حول الجندر والقومية والكونية: الحالة القضائية لتمثيل النساء في إسرائيل
فالمُلتمس والمحكمة تطرقا إلى حقوق التمثيل الملائم لمجمل النساء، افتراضًا، من دون تخصيص ذلك لهوية قومية معينة
عبير بكر | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد20، تشرين الثاني 2005
لا تعاني النساء بنفس القدر من التمييز والقمع؛ فالحديث عن الغبن والقمع برموز مشتركة تجاه جميع النساء قد يؤدي إلى تكريس التمييز وإقصاء النساء اللاتي ينتمين إلى مجموعات ذات مميّزات خاصة، كالمجموعات الإثنية أو القومية. أحد الانتقادات الحادة التي وُجّهت إلى كاثرين مكينون، إحدى طلائعيات النسويّة القضائية، وجهته نساء نسويات ينتمين إلى مجموعات أقلية مغبونة الحق، وخصوصًا النساء الأمريكيات من أصل إفريقي.[1] فحسب توجه هؤلاء النساء، تتجاهل نظرية مكينون، بشأن الغبن النسائي ذي "الهوية الكونية" المتجانسة، أنماطَ الغبن التي يعانينَها كنساء سوداوات، والتي لا تشبه تلك الأنماط التي تعانيها النساء البيضاوات، بل تختلف أيضًا عن أنماط قمع الرجال السُّود.[2] بودّي في هذه المقالة القصيرة تحدّي مفهوم "الهُوية الكونية" للنساء وكشف البُعد العينيّ الذي تتضمّنه. إدّعائي هو أنه لا يصحّ التطلع إلى الهوية الكونية النسائية كنموذج، إلا إذا لم تتعامَ تلك الهوية عن مركبات ومميزات الجماعات النسائية الواقعة ضمنها. سيتم التطرّق في هذه المقالة إلى نضال حركات النساء من أجل تمثيل ملائم في مجالس إدارة الشركات الحكومية في إسرائيل، كمثال يُجسّد كيف أنّ نضالاً نسويًا باسم "كافة النساء"، بكلّ ما حققه من إنجازات لافتة، قد تجاوز فعليًا النساء العربيات. وحين طُلب من المحكمة العليا الاستجابة لالتماس طالَبَ بتمثيل ملائم للنساء العربيات كمجموعة مُميّز ضدها لم تذق حتى اليوم طعم الفوز القضائي الذي تحقق في مسألة تمثيل النساء، اختارت هذه المحكمة توجهًا وتسويغاتٍ قضائية تختلف عن تلك التي انتهجتها حين طلب منها قبول التماس تمثيل النساء تحت الهُوية "الكونية". وهنا، سيساعد تحليل الخطاب القضائي في الحالتيْن على مواجهة التعريفات القائمة بخصوص من يكُنَّ "نحن النساء"، ومتى يمكن التحدّث باسمنا جميعًا، نحن النساء.
شهدت الفترة بين السنوات 1993 و 2000 زيادةً ملحوظةً على تمثيل النساء في مجالس إدارة الشركات الحكومية. ولا يختلف اثنان على أنّ الطريق إلى تلك الزيادة جاءت إلى حد غير قليل بفضل النضال النسويّ في إسرائيل من أجل زيادة تمثيل النساء في مجالس إدارة الشركات الحكومية. وقد بدت النتائج المؤكدة للنضال النسويّ في هذا الخصوص من خلال التعديل رقم 6[3] الداخل على قانون الشركات الحكومية في سنة 1975[4]، والذي أمر وزراء الحكومة بالعمل على توفير تمثيل ملائم للجنسين في تركيبة مجالس الإدارة في كل شركة حكومية[5]. فقد حدّد ذلك التعديل الطريقة المُلزمة التي يتوجّب على الوزراء العمل والسلوك حسبَها، حين يقترحون مرشّحًا لمجلس إدارة ما، وأقرّ أنه "إلى حين تحقيق التجسيد الملائم يقوم الوزراء، قدر ما تسمح حيثيات القضية، بتعيين عضو مجلس إدارة من الجنس غير الممثّل بشكل ملائم في مجلس إدارة نفس الشركة، في ذلك الحين".
بعد مرور حوالي السنة على تعديل القانون التمس "لوبي النساء في إسرائيل" إلى المحكمة العليا وطلب تطبيق البند الذي يلزم بمنح تمثيل ملائم للنساء بشكل فعليّ، بحيث يزيد تمثيل النساء في مجالس إدارة الشركات الحكومية.[6] وقد طالبت الملتمسات بإلغاء عملية تعيين عضو مجلس إدارة شركة "الموانئ والقطارات" وعضوي مجلس إدارة في شركة "مصافي تكرير النفط". وكان الادعاء المركزي في الالتماس هو أنه في ضوء تعديل قانون الشركات الحكومية بشأن منح تمثيل ملائم للجنسيْن، كان من الممكن تفضيل تعيين نساء في كل واحدة من الوظائف الثلاث المذكورة، وأنّ عدم تعيين نساءٍ يُشكّل تجاهلا مطبِقًا لتعديل القانون وانتهاكًا لما نصّ عليه، وعليه يجب إلغاء التعيينات. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ "لوبي النساء" لم يقترح على المحكمة مُرشّحة محددة ذات معطيات من شأنها أن تلائم إحدى الوظائف الثلاث التي شغرت. وقد قررت المحكمة بالغالبية إلغاء قرار التعيين وأقرت أنّ قرار الوزراء تجاهل أوامر القانون كونه لم يفحص كافة الإمكانيات لتعيين نساء. وقد توقف القاضي ماتسا مليًا، في قراره المطوّل والمسوّغ، عند جوهر التفضيل الإيجابي، والعلاقة بينه وبين الغبن التاريخي، وكونه وسيلة لتعويض الفرد أو (المجموعة) المنتمييْن إلى شريحة ضعيفة، عن أخطاء التمييز التاريخي التي عانى منها (الفرد أو المجموعة) في الماضي[7]. للوهلة الأولى يبدو أنّ لغة القرار السالف وتأكيداته الوضعيّة قد تطرقت إلى كافة النساء كوحدة واحدة.
بعد القرار المذكور طرأ ارتفاع ملحوظ على نسبة تمثيل النساء في مجالس إدارة الشركات الحكومية. ووصلت نسبة النساء في تشرين الثاني 1995، بعد سنة من إصدار قرار المحكمة، إلى 15% في مقابل 7% عام 1994. وفي عام 1996 طرأ ارتفاع إضافيّ على نسبة تمثيل النساء وقد وصلت إلى 26%. وفي العام 2001 كانت نسبة النساء عضوات مجالس إدارة الشركات الحكومية 37%.[8]
في ظاهر الأمر، يبدو الارتفاع في عدد النساء مؤشرًا على وجهة إيجابية لتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسيْن، وبشكل سريع. ولكن تأملاً معمّقًا أكثرَ في الشكل الذي طبّق به وزراء الحكومة أوامر القانون ومُستخلصات قرار المحكمة في التماس "لوبي النساء" الأول، يدلّ دونما بذل عناءٍ على أنّ ارتفاع عدد النساء في مجالس الإدارة والذي تم، افتراضًا، باسم مبدأ "المساواة"، ليس سوى ممارسة كرّست وعمّقت من التمييز ضد النساء العربيات. ويُستدلّ من فحص لعدد النساء العربيات عضوات مجالس إدارة الشركات الحكومية عام 2001، أنه من بين النساء الـ 216 العضوات في مجالس إدارة الشركات الحكومية في حينه، كانت بينهنّ 7 نساء عربيات فقط.[9] معنى ذلك أنّ الدولة فسّرت، بإدراك أو بغير إدراك، قرارَ المحكمة في التماس "لوبي النساء"، الذي شقّ الطريق وحدّد الوجهة نحو رفع تمثيل كافة النساء، على أنه قرار هدف لإنصاف النساء اليهوديات فقط. وكانت نتيجة إقصاء النساء العربيات عن دائرة سريان قرار المحكمة وأوامر القانون بشأن منح تمثيل للنساء بوصفهنّ نساءً، هي التمييز ضدهنَّ على خلفية جندرية - قومية.[10]
في 30.05.2000 صُودق على تعديل قانون الشركات الحكومية الذي أضاف للقانون بندًا ينصّ على وجوب تمثيل ملائم للمواطنين العرب في تركيبة كل مجلس إدارة شركة.[11] وكما فعل في التعديل رقم 6 بشأن واجب التجسيد الملائم للجنسيْن، حدّد المُشرّع في هذا التعديل أيضًا، الطريق التي يتوجّب أن يعتمدها الوزراء للعمل على تحقيق التجسيد الملائم، بالقول: "إلى حين تحقيق تجسيد ملائم للتمثيل المذكور، يقوم الوزراء ، قدر ما تسمح حيثيات القضية، بتعيين أعضاء مجالس إدارة من بين المواطنين العرب". وبعد مرور سنة ونصف السنة على التعديل المذكور تبيّن أنّ المواطنين العرب غير مُمثَّلين في مجالس إدارة الشركات الحكومية. فمن بين 584 عضوًا في مجالس الإدارة كان هناك 25 عضوًا، منهم 7 نساء فقط، من المواطنين العرب[12] (4.28%). ويُستدلّ من فحص مُعمّق أجري حول توزيعة العرب في الشركات الحكومية أنّ عددًا من الوزارات الحكومية لم تقترح بتاتًا أيَّ مرشح أو مرشحة من العرب لعضوية مجالس إدارة الشركات الحكومية. فمثلا، يتضح من معطيات تلقاها مركز "عدالة" من سلطة الشركات الحكومية أنه ومنذ إدخال التعديل رقم 11 على القانون، قدّم وزير التربية والتعليم أسماء 16 مرشحًا من طرفه، لم يكن من بينهم أيُّ عربيّ؛ وزير البُنى التحتية اقترح 66 مرشحًا، بينهم عربيان لا غير؛ وزير المالية اقترح 33 مرشحًا بينهم عربي واحد فقط. هذه المعطيات، إضافةً إلى عدم تطبيق القانون ولا قرار المحكمة الأول بخصوص "لوبي النساء" بالنسبة للنساء العربيات، إلى جانب المراسلات الواسعة التي أجراها مركز "عدالة" مع وزراء الحكومة بالشأن وهي قيد البحث منذ 1997 والتي لم تثمر، قادت مجتمعة إلى تقديم التماس للمحكمة العليا في أواخر سنة 2001. [13]
جرى الادعاء في الالتماس الذي قُدم باسم "عدالة" وبواسطته، أنّ الوزراء لم يقوموا بواجبهم الذي ينصّ عليه القانون تجاه النساء العربيات منذ تعديل القانون بخصوص واجب تمثيل النساء (1993)، وكذلك الأمر بخصوص كافة المواطنين العرب، منذ تعديل القانون بشأنهم (2000). وقد أكّد "عدالة" فيما يخص النساء العربيات على أهمية الاعتراف بهنّ كمجموعة منفصلة تعاني تمييزًا تاريخيًا خاصًا، يختلف عن النساء اليهوديات والرجال العرب. وتم التأكيد في الالتماس على أنّ فشل الوزراء وعدم قيامهم بدورهم تجاه النساء العربيات قد بدأ منذ عام 1993 حين تم تعديل القانون وإقرار واجب الوزراء تعيين نساء حتى تحقيق التجسيد الملائم. وقد أخلّ الوزراء بواجبهم عبر امتناعهم عن تعيين نساء عربيات. وعليه، فإنّ هؤلاء النساء تعرّضنَ لتمييز مضاعف؛ مرةً على خلفية جنسهنّ ومرة أخرى على خلفية قوميتهنّ. بكلمات أخرى، طلب "عدالة" أن يجري شملُ النساء العربيات في مفهوم "التمثيل الملائم للنساء" الذي جرى الخوض فيه بتوسّع وعمومية في قرار المحكمة الأول، وبالتالي إعطاؤه معنى كونيًا يشمل ويجسّد أولئك النساء. في هذا الالتماس طُلب من المحكمة أن تُوضح المصطلح "تمثيل ملائم للنساء" بما لا يجعله متعاميًا عن مُركّبات مجموعات هؤلاء النساء.
لم تعترض الدولة، من خلال النيابة، على انعدام التجسيد الملائم بخصوص العرب، نساءً ورجالاُ، ومع ذلك، ادّعت أنّ واجب الوزراء المنصوص عليه في القانون بالعمل على تعيين عرب ليس مُطلقًا بل نسبيٌ، وهو يرتبط بـ " قدر ما تسمح به حيثيات كل قضية". فمن جهة الدولة، جاء واجب الوزراء بالعمل على تعيين عرب مع تعديل القانون (2000) فقط، أي قبل كتابة الردّ على الالتماس بعشرين شهرًا. وردّت النيابة حول كل ما يخصّ ادعاء "عدالة" بشأن النساء العربيات اللاتي تمت مخالفة واجب الدولة تجاههنَّ منذ 1993 بأنها لا تعترف بواجب خاص تجاه النساء العربيات، ولو كان هناك واجب كهذا، فيجب القيام بذلك في القانون[14]. وأضافت الدولة أيضًا:
"يود الوزراء التأكيد على أنه رغم أنه لا يوجد واجب خاص لتمثيل ملائم للنساء العربيات في مجالس الإدارة للشركات الحكومية، فإنهم يعملون على العثور على مرشحات نساء من المواطنين العرب، وتعيينهنَّ عضوات مجالس إدارة. مع ذلك، فإنّ الجهود تؤدي إلى العثور على عدد قليل نسبيًا من النساء العربيات، قياسًا بنساء أخريات أو برجال عرب"[15] (التشديدات ليست في الأصل، ع. ب.)
ردّ الدولة يوضح نفسَه بنفسِه. فبالنسبة لها، الواجب هو تعيين نساء، وليس تعيين نساء عربيات بالذات، وإرساء واجبها بتعيين نساء عربيات يجب أن يتم من خلال القانون. أمّا في غياب العينية بشأن هوية النساء من نصّ القانون، فإنّ الدولة معفية من تأويله كما لو أنه يشمل واجب تعيين نساء عربيات.
لقد أشارت الدولة، أيضًا، إلى أنها تعمل على العثور على مُرشّحين، ولكن لم يُذكر شيء بخصوص طبيعة ومدى تلك الجهود. وبدلا من ذلك قيل في الردّ، إنّ نجاحها المحدود في العثور على نساء عربيات ليس نابعًا من نوعية جهودها بل من العرض الضئيل نسبيًا في المرشحات الملائمات. وقد قبلت المحكمة موقف الدولة وردّت الالتماس وأقرّت بأنه يجب ترك الدولة تواصل العمل على رفع تمثيل المواطنين العرب في مجالس إدارة الشركات الحكومية. أما عن فشل الدولة في تأويل القانون وقرار المحكمة العليا، اللذيْن يشملان ضمنيًا نساءً عربياتٍ أيضًا، فلم يتم ذكر أيّ شيء في قرار الحكم. إنّ قرار المحكمة بخصوص عدالة هو قرار إشكالي، سواءً أكان ذلك على المستوى الحقائقيّ أم القضائيّ.
يكتب رئيس المحكمة، القاضي براك، في قراره، أنّ الطرفين لا يختلفان بخصوص واجب المدّعى عليهم (الوزراء) وفق بنود القانون التي تُلزم بتمثيل ملائم للنساء وللمواطنين العرب على حد سواء.[16] فحسب رأي براك، الخلاف بين الطرفين هو حول: "ما هي وتيرة تطبيق الواجبات الملقاة على المدّعى عليهم من كافة بنود القانون"[17]. وهل "يمكن الاستخلاص بهذا الشأن، من الوتيرة التي طُبقت بها تلك البنود تجاه مجموعات مستحقّة أخرى".[18] ومن غير الواضح كيف توصّلت المحكمة إلى الاستنتاج الذي توصلت إليه بشأن الخلاف بين الطرفيْن. فالخلاف بينهما كان واضحًا منذ البداية: الدولة، بواسطة وزرائها، لم تطبّق ما جاء في القانون بخصوص النساء العربيات منذ ما يزيد عن ثمانية أعوام، في حين أنه بُوشر بذلك بخصوص النساء اليهوديات؛ الدولة لم تقدم أيَّ شرح تفصيلي بشأن جهودها للعثور على نساء عربيات ملائمات؛ ولم تقدّم الدولة أيَّ تفسير مقنع لادعائها بأنّ واجبها تعيين نساء عربيات جاء بعد قوننة واجب التمثيل الملائم للمواطنين العرب، فقط، وليس من خلال التعديل الذي سبقه بسنوات، بخصوص تمثيل ملائم للنساء؛ كما أنّ مسألة الوتيرة ليست موضوع الالتماس، بل إنّ التمييز والإقصاء والتطبيق الواضح للقانون وقرارات الحكم، التي افترضت التحدّث باسم "كافة النساء"، هو ما جاء في أساس الالتماس.
إن جواب المحكمة على سؤال الوتيرة الذي طرحته على نفسها، إشكاليٌ هو الآخر، ولن نبالغ لو قلنا إنه متأثر بآراء مسبقة. فقد قرّرت المحكمة أنه، ومن حيث المبدأ، حين يتم فحص وتيرة تحقيق تمثيل ملائم لأبناء مجموعة معينة يجب النظر إلى المميزات الخاصة لتلك المجموعة. واقتنعت المحكمة، بكلّ ما يخصّ المواطنين العرب وخصوصًا النساء العربيات، بأنّ الوتيرة التي يعمل بها وزراء الحكومة هي وتيرة شرعية في ضوء صعوبة العثور على مُرشّحين ومُرشّحات عربٍ. وهي صعوبة لم تحاول المحكمة تقصّيها من خلال فحص معقولية ونجاعة حجم الوسائل التي زعمت الدولة اعتباطًا، أنها أقرّتها، وإنما من معطيات موضوعية جمعها المُلتمس. وقد عرض الملتمس (عدالة) أمام المحكمة معطيات تدل على أنه في عام 1995 كان هناك ما يزيد عن 28 ألف أكاديمي/ة عربي/ة قادرين على أن يكونوا مُرشّحين محتملين لعضوية مجالس إدارة، وبالإضافة، قدم "عدالة" قائمة بأسماء 50 مُرشحًا كانت أسماؤهم أمام الدولة، ورغم ذلك لم يُكلّف أحدٌ نفسه عناء إمكانية فحص ترشيحهم. وأشار الملتمس أمام المحكمة إلى أنّ هناك قائمة تضم نحو 100 مرشح ملائم مبدئيًا، إضافة إلى الأسماء الخمسين، واُقتُرح على الدولة أن تفحص هذه الأسماء، لكنها لم تستجب.[19] لقد كان قصد الملتمس واضحًا: فلو أرادت الدولة لكان بوسعها أن تبذل جهدًا وتعثر على مرشحات ومرشحين عربًا. وبدلا من دلِّ الدولة على خطئها ودحض ادعائها، غير المستنِد إلى أيّ فحص موضوعي بشأن النقص في نساء ذوات قدرات ملائمة، فضّلت المحكمة اعتماد رؤية الدولة من دون محاولة الاستئناف عليها.
فالسؤال حول صعوبة العثور على مرشحات ملائمات لم يُطرح بالمرة في التماس "لوبي النساء" الأول، في مقابل السهولة غير المحتملة التي قبلت بها المحكمة نفسَ الادعاء في قضية "عدالة"، من دون أن تبذل الدولة أيّ جهد لتدعيم ذلك بالحقائق، حيث تشير هذه السهولة إلى الفهم المشوَّه الذي وَجَّه المحكمة في تعاطيها مع مميزات النساء العربيات المختلفة عن النساء اليهوديات. ولو أنّ المحكمة وافقت على أنّ النساء العربيات مشمولات ضمن الحماية التي يوفرها قرار الحكم في التماس "لوبي النساء" الأول، لكان من شأن ذلك أن يقود إلى استنتاج مفاده أنّ المُميزات الخاصة يجب ألا تشكّل حاجزًا يمنع سريان قرار الحكم عليهنَّ، بل على العكس؛ فكونهنَّ جزءًا من نفس النساء اللاتي دافع قرار الحكم عنهنَّ، يؤدي إلى تحويل مُميّزاتهنَّ الخاصة سببًا يجعل الدولة تبذل جهودًا أكبرَ كي تقوم بواجبها، حسب القانون. لقد غاب عن أعين المحكمة أنّ وتيرة تعيينات بطيئة قد تكون أيضًا دلالة على عدم اتخاذ الخطوات التي يجب اتخاذها وفقًا لصفات مجموعة النساء.[20]
لقد حظيت مسألة مكانة النساء العربيات بالاهتمام في آخر صفحات قرار الحكم، حيث نصّ القرار على أنّ المسألة لا تزال بحاجة للخوض فيها دون أن تيت فيها. لقد فضّلت المحكمة الامتناع عن بحث هذه المسألة لأنها، حسب رأيها، تثير قضية "معقدة" وأيضًا لأن الملتمس ("عدالة") لا يُشير إلى مُرشحات يُلبينَ شروط الاستحقاق المنصوص عليه، ولم يحظَ ترشيحهنَّ بالوزن اللائق. ويثير ادعاء المحكمة الأخير بخصوص غياب مُلتمسة مُتضررة تساؤلات كثيرة بشكل خاص، لأنّها ليست المرة الأولى التي يُطلب فيها من المحكمة تناول مسألة التمثيل الملائم عمومًا، وللنساء خصوصًا، حين يكون الالتماس مُقدمًا من ملتمس جماهيري وليس من نساء متضررات بالذات. فمثلا، في قضية "لوبي النساء" الأولى، لم تكتفِ المحكمة بعدم ذكر مسألة حقّ التفويض، بل قبلت أيضًا الالتماس وألغت تعييناتٍ كان صُودق عليها من قبل. وفي قضية "لوبي النساء" الثانية[21] قدّم الالتماس بواسطة ملتمس جماهيري فقط، من دون ضمّ نساء متضررات، وقبلت المحكمة الالتماسَ ووسّعت واجب منح التمثيل الملائم للنساء في إدارة أجسام إدارية، أيضًا، في الحالات التي لا يسري عليها القانون مباشرة. وفي قرار "جمعية حقوق المواطن"[22] تبنّت المحكمة نفسَ التوجه الذي اعتمدته في قرار "لوبي النساء" الثاني، وألزمت منح تمثيل ملائم بخصوص المواطنين العرب في "دائرة أراضي إسرائيل"[23]. وكذلك، لم يتم بالمرة إدخال مكانة الملتمسين كمُلتمسين جماهيريين وليس كمتضررات ومُتضرّرين في دائرة اعتبارات المحكمة حين قررت المحكمة قبول الالتماس.[24]
وهكذا فإنّ نيابة الدولة والمحكمة ارتكبتا خطأً حين امتنعتا عن النظر إلى النساء العربيات على أنهنّ مشمولات في ضمن مجموعة المحميّات من التمييز، بحدّ ذاتها، وفي نفس الوقت ينتمين إلى مجموعة النساء العامة. ومثلما تم الاعتراف بالتمييز على خلفية النزعة الجنسية كخانة مُنفصلة عن التمييز قبل أن يتم تضمينها في القانون[25]، فإنّ الاعتراف بالتمييز على خلفية جندرية – قومية هو تحصيل حاصل للاعتراف بالهُوية الكونية للنساء، كونها تشمل جوانب عينية واضحة.
تشكل قضية "لوبي النساء" مثالا واضحًا يجسّد مثالب اللغة البلاغية الكونية، حين تزعم التحدث باسم الجميع، بينما هي في حقيقة الأمر ليست من أجل الجميع. فالمُلتمس والمحكمة تطرقا إلى حقوق التمثيل الملائم لمجمل النساء، افتراضًا، من دون تخصيص ذلك لهوية قومية معينة. ولكن يتضح أنه من الناحية الفعلية تسري القرارات الليبرالية للمحكمة على النساء اليهوديات فحسب، ممّا وسّع الفجوة بين مجموعتيْ النساء على خلفية الانتماء القومي. فقد طلبت النساء العربيات في قرار "عدالة" أن يُطبّق ويسري عليهنَّ ما ورد في قرار "لوبي النساء"، من خلال التأكيد على أنّ هذا القرار يتطرق إلى كافة النساء وليس إلى اليهوديات فقط. أي أنهنّ حاولنَ منح تعريف كونيّ لمفهوم "تمثيل النساء" بحيث يضمّ العربيات وكذلك اليهوديات، لكنّ المحكمة قررت أنّ هذا المطلب "مُعقّد"، بينما ادعت النيابة أنه لا توجد هُوية تُسمى "نساء – عربيات"، بحيث تُلزم تمثيلا ملائمًا، ولو كانت هناك كهذه، فيجب القيام بذلك عبر تشريع واضح ومُنفصل. وبرأيي، أنّ هذا الوضع القانوني الذي عرضته هنا يلزمنا فحص مفهوم "الهُوية الكونية للنساء". فهذه الهُوية يجب أن تشمل داخلها مُميزات قمع مجموعات غير بارزة، كتلك المرتبطة بأقلية قومية أو عرقية مميّز ضدَّها. ولا يمكن الاكتفاء بتعريف عمومي يقوم على انتماء جندريّ فحسب. ويشكّل القرار بشأن أيעيس ميلر[26] مثالا واضحًا على انجاز نسويّ إثنيّ بشكل خاص، وليس كونيًا. فهذه القضية التي دارت حول مسألة حقّ النساء في التجنّد لسلاح الطيران الإسرائيلي، عُرضت كحالة تتطرق إلى حق كافة النساء في إسرائيل، وباسمنا "نحن النساء"، في حين كان واضحًا أنّ حركات النساء العربية في إسرائيل لا ترى في هذا النضال نضالا نسويًا، بل على العكس؛ فقد رأينَ في هذا مطلبًا بالانضمام إلى دائرة القمع المناقضة لكل رؤاهنَّ. وبما أنه كان واضحًا في القضية ذاتها أنّ النساء العربيات لن يتجنّدنَ لسلاح الطيران، بل إنهنَّ يعارضنَ هذا المطلب من منطلقات نسوية، أيضًا، فالخلاصة إذًا أنّ النضال النسويّ الذي عُرض في قضية ميلر كان إثنيًا وليس كونيًا.[27]
أنا أعتقد أنّ الأدبيات النقدية النّسوية تخطئ حين تسعى للخروج ضد الارتكان إلى الهوية الكونية. ويكمن الخطأ في أنّ هذه الأدبيات تخضع للمفهوم السائد لتعريف ما هي "الهُوية المتجانسة والكونية"، في حين يمكن تعريفها بشكل آخر. وظيفتنا كنقديات هي توفير مضمون آخر للتعريف وليس رفضه تمامًا؛ فـ "التجانس" هو ما يشمل كافة مركبات القمع ولا يتجاهل هذه المركبات.
[1] يُنظر: كاثرين مكينون، النسوية القانونية في النظرية والتطبيق، (تحرير: دافنة براك- ايريز) راسلينج للنشر، 2005، صفحة 12. (بالعبرية). مثال ملائم على مطلب النساء السوداوات بالاعتراف بالتمييز ضدهن هو قضية Jeffries التي ادعت فيها امرأة سوداء أنها تعرضت للتمييز على خلفية الجنس والعرق. فقد ترشحت المرأة لوظيفة شغلتها في السابق امرأة بيضاء ورجل أسود، لكن تقرر أن يشغلها مجددا رجل أسود وامرأة بيضاء. وادعت في شكواها إلى المحكمة، بأنها في أعقاب التعيين الجديد تعرضت لتمييز على خلفية الجنس والعرق. وقد قبلت المحكمة ادعاءها وقررت، أيضًا، أنّ حقيقة كون الرجال السود والنساء البيضاوات غير مُعرضين للتمييز لا ترتبط بالقول إنّ المشغّل لم يميّز ضد النساء السوداوات بهذه الصفة. وتقرر أنه لا يمكن للمحكمة أن تترك هذه المجموعة من النساء من دون حماية خاصة بهنّJeffries v.
[2] يُنظر مثلا: Angela G. Harris, "Race and Essentialism in Feminist Legal Theory", 42 .Stan. L. Rev. 581 (1990)
[3] أقر في الكنيست بتاريخ 16.03.1993.
[4] فيما يلي: قانون الشركات الحكومية.
[5] بند 18 أ من القانون.
[6] م.ع 453/94 لوبي النساء في اسرائيل ضد حكومة اسرائيل وآخرين، مجموعة قرارات المحكمة العليا، مجلد 48 (5), 501. (فيما يلي "قضية لوبي النساء الأولى").
[7] قضية لوبي النساء الأولى، ص 520-521.
[8] ينظر إلى: التقرير حول تعيين مدراء مجالس ادارة الشركات الحكومية، مراقب الدولة، (1998); محاضر الكنيست، نقاش حول اقتراح قتنون الشركات الحكومية من يوم 6.05.098 ; نقرير حول عمل مكتب الشركات الحكومية لسنة 2000، مكتب رئيس الحكومة، 2001.
[9] من معطيات قدمت إلى عدالة من سلطة الشركات الحكومية، تشرين الثاني, 2001.
[10] يتضح من تقرير سلطة الشركات الحكومية لسنة 2001 أن عدد النساء العربيات في مجالس إدارة الشركات الحكومية عام 2000 كان 5 نساء فقط من بين 242 امرأة في نفس الفترة ( 2.02% من مجمل النساء). نسبة النساء العربيات مقابل كافة أعضاء مجالس الإدارة في تلك السنة كانت 0.75%. حتى كانون الأول 2002 كانت 6 نساء عربيات فقط مقابل 231 امرأة يهودية بنسبة وصلت 2.6% من مجمل النساء و 0.9% من مجمل أعضاء مجالس الإدارة. خلال السنوات 2000-2005 لم تتغير تقريبا نسبة النساء اللاتي عملن كعضوات في مجالس الإدارة (تراوح بين 34%-%36 من بين الأعضاء) وبالمقابل فإن ظلت الفجوة الهائلة بين تمثيل النساء العربيات وبين اليهوديات على حالها. ينظر: علي حيدر "المواطنين العرب في سلك خدمات الدولة، تقرير جمعية سيكوي – مساواة واندماج المواطنين العرب 2000-2001، تموز 2001؛ رسالة إلى عدالة من السيدة نوغا هاروش، سكرتيرة اللجنة الشعبية لفحص الترشيحات بتاريخ 30.12.02; وشهر حزيران 2005.
[11] تعديل رقم 11 الذي ضمّن في بند 18أ1 من القانون.
[12] رسالة وجهت بتاريخ 28.11.01 من السيدة نوغا كادوش من سلطة الشركات الحكومية إلى عدالة.
[13] م.ع 10026/01 عدالة ضد رئ