدّهم مقارنة مع اليهود الإسرائيليين ليس فقط على صعيد العقاب وظروف السجن، وإنما أيضًا على مستوى احتمالات الإفراج المبكر عنهم بواسطة العفو أو تحديد العقوبة أو الإفراج عنهم بعد مضيّ ثلثي فترة الحكم.

 

سجناء فلسطينيون كثيرون أدينوا في المحاكم الإسرائيلية وفُرضت عليهم أحكام بالسجن المؤبّد. القانون الجنائي ينصّ على أنه حين تلزم نوعية الجريمة فرض السجن المؤبّد فإن فترة السجن ليست محدّدة زمنيًا. في القانون الجنائي هنالك 4 جرائم عقوبتها السجن المؤبّد: التمرّد بقصد المسّ بأمن الدولة ]البند 107[، نقل معلومات للعدوّ بمعرفة وعلم وبقصد المسّ بأمن الدولة ]البند 111[، القتل المتعمّد ]البند 300[، والاختطاف من الوصاية من أجل القتل أو التعريض لخطر القتل ]البند 373(ب)[. قانون أساس: رئيس الدولة منح الرئيس صلاحية العفو عن المجرمين وتخفيف عقوبتهم وذلك بتقليص العقوبة أو استبدالها ]البند11(ب) في القانون[. أي أن رئيس الدولة يستطيع تحديد عقوبة السجناء المؤبّدين ويستطيع اتخاذ قرار بالإفراج المبكر عنهم. البندان 29 و30(أ) لقانون الإفراج المشروط عن السجين لعام 2001 ينصّان على أنه يجوز للجنة الإفراج الخاصة تقديم توصية إلى رئيس الدولة لتفعيل صلاحيته وإصدار تعليماته بتحديد عقوبة السجين المحكوم عليه بالسجن المؤبّد، شريطة ألاّ تقلّ الفترة التي يوصَى بتحديدها عن 30 سنة وألاّ تقدّم التوصية قبل مرور 7 سنوات على بدء محكومية السجن. البند 5 لقانون الإفراج المشروط ينصّ على أنه يجوز للجنة الإفراج الخاصة أن تفرج بشكل مشروط عن سجين مؤبد جرى تحديد فترة عقوبته وأمضى على الأقل ثلثي الفترة التي جرى تحديدها، وذلك إذا اقتنعت اللجنة أن السجين يستحق الإفراج وأن إطلاق سراحه لا يعرّض سلامة الجمهور للخطر.

 

حتى عهدٍ قريب لم يحظ السجناء الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل والمحكوم عليهم بالسجن المؤبّد بتحديد فترة حكمهم أو بالإفراج المبكر عنهم. في شهر آب الماضي حدّد رئيس الدولة فترة عقوبة سبعة سجناء فلسطينيين من مواطني إسرائيل محكوم عليهم بالسجن المؤبّد حوكموا قبل اتفاقيات أوسلو وهم في السجن منذ 25 سنة على الأقل.([4]) وحين حدّد رئيس الدولة عقوبتهم بناءً على توصية وزير القضاء فقد اختار العقوبة الأطول من بين العقوبات التي أوصت عليها اللجنة. وعلى مدار السنين حظي السجناء اليهود بمظاهر العطف من مؤسسة الرئاسة ولجان الإفراج المختلفة التي منحت العفو للسجناء وحدّدت عقوباتهم فاقتصرت على عقوبات سهلة نسبيًا وأوصت بالإفراج المبكر عنهم بعد قضاء سنوات قليلة من فترات السجن التي فُرضت عليهم. وفيما يلي قائمة بالحالات التي تقدم الأمثلة على ذلك:([5])

 

·         أعضاء التنظيم الإرهابي السرّي اليهودي، الذين اعتقلوا عام 1984 وأدينوا بقتل ثلاثة طلاب جامعيين عرب في جامعة الخليل وجرح آخرين بإطلاق النيران داخل الجامعة؛ وبتفجير سيارات رؤساء بلديات في الضفة الغربية والتسبب بإصابات بالغة لثلاثة منهم؛ وبالتخطيط لتفجير خمسة باصات مع مسافريهم العرب؛ وبالتخطيط لتفجير المسجد الأقصى في القدس. ومن بين 29 متهمًا من أعضاء التنظيم الإرهابي جرت إدانة 15. ثلاثة منهم حُكم عليهم بالسجن المؤبّد والبقية فرضت عليهم عقوبات بالسجن لمدة سبع سنوات أو أقلّ. وقد رفض الاستئناف الذي قُدّم على العقوبات الخفيفة بحق خمسة من المدانين. وخلال سنوات قليلة أطلق سراح غالبية أعضاء التنظيم الإرهابي من السجن وبقي في الأساس المحكومون بالسجن المؤبّد. وفي نهاية الأمر حدّد رئيس الدولة في ثلاث مرّات فترة محكومية هؤلاء السجناء المؤبّدين وخصم ثلث مدة حكمهم وتمّ الإفراج عن السجناء الثلاثة الذين بقوا في أواخر عام 1990 بعد أن قضوا في السجن أقلّ من سبع سنوات!

·         أربعة فتيان أعضاء تنظيم "كهانا حيّ" أقاموا مجموعة "دورية الانتقام". ألقوا في عام 1992 قنبلة يدوية في سوق اللحامين في حي إسلامي في البلدة القديمة في القدس. قتلوا عربيًا مسنّاً وجرحوا سبعة. حُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح ما بين 5 و15 سنة. منح رئيس الدولة في حينه العفو لاثنين منهما، ومن أدين بالعملية الأساسية حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة وخُففت هذه المدة إلى 10 سنوات.

·         ألن (هاري) جودمان أدين بقتل حارس الأوقاف وجرح أفراد شرطة في المسجد الأقصى، في عام 1982. حُكم عليه بالسجن المؤبّد و40 سنة إضافية، حصل على العفو وأفرج عنه بعد قضاء 15.5 سنة في السجن.

·         في عام 1984 أدين نير عفروني مع إيلي فعنونو بقتل فلسطيني وحكم عليهما عام 1991 بالسجن المؤبّد. في عام 1996 حدّدت وخفضت مدة الحكم على عفروني إلى 20 سنة وبعد سنة خففت إلى 15 سنة وأفرج عنه عام 1999 بعد خصم ثلث مدة حكمه. شريكه الذي ارتكب جرائم إضافية حدّدت فترة حكمه بـ20 سنة وأفرج عنه عام1999 بعد قضاء 8 سنوات في السجن.

·         في عام 1984 قتل دافيد بن شيمول شخصًا وجرح عشرة آخرين على الأقلّ، حين أطلق صاروخ لاوْ على باص مليء بالمسافرين العرب. حُكم عليه بالسجن المؤبّد وبعد فترة حدّدت فترة الحكم وخففت إلى 17 عامًا، وبعد خصم ثلث المدة أفرج عنه عام 1995 بعد قضاء 11 عامًا في السجن.

·         داني آيزنمان وشريكاه ميخال هيلل وجالي فوكس أدينوا بقتل سائق سيارة أجرة فلسطيني عام 1985 وحكم عليهم بالسجن المؤبّد. ميخال هيلل أفرج عنها بعد أن أمضت 5 سنوات في السجن. فوكس أفرج عنه بعد 9 سنوات، وآيزنمان بعد 11 سنة.

·         في عام 1990 قتل عامي بوبر سبعة فلسطينيين من قطاع غزة وجرح 11 حين كانوا ينتظرون للذهاب إلى العمل عند مفترق عيون قارة في مدينة ريشون لتسيون. أدانته المحكمة بالقتل وحكمت عليه بالسجن 7 مؤبّدات متراكمة و20 سنة. في عام 1999 حدّد رئيس الدولة مدّة حكمه وخفضها إلى 40 سنة.

·         في عام 1992 أدين نحشون فولس بقتل مواطنة من مدينة الخليل عام 1990 وحكم عليه بالسجن المؤبّد. وفي عام 1996 تم تحديد فترة حكمه لأول مرّة وبعد سنة حدّدت فترة محكوميته وخفضت إلى 13 سنة. وأفرج عنه عام 1999 بعد خصم ثلث المدة، بعد قضاء مدة 8 سنوات في السجن.

·         يورام شكولنيك قتل في عام 1993 فلسطينيًا كان معتقلاً ويداه مقيّدتان وراء ظهره. شكولنيك أطلق النيران وأصاب المعتقل في ظهره حين كان مضطجعًا على الأرض وخائر القوى. حكم على شكولنيك بالسجن المؤبّد. رئيس الدولة حدّد وخفض مدة الحكم عليه مرّتين: في المرّة الأولى خفضت إلى 15 عامًا وفي المرّة الثانية إلى 13 عامًا. وبعد خصم ثلث المدّة أفرج عنه بعد أن قضى 8 سنوات فقط في السجن.([6])

·         دانئيل مورالي قتل عام 1994 سائق شاحنة فلسطيني، وحكم عليه بالسجن المؤبّد. وفي عام 1999 حدّدت فترة محكوميته وخفضت إلى 20 سنة. وبعد خصم ثلث مدّة عقوبته أفرج عنه وخرج من السجن في أيار 2007، بعد قضاء 13 عامًا في السجن.

 

المقارنة بين السجناء الفلسطينيين والسجناء اليهود المحكوم عليهم بالسجن المؤبد تُظهر العقوبات الصارمة المفروضة على الفلسطينيين في مرحلة فرض العقوبة بالنسبة لنوعية الجريمة وجوهرها مقارنة مع الجرائم التي ارتكبها السجناء اليهود، وتُظهر الرفض المثابر لتخفيف العقوبات المفروضة على السجناء الفلسطينيين والظلم الكبير اللاحق بهم خاصة بالمقارنة مع العقوبات المخففة التي يقضيها السجناء اليهود.([7])

 

  • سامي يونس، من سكان قرية عارة في المثلث، محكوم عليه بالسجن المؤبد بسبب العضوية في خلية اختطفت جنديًا وقتلته عام 1981. حددت فترة عقوبته لمدة 40 سنة سجن، وفي نهاية الأمر أفرج عنه في صفقة شليط. كريم يونس وماهر يونس شريكان في الخلية نفسها مع سامي يونس. في شهر آب 2012 حددت فترة العقوبة لمدة 40 سنة. السجينان أمضيا حتى الآن أكثر من 30 عامًا في السجن!

·         وليد نمر دقّة من سكان باقة الغربية، اتهم بالتورط في قتل جندي عام 1984 وحُكم عليه بالسجن المؤبّد. وخلال السنوات الـ28 التي أمضاها في السجن ظل دقّة متمسّكًا بروايته بأنه سمع عن خطف الجندي في غرف التحقيق التابعة للشاباك، وهي ينفي أي تورّط في الاختطاف والقتل. وفي شهر آب الماضي، وبعد مضيّ 27 سنة على سجنه حُدّدت فترة عقوبته لمدة 37 سنة.

·         رشدي حمدان أبو مخ، من سكان باقة الغربية، مريض بمرض السكري المزمن، ومحكوم عليه بالسجن المؤبّد لأنه كان عضوًا في خليّة اختطفت وقتلت جنديًا عام 1984. شارك في الاختطاف ولكنه لم يشارك في القتل. في شهر آب الماضي حُدّدت مدة عقوبته لفترة 35 سنة.

·         ابراهيم نايف أبو مخ وابراهيم عبد الرازق بيادسة، من سكان باقة الغربية، محكومان بالسجن المؤبد لأنهما كانا عضوين في خليّة خطفت وقتلت جنديًا عام 1984. وهما موجودان في السجن منذ نحو 30 عامًا. في شهر آب الماضي (2012) حُدّدت فترة الحكم الأول لمدّة 40 سنة والثاني لمدّة 45 سنة.

·         أحمد أبو جبر، من سكان كفر قاسم، محكوم عليه بالسجن المؤبّد بسبب عضويته في خلية اختطفت وقتلت جنديًا عام 1984. ورغم أنه أمضى أكثر من 27 عامًا في السجن إلاّ أن فترة حكمه لم تحدّد بعد.

·         في عام 1987 حُكم على مخلص أحمد برغال ومحمد منصور زيادة بالسجن المؤبد؛ الأول بسبب إلقائه قنبلة يدوية على باص للجنود، والثاني بسبب مساعدته ومشاركته في إلقاء القنبلة - التي لم تنفجر ولم يُصَب أحد جرّاء ذلك. في عام 2003 جرى تحديد فترة عقوبة برغال لمدة 40 عامًا وبعد مضيّ 25 سنة في السجن أفرج عن السجينين برغال وزيادة ضمن إطار صفقة شليط.

·         محمود ومحمد جبارين من سكان أمّ الفحم، اعتُقلا عام 1988 وحُكم عليهما بالسجن المؤبد بعد إدانتهما بقتل فلسطيني اشتُبه في تعاونه مع إسرائيل. حُدّدت فترة محكوميّتهم لمدة 30 سنة. محمود لا يزال يقضي فترة حكمه في السجن، بينما أفرج عن محمد ضمن إطار صفقة شليط.

·         سمير سرساري وعلي عمرية من سكان قرية إبطن (حيفا)؛ اعتُقلا عام 1988 وحُكم عليهما بالسجن المؤبّد بعد إدانتهما بالاشتراك في إلقاء قنبلة، في مدينة حيفا، أدّت إلى إصابات بجروح. في عام 1999 حُدّدت فترة حكم عمرية لمدة 40 سنة وأفرج عنه ضمن إطار صفقة شليط، في حين حُدّدت فترة حكم سرساري لمدة 45 سنة. وفي شهر آب 2012 حُدّدت فترة حكمه مرّة أخرى لمدة 30 سنة. سرساري قضى في السجن حتى الآن 25 سنة.

 

يقبع في السجون على الأقل عشرة سجناء سياسيين فلسطينيين مواطنين في إسرائيل لم تحدّد فترة حكمهم رغم أن معظمهم أمضى سنوات كثيرة في الأسر. وهكذا فإن السجناء الذين لم يَقتلوا أو يَجرحوا أحدًا حُكم عليهم بالسجن المؤبّد (بعد أن حوكموا في محكمة عسكرية استنادًا إلى أنظمة الطوارئ رغم كونهم مواطنين في الدولة).([8]) السجناء اليهود جميعًا الذين حوكموا في أعقاب عمليات قتل الفلسطينيين على خلفية قومية جرى تحديد فترة عقوبتهم وحظوا بتخفيفات كبيرة في العقوبات التي فُرضت عليهم، كما أظهرنا أعلاه.([9]) وفي مقابل ذلك، وحتى عهد قريب، لم تحدد فترة محكومية مظم السجناء الفلسطينيين وأولئك الذين جرى تحديد فترة حكمهم، تم لهم ذلك بعد أن أمضى معظمهم عشرات السنين في السجن، والعقوبة التي جرى تحديدها لم تقلّ عن 30 سنة، وفي معظم الحالات حددت العقوبة لمدة 40 أو 45 سنة. وكما ذكرنا سابقًا فإن الدولة بكل مؤسساتها لا تزال ترفض تحديد فترة عقوبة قسم من السجناء.

 

وطيلة سنوات طالب السجناء الفلسطينيون بأن تتساوى ظروفهم مع ظروف السجناء اليهود وبشكل خاص فيما يتعلق بموضوع تحديد مدة العقوبات والإفراج المبكر عنهم، ولكن السلطات رفضت ذلك بصورة ثابتة واستمرت في التمييز ضد السجناء الفلسطينيين. أحد التفسيرات التي تقدم لتبرير التسهيلات للسجناء اليهود هو ضرورة الإفراج عن سجناء يهود كثقل موازٍ للإفراج عن سجناء فلسطينيين ضمن إطار الاتفاقات السياسية. بالطبع هذا التعليل لا يستطيع أن  يبرر التمييز ضد السجناء الفلسطينيين المواطنين في الدولة، لأن الدولة، كما ذكرنا، رفضت طيلة سنوات كثيرة اعتبار السجناء الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل جزءًا من النزاع، وخلال عشرات السنين رفضت الدولة الإفراج عن هؤلاء السجناء ضمن إطار الاتفاقات السياسية بحجة أنهم مواطنو الدولة. إضافة إلى ذلك فإن مبدأ المساواة وسيادة القانون اللذين يشكّلان ركنين أساسيين في النظام القضائي في إسرائيل يُلزمان بالتعامل على قدم المساواة مع جميع السجناء المواطنين في الدولة، يهودًا وفلسطينيين على السواء. وحسب هذا المبدأ السجناء الذين نفذوا جرائم متماثلة يجب أن يحاكموا أمام المحاكم نفسها وبموجب القوانين نفسها، وأن ينالوا عقوبات متشابهة، سواء على صعيد قرار الحكم أو من ناحية المدة التي يقضونها في السجن. وكقاعدة عامة من المفروض أن تعكس العقوبة الفعلية خطورة الجريمة واعتبارات الردع والعقاب. وعند النظر في منح العفو وتخفيف الحكم تُدرَس الظروف الشخصية للسجين، وهنا أيضًا لا يجوز تفضيل السجين اليهودي على السجين الفلسطيني. وبما أن الحديث يدور عن اعتبارات إنسانية لذلك يجب ألاّ تطبّق هذه الاعتبارات على السجناء اليهود فقط، بل يجب أن تسري على الفلسطينيين أيضًا.

 

ويجب أن نذكر أن السجناء الفلسطينيين "يحظون" خلال عشرات السنين التي يقضونها في السجن بزيارات عائلية مختصرة ومقيّدة، وهم محرومون من الإجازات حتى في الحالات الإنسانية البارزة (الأمراض الخطيرة، جنازات الأقارب وبالتأكيد الأعراس أيضًا)، وهم محرومون من الاتصال الهاتفي مع عائلاتهم ولا يحق لهم الاختلاء بزوجاتهم. هذه الحقوق تعطى لعموم السجناء اليهود ويُحرم منها جميع السجناء الفلسطينيين بصورة مطلقة. وعلى سبيل المثال، فإن عامي بوبر الذي كما ذكرنا قتل 7 فلسطينيين وجرح 11، حصل حتى الآن على أكثر من 160 إجازة وخلال فترة سجنه تزوّج وأسّس عائلة.

 

ثمّة ناحية أخرى يمارَس فيها التمييز ضد السجناء الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، هي موضوع الإفراج المبكر لأسباب طبّية. قانون الإفراج المشروط ينصّ على أن لجنة الإفراجات لها الصلاحية بأن توصي بالإفراج المشروط عن سجين أيّامه معدودة أو بحاجة إلى التنفس الاصطناعي أو سجين في غيبوبة أو موجود في حالة عدم معرفة واطّلاع على الزمان والمكان بشكل دائم بسبب وضع جسماني أو تدهور إدراكي. وينصّ القانون أيضًا على أن اللجنة مخوّلة بالإفراج المشروط عن السجن من سجنه إفراجًا مؤقتًا لمدة نصف سنة ويمكن تمديد هذه المدة، لتلقي العلاج الطبي في حالة كون السجين مصابًا بالسرطان أو محتاجًا لزرع عضو حيوي في جسمه. وفي هذا السياق أيضًا يجري التمييز ضد السجناء الفلسطينيين مقارنة مع السجناء اليهود. خلال عشرات السنين لاقى سجناء فلسطينيون كثيرون حتفهم في السجون بسبب الأمراض والمشاكل الصحية. واليوم أيضًا يقبع في السجون الإسرائيلية سجناء كثيرون يعانون مشاكل صحية خطيرة، وبالنسبة لقسم منهم يمكن تفعيل الصلاحية المنصوص عليها في القانون وإصدار التعليمات بالإفراج المشروط عنهم، ولو بشكل مؤقت. ويُذكر أن السجين ميسرة أبو حمدية كان قد توفي مؤخرًا في السجن نتيجة التعقيدات الناجمة عن مرض السرطان الذي عانى منه. صحيح أن المرحوم أبو حمدية ليس مواطنًا إسرائيليًا، ولكن هناك أيضًا تعليمات مشابهة بالنسبة للسجناء الفلسطينيين من سكان المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.

 

وإذا ما تمّ الإفراج المبكر عن السجناء السياسيين الفلسطينيين فإن هذا الإفراج يكون مشروطًا. فإن أمر تخفيف العقوبة يتضمن شروطًا شديدة القسوة، وإذا ما خرق السجين المحرّر هذه الشروط فمن المتوقع أن يُعاد إلى السجن لقضاء بقية فترة محكوميّته التي كانت سارية عشية الإفراج المبكر عنه. هذه الشروط تشدّد أكثر من الشروط المثبتة في قانون الإفراج المشروط الذي ينص على أن الشرط المفروض على الإفراج عن الأسير يُلزم السجين المحرّر بألاّ يرتكب جريمة أو مخالفة أخرى خلال فترة سريان الشرط. للجنة الإفراجات اعتباراتها المدروسة لتقرر بشأن استمرار الإفراج بالشروط التي حدّدتها أو بشروط أخرى تحدّدها، إذا لم يُفرض على السجين سجن فعليّ بسبب الجريمة الإضافية التي ارتكبها خلال فترة سجنه. أوامر العفو الصادرة عن رئيس الدولة التي منحت العفو للسجناء الفلسطينيين نصّت على إلغاء الإفراج المبكر إذا ما ارتكب السجين مخالفة عقوبتها السجن لمدة 3 أشهر، وحسب هذا الأمر لا يتطلب ذلك إدانة في المحكمة. هذا شرط شديد القسوة. السجين سامر العيساوي، من سكان القدس، ألغي الإفراج المبكر عنه في أعقاب زيارته لإحدى ضواحي القدس الواقعة خارج جدار الفصل. ومن المتوقع ان يمضي بقية مدة محكوميته البالغة عشرات السنين بسبب هذه المخالفة التي يمكن تجاهلها. مثل هذه الشروط لم تفرَض على السجناء اليهود الذين أفرج عنهم إفراجًا مبكرًا.

 

علاوة على الظلم الكامن في سياسة التمييز المذكورة أعلاه، فإن هذه السياسة تعلن أن أمن الدولة هو أمن السكان اليهود فقط. المسّ باليهود يشكل مسًّا بأمن الدولة بينما المسّ بالفلسطينيين من قبل اليهود يلقى تعاملاً متساهلاً ومتسامحًا من مؤسسات الدولة. إضافة إلى ذلك فإن سياسة التمييز هذه المستمرة منذ عشرات السنين هي تعبير آخرعن تعامل الدولة العنصري تجاه مواطنيها الفلسطينيين والتعامل الأفضل الذي يحظى به المواطنون اليهود في دولة تطمح لأن تكون دولة ديمقراطية.

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]   انظروا ورقة موقف عدالة وأطباء لحقوق الإنسان والميزان، ظروف سجن غير إنسانية للسجناء الفلسطينيين المصنفين أمنيّين في السجون الإسرائيلية، مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 95، تموز 2012.

 

 

[2]   البند الرابع في الاتفاقية يعدد 8 مجموعات يمكن تصنيف المنضوين تحتها كأسرى حرب. ويندرج ضمن هذه المجموعات مقاتلو المليشيات وحركات المقاومة المنظمة طالما يستوفون عددًا من الشروط القائمة على التمييز بين المقاتلين والمواطنين. انظروا قرار محكمة العدل العليا حول الاغتيالات وكذلك مقالة "لا تجعلوا القانون فزّاعة: تحليل قانون لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية"، أورنا بن نفتالي وكيرن ميخائيلي، مجلة كورنيل في القانون الدولي (2) 36، 234-292 (2004).

[3]   إسرائيل ليست موقعة على هذا البروتوكول وترفض الاعتراف بمكانته العرفية.

[4]   تومر زرحين وجاكي خوري، "بيرس حدّد عقوبات السجناء الأمنيّين الذين سُجنوا قبل اتفاقيات اوسلو"، هآرتس 27.8.2012.

[5]   اعتمادًا على القائمة الموجودة في موقع ويكيبيديا "الإرهاب اليهودي".

[6]   محكمة العدل العليا 89/01 اللجنة الشعبية ضد التعذيب في إسرائيل ضد لجنة الإفراجات، سجن معسياهو في الرملة، إدارة مصلحة السجون وآخرين.

[7]   اعتمادًا على مقابلات مع سجناء سياسيين تمّ الإفراج عنهم.

[8]   انظروا كلمة هيئة التحرير "العدل المتأخر"، هآرتس 29.8.2012.

[9]   باستثناء يغئال عمير، الذي قتل رئيس الحكومة رابين، عقوبته لم تحدد بعد. إن قانون الإفراج المشروط يمنع لجنة الإفراجات الخاصة من التوصية أمام رئيس الدولة على تحديد عقوبة سجين حُكم عليه بالسجن المؤبد، ولكن لا توجد أية قيود على صلاحية رئيس الدولة، بموجب قانون أساس: رئيس الدولة، تمنعه من تحديد عقوبة هذا السجين بمبادرة منه. 

ملفات متعلقة: